![]() |
سنلتقي بعد دهر ...
سنلتقي بعد دهر
_ 1 _ ( و افترقنا ) \ . . صرير الحقائب المجرورة على أرضية الغرفة يضج بالمكان . . و قضى صراخ الأطفال على ما تبقى من طبلتيها ! رمت إليها بسؤال بصوتها حاد : . . - ماذا تفعلين ؟ ! لم تجب عليها بل اكتفت بحمل طفلها الصغير معها بينما هي تجر حقائبها جراً إلى حجرة هديل و صياح الأطفال الصغار حولها يمنعها من سمع همستها الوحيدة . . أكملت هديل صراخها على خالتها . . - ما الذي جلبك إلى هنا ؟ ..ماذا تريدين ؟ . .أرجو أن تحلي مشاكلك بنفسك بعيداً عنا . . أمسكت الهاتف وضغطت على عدة أرقام ثم أردفت . . - سأتصل عليه و سيأتي ليأخذك و تذهبين معه . . أنتِ و أطفالك . . أتاها صوت من خلفها : - لن يرد عليكِ . . استدارت لترى ذات القوام الممشوق تبتسم ببرود . . ردت عليها بصوت بارد و ابتسامة مقهورة . . - و لِمْ ؟ . . أتريدون أن يتطلقا والدي ؟ - ليست بالفكرة السيئة ، لكن ليس هذا سبب قدوم أمي بجيشها الصغير . . استشاطت هديل غضباً من ردها المثلج . . حاولت أن تحافظ على بقايا هدوءها . . بينما أكملت هناء حديثها . . - انتهى كل ما حصل بنهاية غير متوقعة .. ضحكت ضحكة جافة . . فسألتها هديل بنبرة مفجعه متخوفة : - أتطلقا ؟ ! - يا ليت . . - إذن . . ماذا ! - امم . . جلست هناء على الأريكة و وضعت ساقاً فوق ساق . . أخرجت سيجارة من حقيبتها و همت بإشعالها . . جحظت عينا هديل و هي تنزع السيجارة من بين أصابعها ، و زعقت بها . . - ماذا تفعلين . .! ؟ سحبت هناء السيجارة من بين يدي هديل المذهولة بخفة . . وقالت وهي تشعل السيجارة : - أدخن . . نفثت سموم تلك السيجارة في الهواء ثم أردفت بابتسامة صفراء . . - لم أخبرك القصة بعد . . أخي جابر تم تجنيده في الجيش إلزامياً كما حصل لجميع شباب البلاد ،. . أردفت وهي ترسم دوامات دخانية بتلك السيجارة ببرود . .: - حسنا , هذه ليست قصتنا . . قبل شهر خرج علينا والدي منهاراً من عمله و خائفاً من كل شيء من همومه و الأزمة . . إلخ ، أخذت أمي تخفف عنه و تشد من أزره بكلماتها المعهودة ، بأنه سيسدد الديون في يوما ما و أنه قريب و و و و إلخ . . لكن المفاجأة الحقيقة هي أن والدي . . قد طرد من عمله . . استنشقت من السيجارة ما استطاعت ثم بثت غبار السموم حولها . . وقالت مكملةً حديثها وهي تخرج كرة هوائية صغيرة و تلوح بسيجارتها يميناً و شمالا : - هذا سيكون شيئاً عادياً في ظِل الأزمة السياسية و الاقتصادية في البلاد . . لكن ما هو غير متوقع . . أن يمسك أبي بالزناد و يطلق طلقات عشوائية حوله . . و أن تخترق إحدى الطلقات دماغه الغبي هكذا . . ضحكت ضحكة مجلجلة وهي تشير بأصبعها على رأسها . . و تقول . .: - أتصدقين هكذا . . بكل بساطة انتحر . . و . . أمامنا . . ذهلتْ هديل مما سمعت و اغتنت عينيها بالدموع بينما تابعت هناء قص قصتها ، محدقةً في الفراغ مبتسمةً ببلاهة . . - هذا ليس كل ما حدث ، مرت أحدى الرصاصات بجانب أخي محمد الذي يرقد في المستشفى حالياً . . بالطبع . . اممم . . و ماذا أيضاً . .؟ طفرت الدموع من عينيهما وضحك هناء الهستيري مازال مستمراً . . - د تذكرت أخيراً . . تم طردنا من منزلنا . . طردنا المالك بعدما تركنا أسبوعاً لندبر مالاً للانتقال إلى منزل آخر ، و بعد كل ذلك هو من دفع أجرة السائق . . أليس هذا مضحكاً . .؟ و انخرطت في بكاء مرير تارة و تارة أخرى في ضحكات هستيرية مبعثرة ، ثم رمت بسيجارتها على سطح الأرضية ، لتنطفئ . . ||| شيعتهم بتحياتي على أمل أن لا ألتقيهم مرةً أخرى . . و ابتسامة بلهاء منطبعة على وجهي .: - إلى اللقاء .. أوصتني أم تركي وهي ترتب مظهرها و تتأكد من زينتها . . بقولها . . : - اعتني بـ تركي . . و إذا احتجتما للأسلحة ستجدونها في مكانها . . أوه ، متى ستزول هذه الأزمة . . رددت و أنا أحاول المحافظة على ابتسامتي . . - حسناً يا خالتي . . أتمنى أن لا نضطر لذلك . . لوحت بيدي لهم لأعلن انتهاء هذا التوديع الذي لم ينتهي بعد . . ردت هيفاء بنعومة و غنج زائدين . . : - إلى اللقاء - إلى اللقاء و اخيرا تخلصت من عائلة تركي المستفزة ، أم مُتصابِية و فتاة كـ الدمية ، و أب صامت لا محل له من الإعراب لا ينصب و لا يرفع فقط مبني على الكسر . و ما أن خرجوا حتى انطلقت إلى حجرته . . دخلت إلى غرفته . . ووجدته كعادته ، الأوراق ممدة على المكتب و كأنها مريض بينما يرسم هو فوقها الخطوط و التعاريج كـ طبيب يفحص مريضة و بذات الحرص و الدقة . . - السلام عليكم . . لا رد ! أعدت حديثي بصوت أعلى عله يسمعني : - السلاام عليكم ! أشار لي بيده الممسكة بالقلم . - انتظر لحظة واحدة فقط . . رددت منزعجاً من تلك الإيماءة القلمية : - هاي أنت .. أن ألقي السلام فيجب أن تـ . . رد منزعجاً هو الآخر : - و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته . . تفضل لست محتاج لمحاضراتك الآن ! و انكب في عمله مرة أخرى ، جلست على سريره استكشف آخر خرائطه التي رسمها . . - ما هذا يا فتى الخرائط . .! لقد غطيت جوانب المدينة كلها !! أجابني من بين خطوطه و مساطره و أدواته الغريبة بابتسامة سعيدة تعلو محياه . . - أتحسبني فلتُ من التجنيد لعباً ؟ ! - أأنت أيضاً فلت منه ؟ ترك ما بيديه بغتة . . و قال بفرحة . . : - إذن ستذهب معي للغابة . . انعقد حاجبيّ مع بعضهما عجباً . .: - ولم ؟ ماذا ستفعل ؟ أجابني متحمساً . . - سأستكشف المكان هناك و ارسمه على خارطة تحتوي على كل تفاصيل الغابة و كل ما تحويه من نباتات و حشرات و حشائش . . - و من سيساعدك في هذا ؟ هب من مقعده و احتضنني بقوة . . - أنت يا فتى الحشائش . . - هدئ من روعك يا فتى ، لم سنذهب إلى هناك ؟ قفز إلى أريكته الطويلة و تربع عليها بحماس . . : - قلت لك مسبقاً أطمح إلى استكشافها . . وقف و أشار إلى الغابة على الخريطة بحماس . .: - لم يقم أحد ما مسبقاً بتغطية هذه المنطقة و وصف ما فيها أشجار و نباتات و حيوانات . . - بصراحة هناك من قام بتغطيتها . . ابتسمت وأنا أتمم . .: - لكن لا بأس فليس لدي ما أفعله و خاصة أني اشتقت لتلك الحشرات الصغيرة . . انطلقت من بعدها أجهز حقيبتنا بينما تابع تركي فحص خرائطه و الانتقال من تفصيل إلى آخر . . ||| علقت ذرات الهواء في حنجرتها و أطبق الصمت على شفتيها . . نهضت و الذنب يخرسها . . لا