فقال سيّدنا محمّد متأثراً :
ـ " غفار " غفر الله لها ، و " أسلم " سالمها الله .
و مضى رسول الله إلى مدينة " يثرب " و رافقه أبو ذر مسافة من الطريق .
و عندما عاد أبو ذر إلى قبيلته سأله بعضهم :
ـ هل حدّثك رسول الله بشيء ؟
فقال أبو ذر :
ـ نعم أمرني بسبع :
أمرني بحبّ المساكين و الدنو منهم .
و أمرني أن أنظر من هو دوني و لا أنظر من هو فوقي .
و أمرني أن أصل الرحم و إن أدبرت .
و أمرني أن لا أسأل أحداً شيئاً .
وأمرني أن أقول الحق و لو كان مرّاً .
و أمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم .
و أمرني أن أكثر من قول " لا حول و لا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم " .
فانّهنّ كنز تحت العرش .
و ظلّ أبو ذر في قبيلته يرشدهم و يعلّمهم ، و كان مثال المسلم المؤمن .
أوصني يا رسول الله
ذات يوم دخل أبو ذر المسجد فوجد سيّدنا محمّداً وحده ، فجلس قربه .
قال سيّدنا محمّد :
ـ يا أبا ذر إن للمسجد تحية و هي ركعتان .
نهض أبو ذر و صلّى ركعتين ثم عاد فجلس قرب النبيّ و قال :
ـ يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟
ـ إيمان بالله عز وجل و جهاد في سبيل الله .
ـ أي المؤمنين أكمل إيماناً ؟
ـ أحسنهم خلقاً .
ـ يا رسول الله فأي المؤمنين أسلم ؟
ـ من سلم الناس من لسانه و يده .
ـ يا رسول الله فأي الهجرة أفضل ؟
ـ هجر السيئات .
ـ يا رسول الله أي الصدقة أفضل ؟
ـ جهد من مقل يسير إلى فقير .
ـ يا رسول الله فأي آية مما أنزل الله أعظم ؟
ـ آية الكرسي . . يا أباذر ما السماوات السبع مع الكرسي إلاّ كحلقة ملقاة بأرض فلاة .
ـ يا رسول الله كم الأنبياء ؟
ـ مائة ألف و أربعة و عشرون ألفاً . .
يا أبا ذر أربعة سريانيون : آدم و شيت و خنوخ ـ إدريس ـ و هو أول من خط بالقلم و نوح ، و أربعة من العرب : هود و صالح و شعيب و نبيّك .
ـ يا رسول الله كم كتاب لله تعالى ؟
ـ مائة كتاب و أربعة ، أُنزل على شيت خمسون صحيفة ، وأُنزل على خنوخ ( إدريس ) ثلاثون صحيفة ، و أُنزل على إبراهيم عشر صحائف ، و أُنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف ، و أُنزل التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان ( القرآن ) .
ـ يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم ( عليه السَّلام ) ؟
ـ أمثالاً كلّها : " أيّها الملك المسلّط المبتلى المغرور فإنني لم أبعثك لتجمع الدّنيا بعضها إلى بعض و لكن لترد عني دعوة المظلوم فاني لا أردها و لو كانت من كافر . .
ـ يا رسول الله فما كانت صحف موسى ( عليه السَّلام ) ؟
ـ كانت عبراً كلّها : عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح ، عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك ، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب ، عجبت لمن رأى الدّنيا و تقلّبها بأهلها ثم اطمأن إليها ، عجبت لمن أيقن بالحساب غداً ثم لا يعمل .
بكى أبو ذر خشوعاً و قال :
ـ يا رسول الله أوصني ؟
ـ أوصيك بتقوى الله فانّه رأس الأمر كلّه .
ـ يا رسول الله زدني .
ـ عليك بتلاوة القرآن فهو نور لك في الأرض و ذكر لك في السماء .
ـ يا رسول الله زدني .
ـ حبّ المساكين و جالسهم .
في الطريق إلى تبوك
مضت سنوات و سنوات ، أصبح المسلمون اُمّة واحدة و أصبح لهم دولة ، و انتصروا على أعدائهم من المشركين و اليهود . و دخلت القبائل العربيّة دين الله أفواجاً .
و لمّا كان سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) رسول الله إلى الناس جميعاً ، فقد أراد للإسلام أن يعبر حدود جزيرة العرب إلى العالم كلّه .
