أنه الطريق إلى محبة الله عز وجل ونصره ورعايته: فالله عز وجل يقول عن أهل بيعة الرضوان:} لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا[18] {[سورة الفتح] . قال:} فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ { فرتب على علمه بما في القلوب: وهو الإخلاص والصدق، وصدق العزيمة والإرادة، وصحة القصد، علم ذلك؛ فرتب على هذا العلم قال: } فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ{ ومعلوم أن الحكم المرتب على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه، فكلما زاد إخلاص العبد؛ كلما ازدادت هذه الأمور التي تتنزل عليه من نصر الله عز وجل، وطمأنينة القلب وسكينة النفس، وكل ذلك يكون بحسب قصده وإخلاصه:} فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ { والتعقيب بالفاء بعد قوله:} فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ { حيث قال:} فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا { يدل على أن سبب نزول السكينة عليهم، وسبب إثابتهم لهذا الفتح القريب هو علمه ما في قلوبهم من إخلاص، دل ذلك على أن الإخلاص سبب للانتصار، وأن الإخلاص سبب لنزول السكينة في قلوب المؤمنين في القتال، وعند مواجهة الأعداء، وعندما يرجف بهم الناس من كل جانب، ويخوفون بالذين من دون الله عز وجل فيثبتون .
كل ذلك بسبب الإخلاص، ولهذا ينبغي للمجاهدين أن يخبتوا لله عز وجل، وأن يراقبوا مقاصدهم ولا يصدر منهم قولٌ ولا فعل يخالف ذلك؛ لأنهم قد يهزمون بسبب هذه المقاصد والإرادات السيئة، فإياك أن يشتد بأسك على العدو، أو يشتد وعيدك وتهديدك من أجل معنى فاسد في نفسك، إياك أن تهرول في وجه العدو وتعرض نفسك للموت وأنت تريد معنىً فاسد .
ومن ثمرات الإخلاص المُعجَّلة: أن صاحبه يُسدد وتنبع الحكمة في قلبه، وتصدر على لسانه: كما قال أحد علماء التابعين رحمة الله تعالى:'ما أخلص عبدٌ قط أربعين يوماً إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه' . وقد قال سفيان بن عيينة رحمه الله نحواً من هذا، وزاد عليه:'وبصَّره عيوبَ الدنيا: داءَها ودواءَها' .
فإذا صدق العبد مع الله عز وجل؛ فإن الله يسدده، ويوفقه، ويرشده إلى كل خير، وإذا نزلت الفتن واختلط الحق بالباطل، والتبس ذلك على كثير من الناس؛ فإن أهل الصدق يهدديهم ربهم بإيمانهم، ويوفقهم للصواب ،ويظهره على أبيديهم، وتنطق به ألسنتهم، وإذا كان العبد سيئ القصد؛ فإنه يخذل أحوج ما يكون إلى النصرة، فإذا وقعت الفتن- نسأل الله العافية- تخبط في موضع الفتن، وتمرغ فيه، وانغمس في ألوان من الضلالات، وصدر عنه أمور عجيبة مع سعة علمه، وفرط ذكائه إلا أن الذكاء وحده لا ينفع إن لم يكن معه إخلاص، والعلم وحده لا ينقذ إن لم يكن معه إخلاص، إن لم يكن القلب عامراً بتقوى الله عز وجل وإرادته دون إرادة الدنيا، ولذلك تجد كثيراً من الناس إذا وقعت الفتن، واشتبكت الأحوال وكثر الخلاف بين الناس فهذا يقول كذا، وآخر يرى أن ذلك من أعظم الإفساد في الأرض، تجد أهل الإخلاص يتبينون الحق ولا يبقى ملتبساً عليهم، فالله عز وجل يسددهم، ويهديهم، ويرشدهم، نسأل الله عز وجل أن يسددنا وإياكم .
و من ثمرات الإخلاص المُعجَّلة:أن صاحب الإخلاص يكفيه الله عز وجل من وجوه عدة: ومن هذه الكفايات التي تحصل للمخلصين:
أولها: أن الله عز وجل يكفى هذا العبد المخلص شأن الناس، ما بينه وبين الخلق، فلا يصله شيء يكر من جهتهم، وبالتالى لا يعيش تُؤَرَّقه الهموم؛ لأن هؤلاء يقعون في عرضه، ويظلمونه، ويعتدون عليه، فالله عز وجل يكفيه ذلك كما قال الله عز وجل:} أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ... [36] {[سورة الزمر] .
'عَبْدَ' مفرد أضيف إلى معرفة وهو الضمير:'الهاء' :} أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ{ والمفرد إذا أضيف إلى معرفة أكسبه العموم، والمعنى: أليس الله بكاف عباده، وهي قراءة أخرى متواترة في الآية: :} أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عِبْادَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ... [36] {[سورة الزمر] . الله يكفيهم شر الأشرار، وكيد الفجار بإخلاصهم. والمعنى الثاني:} أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ{ أي: نبيه صلى الله عليه وسلم.
والمقصود: أن الله عز وجل عبر بالعبودية هنا التي أضافها إلى نفسه، ما قال: أليس الله بكافٍ خلقه، أليس الله بكافٍ محمداً، وإنما قال:} أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ{ ليدل ذلك على أن سر الكفاية هو تحقيق العبودية، وهل يمكن أن تتحقق العبودية بغير الإخلاص؟ لا يمكن ذلك؛ لأنه سرها، ولهذا فإن الله عز وجل يكفى العبد كما أخبره، ويجعل له ألوان الكفاية بقدر ما عنده من تحقيق العبودية؛ لأن الحكم – وهو الكفاية هنا – المرتب على وصف – وهو: العبودية: } عَبْدَهُ{ -، يزيد بزيادته وينقص بنقصانه، فكلما ازدادت عبودية العبد لله؛ كلما ازدادت كفاية الله عز وجل له، فازدد عبودية يزدك الله عز وجل كفاية وحفظاً .
الموضوع الاصلي
من روعة الكون