تعرف ماذا يجب أن تقول عن تصرفاتها الخرقاء . . اكتفت في ذلك الوقت بمساعدة خالتها في ترتيب الحقائب و إعداد الطعام وهي لا ترى شيئا فالضباب غطى كل شيء . . قهقهة هناء و حتى رائحة سيجارتها و صياح الأطفال لا تشعر به مطلقاً . . وضعت الطعام أمام تلك الأجساد الصغيرة المنهكة . . وهمست مذكرة . . : - لا تنسوا بسم الله . . لم يسمعها أحد منهم أو هكذا خيل لها فقد انقضوا على الطعام كمن لم يأكل أبداً . . ذهبت إلى خالتها تساعدها على إفراغ الحقائب على أرضية غرفتها . . حاولت بث القليل من الشجاعة لحل شفتيها فتحت فاها للحظة ثم عاود الأطباق بـ جبن . . - لا داعي للاعتذار . . أقدر موقفك . . نطقت خالتها بذلك بينما ألقت هديل بنفسها في حضن خالتها . . و دمعاتها تنسكب لتبلل شفتيها . . وقالت بكلمات متحشرجة نادمة . .: - لم . . لم . . أكن . . أعلم . . ||| طلع الصبح . . أغلقت عيني محاولة كف هذا الضوء المزعج عن التسلل إلى عيني . . و لم ينجح ذلك ! . . نهضتُ و أنا ألمم فراشي و أبعده عني . . ما أن استويتُ عليه جالسة حتى تفاجأتُ بأطفال خالتي نائمين بجانب بعضهم البعض بينما كانت خالتي بوجا الكسير ترتب ملابسها في خزانتها . . آه . . تذكرت ما حدث بالأمس ! تذكرت اندفاعي و كأنني مراهقة . . بلا تفكير . . و لا وزن ! ألتفتت إلي خالتي و هي تبتسم ببؤس . .: - صباح الخير . . أسرعي قبل أن تتأخري على الجامعة . . ابتسمت بينما كنت أحاول جمع بأسي . . : - صباح النور . . سرت إلى خزانة ملابسي و أنا أحوال تفادي دهس أحد هؤلاء الأطفال الصغار . . سحبت ما وصلت إليه يداي . . ذهبت لتبديل ملابسي و الخروج من الغرفة بذات الحذر . . ما أن بدلت ملابسي حتى ذهبت لمساعدة خالتي في تحضير الفطور . . و كالعادة ها أنا أراقبها و أخفق البيض بتعاسة بينما هي تقطع الطماطم و البصل و كأن شيئاً لم يكن ، تجمع شتات ابتسامة مكسورة لتعيش يومها فكل يوم جديد يستحق أن نستقبله بابتسامه كمن سبقه و من سيتليه ، لا أعرف أن كانت تمتلك ذلك التفاؤل أو ذلك بؤس الذي يمكنها من الابتسام كل يوم و بابتسامة متكسرة متناثرة بين ليل و فجر كل يوم . . لا استطيع التحدث معها عما حدث بالأمس فهي ستتظاهر و كأن شيء لم يكن و كأن ذلك قد حدث قبل ميلادي بعشرين سنه و لم يحدث بالأمس . . - أأنت معجبة بي لتنظري إلي هكذا ؟ سألتني و ابتسامتها تحاول ضم حطامها . . - هاه - صباح الخير . . سيفسد البيض ما لم توقفي الخفق . . بقيت أحدق بها بلا وعي . . - ما بالكِ . . هل فقدتي عقلكِ . . ؟ انتزعت وعاء البيض من بين يدي . . - اذهبي لتجهيز حقيبتك . . سأتكفل بالفطور . . - حسنا . . ذهبتُ و صوتها يتبعني . . - لا تنسي أن توقظي أخوتك . . كان ردي كالهمس . . - حسنا . . جمعتُ كتبي ثم وضعتها في الحقيبة ذهبت بعد ذلك لأحمد لإيقاظه ليذهب إلى مدرسته . . ما أن استيقظ حتى ذهبت لأجد الإفطار قد أعد و خالتي تضع الأطباق على الطاولة . . ابتسمت لخالتي بينما كنت أضع حقيبتي على الكرسي . . أخرجت ما بصدري من هواء . . و طفقت أساعدها في وضع الأطباق - أين جابر ؟ توقفت عن صف الأطباق فجأة . . أردفتُ : - أعني لِم لم يـ . .؟ - تم تجنيده . . وطغى الصمت على لمكان . . ||| أوقف السيارة بجانب الطريق فتح الباب ثم ترجل من السيارة . . فتح الباب الخلفي للسيارة و أنزل الحقائب . . نظر إليه عبدالله وسط تلك التصرفات الغريبة متعجباً ! قال له تركي وهو يهم بإغلاق باب السيارة الخلفي . . - ماذا تفعل عندك . . تعال أحمل معي الحقائب ! - أنت ما الذي تفعله ! ألتفت إلى أرض الخالية بجانب الطريق . . - أود استكشاف الغابة من هذه الجهة . . أخذ يشير إليها بينما عبدالله مأسور في حالة ذهول . . أكمل تركي . : - أعني تغطية الغابة من هذه الجهة أولا . . - من هذه الجهة ! ابتسم باضطراب مترقب و قال تركي : - ماذا تنتظر ؟ - اذهب لوحدك يا ابن بطوطة . . لستُ ذاهب إلى أي مكان . . رد تركي بنبرة طفولية : - لكن منظر الغابة سيكون من هناك أجمل . . - سيكون ؟! . . ثم كم تبعد المسافة من هنا إلى الغابة ؟ ألقى تركي نظره إلى جهازه الصغير . . - تقول الخريطة الإلكترونية . . 3 كلم فقط . . ابتسم بابتسامة أوسع . . ينتظر استجابة عبدالله . . و لما طال الانتظار سأله . .: - ألن تأتي معي ؟ لم يرد عبدالله بل اكتفى بإدارة محرك السيارة . . - أن كنت ستذهب معي اركب حالاً . . رد تركي بإحباط : - انتظر . . انتظر . . سأعيد الحقائب إلى السيارة . . وضعها تركي بسرعة و ركب بجانب كرسي السائق عبدالله . . - فيما كنت تفكر بترك السيارة هنا ! . . تفقد صوبك و تصبح كالطفل إذا فكرت فقط في التخييم . . وصلت السيارة إلى بيت الشاطئ الكبير . . قال تركي وهو يشير . . : -ها هو بيت الشاطئ الجديد الذي اشتراه أبي قبل فترة قصيرة . . علق عبدالله مبتسماً . .: - يبدو جميلاً من الخارج . . دعنا نراه من الداخل . . فتح الباب وهم بالنزول . . أوقفه تركي بقوله الجاد . .: - لا تنسى أننا لم نأتي هنا لتسكع بل أتينا لاستكشاف الغابة . . نظر إليه بابتسامة لعوب . .: - أود لو تنسى ذلك . . - في أحلامك . . وضعا حقائبهما عند المدخل . . سأله عبدالله متعجباً . . : - أليس هنالك أي خدم ؟ - كلا ، في الظروف الراهنة لم نستطيع تدبير خدم دائمين للمنزل . . همهم عبد الله وهو يستكشف المكان . . - تفضل من هنا . . أشار تركي إلى أحد الأبواب البعيدة . . - هناك حجرتي . . - و لم هي بالطابق السفلي ! ؟ ابتسم تركي ابتسامة واسعة . .: - لكي أستطيع الخروج و الدخول بسهولة . . - ماذا تعني ؟ سأله عبد الله بعينين واثقتين و ابتسامة ماكرة . . - لستُ كما تظن . .! و تابع الاثنان جدالهما أو كما يسمونه نقاش الذي ليس له نهاية . . ||| ودعته و دمعاتها تعبر عن خوفها الساكن فيها و الذي يبدو أنه سيظل يعمر معها . . شهقت وهي تترجاه أن لا يذهب و تمسك ببذلة العسكرية . .: - أرجوك لا تذهب . . أتود أن يرى أبننا النور دون أن يرى والده ؟ . . - لا استطيع الوطن يناديني . . مسح على رأسها برقة . . - لكي أحميك مسح على بطنها و أكمل . . : - و أحميه . . و أحمي أهلك و أهلي و وطنك و وطني . . - لكن هذه الأزمة لم و لن تنتهي أبداً منذ ولدت و أنا أتذوق مرارتها . . طمأنها بصوته العذب . . : - ثقي بالله . . ثقي بي . . سنضع لها نهاية بإذن الله . . خرج و لم يعد . . انخرطت آمال في بكاء صامت و عينيها تراقب آخر خطواته , تتمنى له العودة سالماً و لم تطمع أن يكون غانماً . . فقط . . تريده سالماً . . أحكمت إغلاق حقيبتها . . و شرعت في صف ملابس صغيرة جداً لطفلها المترقب . . سيخرج بعد شهر و نصف ليرى الدنيا دمار . . و سينشأ كأمه جائعاً , هارباً من المجهول . . من لا شيء . . سيصعد الجبال و ينزل الوديان . . سيتوسد الأرض . . و يلتحف السماء . . و ينام في بـ. . . نهرت نفسها عن التفكير بهذا اليأس . . يجب أن تتمنى له مستقبلاً أفضل مستقبلها و تتطلع إليه . . ماذا سيجابه عبد السلام ؟ تتمنى أن لا يواجه ما واجا . . أكملت تطبيق ملابسه و ترتيبها في حقيبته الصغيرة بجانب مفرشه الناعم و رضاعته الصغيرة . . سحبت حقائبها الثقيلة لوحدها و هي تحمل معها بطنها الكبير . . كان ذلك شاقاً عليها جداً . . أوقفت سيارة أجرة حينما كانت تحاول ضبط زمام حقائبها من الانزلاق بعيداً عنها . . فتحت الباب و ركبت . . سألها السائق . . : - إلى أين نذهب . .؟ ||| بدلا ملابسهما ولبسا ملابس مريحة تناسب الرحلة التي سيخوضانها . . مشا إلى الغابة سيراً على أقدامهما . . استقبلتهما أشجار الصنوبر بدا تركي ساكناً ليس كما يكون في رحلاتهما السابقة . ! سأله عبد الله . . : - ماذا بك ؟ . . رد تركي و هو يقطع ورقة إحدى الأشجار إلى قطع صغيرة . . : - لا أدري . . سكتا بعد ذلك برهة حتى . . : - أتعرف . . لا أظن أن انفلاتنا من التجنيد فكرة جيدة . .! تطلع عبد الله إلى تركي متعجباً من حديثه . ! رد تركي على تلك النظرة بقولة . .: - أعني أن هذا ليس جيداً . . الكل يذهب ليحمي هذا الوطن و يحمي عائلته بينما نحن هنا نخطط لمشاريعنا و . . قاطعه عبدالله . .: - أنظروا إلى من يتحدث و كأنك لم تكن أول من نادى بإفلات من التجنيد . . ثم عائلتك ليست هنا هربت هي الأخرى من هذه المعمعة . . و هذه الأزمة ليست بجديدة علينا لقد ولدنا في سابقتها . . - لكننا لم نكن هنا . . لم نرى كيف تكون الحرب مخيفة . . - و ها نحن سنراها كأي شخص بقي في البلاد . . ثم نحن هنا ليس للهو بل توثيق كل ما نراه عل خريطة ستكون مفيدة على جميع الأصعدة . . صمت تركي يفكر . . شد انتبا حديث عبد الله وهو يراقب إحدى الحشرات من بعد ليس بقريب . . - هذه إحدى الحشرات التي تسمى بالنتنة و تتغذى على أوراق الخضروات . . أشار إلى أحد الأشجار . . و قال . .: - مثل دوار الشمس . . أعني أنك تجدها بين نباتات الخضروات غالباً . . انشغل تركي بتوثيق هذه المعلومات و اخذ صورة لتلك الحشرة الصغيرة و غذائها . . ثم سأل . . : - ماذا عن فوائدها و أضرارها . .؟ - لديها مادة على ظهرها تساعد في التئام الجروح بشكل أسرع و تعمل كمطهر . . لكن يجب أن تكون المعالجة بها و هي ميتة حديثاً . . - حتى لا يغطي النتن ظهرها . . فهذه إحدى وسائل دفاعها ضد الحشرات و الحيوانات التي تلتهمها . . - لكن كيف سنقتلها قبل أن تخرج نتنها ؟ - هذا عملي . . فلا بد و أن هنالك طريقة ما . . سأبحث عن ذلك في مكتبة الجامعة . . ||| يقلب صفحات الجريدة بهدوء و روية و رشفة رشفات متباينة من الشاي الأخضر . . مازال يقرأ الجريدة بتركيز و كأنني لا أحادثه مطلقاً . . - أبي ، أبي ، أبي . . أبي أبي . .! طوى الجريدة ببطء و حتى بدت لي لا مبالاته السابقة لحديثي . . : - نعم . . ماذا هناك . .؟ - كيف لا يمكن لنا العودة إلى هناك ؟ - ماذا تقصدين بـ هناك ؟ رددت بغيظ . .: - أبي أنت تعرف ! رشفة رشفة من الشاي الذي أخاله قد تجمد من برودته و قال . .: - لا ، لا أعرف . . حاولت مسك السيطرة على نفسي فهو مازال أبي . .: - بلى تعرف أن أخي عبد الله هناك و أن صديقتي هناك و أن عائلتنا كلها هناك . . ! قال و كأنه لا يدري في أي وادي أهيم . . : - أين ؟ قلت و أنا أكاد أبكي مما أحس به . .: - في الوطن . . يا أبي . . - و ماذا تريدينني أن أفعل ؟ ! - أريد أن نعود إلى هناك . . - أترك عملي و تتركين دراستك ! . . ثم هذا هو اختيارهما و هذا ما أراداه ! - أبي بسمة ضعيفة لا تحتمل شيئا , و أخي عبد الله متهور . . و الأدهى أنك تركته يفلت من التجنيد و لم تجلبه إلى هنا . . - هو من رفض أن يأتي . . - و ماذا عن بسمة ؟ - ستعتني بنفسها . .! - و ماذا لو . . أغلق الموضوع برفعه للجريدة و قوله . .: - سيعتني بها عبد الله . . رشفة آخر قطرة من الشاي الأخضر . . : - لقد انتهينا . . قمت عن كرسيي و دفعته بقوة عله يحس بغيظي ! . . و قلت . .: - لن أذهب إلى المدرسة . . ! تركت حقيبتي على المنضدة بعنف . . و ذهبت إلى غرفتي بينما صرخة الباب هي ما سمعتها بعد دفعي لها . . بدلت ملابس المدرسة بملابس البيت . . و الغضب مازال يحتويني . . أود لو أضرب أحداً . . يجب أن أهدئ . . ألقيت نظرة من خلف زجاج النافذة لأرى زحام المدينة من عشرين طابقاً . . كم هذا مزعج . . ضوضاء تملئ الهواء . . انفتح الباب من خلفي ثم انغلق بهدوء . . ابتسمت في سري سيأتي ليراضيني . ! - آنستي يخبرك سيدي بأنه سيذهب إلى عمله . . و يود لو تعودي إلى رشدك . . - حسناء ! - نعم ! - لا تجعليني أغضب أكثر من ذلك . . أرجوك . . - حسناً . . - أتعلمين أن العصبية تؤدي إلى التهابات في المسالك البولية . ! ألتفت إليها بابتسامة بلهاء . . و شاهدت آثار معلومتي عليها . . كانت كالمصعوقة كهربائياً . ! - لا ترتعبي لستُ مصابة بإحدى هذه التهابات . . لكن . . جلست على الأريكة المتمددة على الأرضية . . بينما كان نظري محلقاً إلى السماء التي تمنعني عن رؤيتها الكثير من المباني . . و أكملت . .: - أتعلمين أن أحد الأشياء التي تجعلني غاضبة من أبي أنه لا يلقي بالاً بأخوتي . . فهو يأخذ أي موضوع يمسهم ببرود و كأنهم ليسوا أخوتي . . أولاً أبعدني عنهم و هاجرنا إلى بلاد أخرى . . و لم أعد أراهم إلا في العطل . . و في حالة السلم أو الحرب لامناص من الخروج من هذه البلاد إلا في العطل . . و هذا ما يقلقني . . ألأنهم أخوتي من أمي فهم ليسوا من عائلتنا ! هذا ليس بعـ .. ألتفتُ لأرى الفراغ يهزئ بي ! كم هذا محرج . ! ليس هنالك أحد يسمعك هنا مطلقاً و كأنهم صم بكم لا يفقهون ! ||| قطعت شوطاً كبيراً لأصل إلى الجامعة و سيراً على الأقدام ! وكنت طوال طريقي من المنزل إلى الجامعة أحاول منع ضميري في التفكير في تصرفاتي