أعلن سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) الجهاد و أمر المسلمين بالاستعداد للتوجّه نحو " تبوك " في شمال الجزيرة العربية .
و فوجئ المسلمون بإعلان النبي و تحدّيه لأكبر دولة في العالم آنذاك .
و قال المنافقون :
ـ سوف يقهرهم " هرقل " بجيوشه الجرّارة .
و كانوا يجتمعون في بيت " سويلم " اليهودي و يخوّفون المسلمين من التوجّه إلى تبوك .
و لمّا غادر النبي المدينة و تخلّف المنافقون و الذين في قلوبهم مرض ، قرّر سيّدنا محمّد أن يستخلف على المدينة ابن عمّه بطل الإسلام علي بن أبي طالب ، حتى يحبط مؤامرات المنافقين .
و شعر المنافقون بالضيق من " علي " فأشاعوا بين الناس : إنّ الرسول خلّفه استثقالاً له .
و لكي تتبيّن الحقيقة للناس أخذ علي سلاحه و لحق بالنبي خارج المدينة في منطقة تدعى " الجرف " و أخبره بما يقوله المنافقون :
ـ يا نبيّ الله زعم المنافقون انّك إنّما خلَّفتني لأنّك استثقلتني .
ابتسم سيّدنا محمّد و قال :
ـ كذب المنافقون و لكنّي خلّفتك لتحفظ المدينة و تحميها من مكرهم . أفلا ترضى يا عليّ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ انّه لا نبيّ بعدي ؟
أجاب علي :
نعم رضيت يا رسول الله .
و عاد علي إلى المدينة مسروراً بكلمات الرسول ( صلى الله عليه وآله ) .
كن أباذر
مضى النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) يقود الجيش الإسلامي عبر الصحراء ، و كان بعض المسلمين من ضعفاء الإيمان يتخلّفون في الطريق و يعودون إلى المدينة فيخبر بعضهم سيّدنا محمّداً قائلين : تخلّف فلان . فكان رسول الله يقول :
ـ دعوه فإن يَكُ فيه خير فسيلحقه الله بكم .
و في منتصف الطريق قال أحد المسلمين :
ـ يا رسول الله تخلّف أبو ذر .
فقال النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) :
ـ دعوه فإن يَكُ فيه خير فسيلحقه الله بكم .
و استمر الجيش الإسلامي يطوي الصحراء .
كان أبو ذر راكباً بعيراً هزيلاً لا يقوى على المسير . . و شيئاً فشيئاً كان يتخلّف عن الجيش الإسلامي ، حتى برك البعير عاجزاً عن التحرّك خطوة واحدة .
جلس أبو ذر حزيناً يفكّر ماذا يفعل ؟
هل يعود إلى المدينة ؟ أم يمضي ماشياً ؟
و لكن أبو ذر لم يكن ليفكّر في العودة ، فقد كان مؤمناً و يحبّ سيّدنا محمّداً ( صلى الله عليه و آله ) ، فقرّر أن يتبع آثار الجيش ماشياً .
راح أبو ذر يطري الصحراء الحارقة ، و نفد كلّ ما معه من الزاد و الماء ، و مع ذلك كان يستمر في المشي يدفعه إلى ذلك إيمانه العميق بالله و حبّه لرسول الله .
كان يشعر بعطش شديد فرأى في صخرة محفورة ماءً بارداً ، و لمّا ذاقه وجده عذباً ، فأراد أن يشرب و لكنّه امتنع و قال
ـ لا أشرب حتى يشرب منه حبيبي رسول الله .
ملأ قربته من الماء ، و مضى يطوي الصحراء ماشياً على قدميه .
كان أبو ذر يسير الليل و النهار حتى يمكنه اللحاق بالجيش الإسلامي .
عسكر الجيش الإسلامي في بعض المناطق للاستراحة ليلاً لكي يستأنف زحفه باتجاه " تبوك " .
و عندما أشرقت شمس اليوم التالي شاهد بعض المسلمين رجلاً قادماً من بعيد ، فتعجّبوا و قالوا للنبيّ :
ـ يا رسول الله إن هذا الرجل يمشي وحده !!
فقال سيدنا محمّد :
ـ كن أبا ذر .
و راح المسلمون يتطلّعون إليه ، و لمّا أصبح قريباً منهم صاحوا :
ـ هو و الله أبو ذر .
و رأى النبي على ملامحه التعب و العطش فقال :
ـ أدركوه بالماء فانّه عطشان .
و لكن أبو ذر كان يتجه إلى سيّدنا محمّد و بيده القربة ليشرب رسول الله .
فتساءل النبي :
ـ يا أباذر أمعك ماء و أنت عطشان ؟!
فقال أبو ذر :
ـ نعم يا رسول الله فداك أبي و اُمّي . رأيت في صخرة محفورة ماء المطر فذقته فإذا هو عذب بارد فقلت لا أشرب حتى يشرب منه رسول الله .
فتأثّر النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) و قال :
ـ رحمك الله يا أبا ذر . .
تعيش وحدك .
و تموت وحدك .
و تدخل الجنّة وحدك .
و يسعد بك قوم من أهل العراق يتولون غسلك و تجهيزك و الصلاة عليك .
أحاديث النبيّ
تُوفي سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) فحزن المسلمون و كان أبو ذر من أكثرهم حزناً و وفاءً لرسول الله فحفظ ما سمعه من أحاديثه و جعل منها نبراساً يضيء له الطريق .
كان أبوذر يؤمن إيماناً عميقاً بأن الخلافة حقّ إلهي مثل النبوّة و أن الله سبحانه يختار من عباده الصالحين أكثرهم جدارة ، و قد سمع أبو ذر النبيّ يقول لعليّ : أنت مني بمنزلة هارون من موسى و لكنّه لا نبيّ بعدي .
و سمعه في " غدير خُم " عندما عاد من حجّة الوداع أمام المسلمين جميعاً : من كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، و عادِ من عاداه ، و انصر من نصره ، و اخذل من خذله .
و سمعه يقول : عليّ مع الحق و الحقّ مع علي .
مع الأسف فإن بعض المسلمين تناسى هذه الأحاديث . و عندما توفي النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) و بينما كان ابن عمّه و وصيّه علي بن أبي طالب مشغولاً بهذه المصيبة اجتمع بعض الصحابة و أصبح أبو بكر هو الخليفة .
اعترض كثير من الصحابة على ذلك ، منهم سلمان الفارسي الذي قال عنه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : سلمان منّا أهل البيت
و منهم عبادة بن الصامت و أبو الهيثم التيهان و حذيفة و عمّار بن ياسر . كما استنكرت ذلك فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين و كانت غاضبة .
و بعد شهور عديدة بايع الإمام علي بن أبي طالب مضطراً ، حفاظاً على مصلحة الإسلام .
و عندما بايع الإمام ، بايع الصحابة و فيهم أبو ذر .
كان أبو ذر يفكّر بمصلحة الإسلام و المسلمين ، و لذلك ذهب إلى ميادين الجهاد دفاعاً عن الدولة الإسلامية . و كان الروم في ذلك الوقت يقومون بحملات عسكرية و اعتداءات على الحدود ، فذهب أبو ذر مع كثير من الصحابة إلى جبهات الحرب مجاهداً في سبيل الله
مات الخليفة الأوّل أبو بكر ثم جاء بعده الخليفة عمر بن الخطاب ، و كان أبو ذر في بلاد الشام يجاهد مع إخوانه المسلمين .
توفي عمر بن الخطاب و جاء إلى الخلافة عثمان بن عفان .
لم يتبع الخليفة الثالث سيرة النبي و لا صاحبيه ، فقد جاء بأقربائه و عيّنهم في مراكز الحكم ، و راح يملأ جيوبهم بأموال المسلمين . و جاء بمروان بن الحكم الذي طرده سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) و جعل منه الحاكم الفعلي للدولة .
اشتكى الناس من سياسة عثمان و جاء وفد من مدينة الكوفة فأخبر الخليفة بأن الوالي يشرب الخمر و يأتي إلى المسجد سكران و تقيأ في المحراب .
و لكن الخليفة لم يفعل شيئاً ، بل إن مروان أهان الوفد و طرده و كان فيهم من أصحاب النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) .
كان أبو ذر من الناصحين لعثمان فقال له ذات يوم :
ـ اتبع سنّة صاحبيك لا يكن لأحد عليك كلام .
أي لتكن سيرتك مثل سيرة أبي بكر و عمر .
و لكن عثمان نهرَ أبا ذر و قال أمام الحاضرين :
ـ أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذّاب ، إما أن أضربه أو أحبسه أو أقلته أو أنفيه من أرض الإسلام .