الخرقاء و ما قلته في الليلة الماضية . . يالسخرية . . في يوم ولادتي تم الاصطلاح بين الأخوين و في يوم ميلادي العشرين يتخاصمان و سيؤدي خصامهما إلى نشوب الحرب مرة أخرى . ! بعد أن كانت بلادنا تعيش في أمان في ظل الحاكم . . أنجب توأمين و الذين انقضا على الحكم بعد وفاة والدهما و أنشأت الأحزاب معنا أم معهم . . عمت الفوضى البلاد بعد ذلك أدى الوزراء السابقين في تهدئة الفتنة بصلح نقض عدة مرات بمناوشات بسيطة لم تكن تأثر على الشعب و لم تكن هناك قوى عسكرية تستعد للحرب . . حينما يتم تجنيدك لتقاتل أخوتك المسلمين قد يكون احد أصدقائك أقربائك مهما كان و ما يكون مادام ليس يعيش على أرضنا فهو ليس منا . . يستحق القتل و يستحق الموت . . مادام بقي هناك في الجانب الآخر للجزيرة . . تم قطع الجسد الواحد إلى قطعتين سرعان ما تشعبت لتتقطع إلى قطع أصغر و أصغر . . أصحت البلاد و شاهدت يدها تمزق يدها الأخرى و جسدها يمزق بعضه لمن المؤلم أن تكون أحد مشاهدي هذا الجسد وهو يمزق نفسه . . فيكف أن كنت بداخله كنت أحد الأطراف الممزقة ترى دماء مهدرة . . و رقاب تتطاير . . لأجل قطعة أرض . ! لأجل الطمع . ! لأجل السيطرة . ! لأجل الحكم . ! قطعت طريقي في التفكير في مستقبلنا البائس بيأس . . - صباح الخير . . حيتني بسمة بابتسامة مشرقة متفائلة لم استطع مقاومة مبادلتها تلك الابتسامة بابتسامة بائسة . . - صباح النور . . و كأننا سنرى النور . ! - ماذا بك . ؟ وجهت سيري إلى المقهى أجبتها و أنا أسير. . : - انتحر زوجي خالتي . . توقفت برهة عن السير بينما تابعت سيري و قالت متفاجأة . . : - انتحر ! - نعم . . ببساطة آثر الموت على العيش في هذا التمزق . ! - أوه . . آسفة على ذلك . . ردت بحزن و همست . . : - سآتي للتعزية . . رددت بانزعاج من كل شيء . . : - كيف تعزين في شخص انتحر . ! و منذ شهر . ! - شهر ! - لا أزال لا أصدق هذا . . أعني ما وصلنا إليه . . أوصل بنا الخوف إلى هذه الدرجة . . أبعد الأمن و الأمان يحصل هذا . ! صمتت بسمة لم تعد تدري بما ترد . . أو لم تعد تستطيع لومي على ابتسامتي اليائسة و عصبيتي التي بدت تطفو على السطح بسبب كل تلك الأفكار و التخيلات و الضغوط ! أتمنى لو استرخي . . لو رزقني الله باللامبالاة بما حولي . ! - لا تأخذي المشاكل و كأنها مشاكلك لوحدك فهذه الأمة مشكلة شعبية يضطرب لها شعبنا و يتشاركها كلا الشعبين كما الأرض الشمالية تعاني فالأرض الجنوبية تعاني أيضاً . . - ليس الموضوع بالبساطة التي تتصورينها . . - و ليس الموضوع بالضخامة التي تتصورينها . ! صمتُ كارهةً بدأ جدال لا معنى له بين التفاؤل المطلق و الواقعية و الذي لن يفيدنا في شيء . . أردت أن أبدد ذلك الصمت بموضوع مغاير . . - ما أخبار ريناد ؟ مازالت هالة الصمت تحيط بها و هي تفكر بعيداً و تتعدى البحار و المحيطات تفكر في أختها الصغيرة و كأنها ستراها . . - إنها بخير . . - الحمدلله . . و جلسنا على إحدى الطاولات المتناثرة . . ||| حشد شبابي كبير محبوس في ساحة كبيرة . . و أمامهم يتحدث عسكري ذو رتبة عالية . . يتحدث بفمه الكبير و أوداجه المنتفخة لصراخها بينما يستقبل الميكرفون ما يتطاير من فمه بصبر أيوب . . - أنه لم المخزي أن نخسر هذه الحرب . . و أن تأخذ أرضنا و تسلب أمام أنظارنا ، و من قبل أعدائنا و نحن صامتون . ! يجب علينا أن نجهز جيشنا . . أن لا تأخذنا بهم رحمهم ما داموا لم يرحموا صغارنا و نسائنا . . فمن يفعل ذلك يستحق القتل أن كان صديقك أو أخوك أو حتى أبوك . . مهما كان مبررة . . يجب قتله ما دام ضدنا . . ضد بلادنا . . ضد أمننا . . تأمل جابر في الحشد الكبير الذي أتى ليلبي نداء الوطن سواء رضي أم أبى . . كل من به القوة أتى . . تاركاً أهله و أحبابه خلفه ليواجه هو العدو و يبقوا بأمان . . ليسمعوا هذه الكلمات عن قتل أخوته و أصدقائه لمجرد أنهم ضده . ! بحث بين الحضور عن أبوه . . فلابد و أنه أتى . . و لن يستطيع الاتصال به لأنه من الممنوع الاتصال بالأهل حتى يعتادوا على قسوة القلب . ! تم توزيع اللباس العسكري و توزيع الغرف بعد تلك الخطبة العسكرية الطويلة . . فتح حقيبته و أخذ يخرج ملابسه منها . .لاحظ أن حقيبته كانت من الداخل أصغر من المعتاد . ! تلمس ذلك السطح الجديد . . حتى وجد خيط يخرج منه سحبه فلم يخرج سحبه بقوة ليتفاجأ بكمية من الحلويات و الطعام المعلب المخبئة بحرفية و ورقة صغيرة ----- أعرف كم من السيئ أن تكون مجنداً . . أخبرتني صديقتي أن والدها كان يعاني من سوء التغذية لهذا حضرت لك أطعمة خفيفة يمكنك أكلها بخفية . . : ) هناء ----- ابتسم وهو يقرأ تلك الورقة المنزوعة من مفكرتها الوردية . . - أهناك شيء يدعو للابتسام . . ؟ أغلق حقيبته بسرعة و كرمش الورقة في يده . . - كلا . . لا شيء . . - لاشيء . ! رمى بنفسه على السرير المجاور لجابر . . - الكل هنا يقول لا شيء . . و كأن هذا شيء طبيعي أن تجند إجبارياً . ! تابع جابر إدخال ملابسه في الخزانة . . - كم هذا مزعج . ! لم يعر جابر اهتماماً لما يقوله رفيقه في الحجرة . . بينما أكمل الآخر حديثه . . : - أعني أن تكون محبوساً هنا . . سيكون السجن أرحم من ذلك . . فهم لن يتعبوك بتدريبهم القاسي . . - هلّا كففت عن التذمر . ! تحدث جابر بعد أن انتهى من إغلاق حقيبته . . - أوه و أخيراً تحدثت . . ظننتك أصم . . - هذا ليس مضحكاً . . رد بنصف ابتسامة و نبرة مستفزة . : - أوه , أنت أحد هؤلاء الذين ينادون بالقسوة ! - بل أحد هؤلاء الذين يكرهون التذمر الذي لا فائدة منه ! - ألست معي بأن هذا ليس بعدل ؟ . . أعني أن أولاد الأغنياء يتنزهون بالخارج و نحن هنا نعاني . ! صمتا لفترة . . ثم هب ذلك الصبي من مكانه . . وقال وهو يمد يده و ابتسامة صافيه تجمل وج . . - بالمناسبة أنا حبيب . . مد جابر يده هو الآخر . . : - تشرفنا . . معك جابر . . ابتسم جابر بسخرية ممتزجة بأسى في سره . . فهذا الصبي ذو الستة عشر عاماً كما يبدو . . مازال طرياً ليكون جندياً . . لم يجابه الحرب و لم يرى قسوتها . . فكيف يجندونه ؟ ! اخوكم: حـمـد الـمـري |
اخوي حـمـد الـمـري
يسلموووووووووووووووووووووووووووووو .. بانتظار البقية أختكـ الهبــــــــايـب |
الساعة الآن 06:01. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
منتديات روعة الكون