تألّم أبو ذر و تألم المسلمون لذلك و تذكّروا حديث سيّدنا محمّد له :
ما أظلّت الخضراء ( السماء ) و لا أقلت الغبراء ( الأرض ) أصدق ذي لهجة من أبي ذر .
و ها هو الخليفة يتّهم أبا ذر بالكذب و يقول عنه : الشيخ الكذّاب .
خرج أبو ذر من مجلس الخليفة حزيناً و تذكّر ما حدث له قبل أكثر من عشرين سنة . . تذكّر يوم دخل رسول الله المسجد فوجده نائماً فأيقظه و قال له :
ـ لا أراك نائماً في المسجد .
أي لا تنم في المسجد مرّة اُخرى ، ثم قال له :
ـ ماذا تصنع إذا أخرجوك من المسجد ( يوماً ما ) ؟
قال أبو ذر :
ـ إذن اذهب إلى الشام أرض الجهاد .
فقال النبيّ :
ـ فإذا أخرجوك منها ؟
قال أبو ذر :
ـ أرجع إلى المسجد .
فقال النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) :
ـ فإذا أخرجوك منه ؟
قال أبو ذر :
ـ آخذ سيفاً فأضربهم به .
فقال النبيّ :
ـ ألا أدلّك على شيء خير من ذلك ؟
قال أبو ذر :
ـ نعم يا رسول الله .
قال النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) :
تسمع و تطيع .
إلى الشا
قرّر الخليفة الثالث نفي أبي ذر إلى الشام . و لمّا وصل أبو ذر إلى الشام أمر معاوية والي الشام آنذاك إبعاد أبي ذر إلى منطقة تعرف اليوم ب " جبل عامل " في جنوب لبنان .
راح أبو ذر يعلّم الناس أحاديث النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) و سيرته ، و يستنكر انحراف الولاة و ظلمهم للمسلمين و ترفهم على حساب الفقراء و المساكين .
و كان يقرأ قوله تعالى : { و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم } . فأحبّه الفقراء و المساكين .
أراد معاوية إغراء أبي ذر بالأموال لعلّه يسكت ، فأمر بإحضاره إلى دمشق و أرسل له الهدايا ، فكان الصحابي الجليل يوزّعها على الفقراء ، ثم يمرّ على قصر معاوية و يصيح :
ـ اللّهم العن الآمرين بالمعروف التاركين له .
اللّهم العن الناهين عن المنكر المرتكبين له .
أمر معاوية بإلقاء القبض عليه فأحضره الحرّاس مقيّداً بالسلاسل و خاطبه معاوية بحقد :
ـ يا عدّو الله و عدوّ رسوله تأتي على قصرنا كلّ يوم و تصيح سوف استأذن أمير المؤمنين عثمان في قتلك .
ثم التفت معاوية إلى الحرّاس و صاح :
ـ خذوه إلى السجن .
إلى المدينة
بعث معاوية برسالة إلى الخليفة أخبره فيها بما يفعله أبو ذر و التفاف الناس حوله .
و جاء جواب الخليفة يأمر معاوية بإعادة أبي ذر و معاملته معاملة قاسية .
سمع المسلمون بذلك فتألموا و خرجوا يودّعون صاحب رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) .
كب أبو ذر ناقته يسوقها حرّاس قساة القلوب لم يحترموا شيخوخته و ضعفه فأرهقوه في السفر .
و وصل إلى المدينة في أسوأ حال فأُدخل على الخليفة و هو يكاد يسقط على الأرض من شدّة الضعف و التعب .
قال أبو ذر :
ـ ويحك يا عثمان أما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و رأيت أبا بكر و عمر ، فهل سيرتك مثل سيرتهم ؟ . . انّك لتبطش بي بطش الجبابرة .
قال عثمان بقسوة :
ـ اخرج من بلادنا .
فقال أبو ذر بحزن :
ـ إلى أين أخرج ؟
قال الخليفة :
ـ إلى حيث تريد .
قال أبو ذر :
ـ أخرج إلى الشام أرض الجهاد
صاح عثمان :
ـ كلاّ لا أردّك إلى الشام .
قال أبو ذر :
ـ أخرج إلى العراق ؟
قال الخليفة أيضاً :
ـ كلاّ .
ـ أخرج إلى مصر ؟
ـ كلاّ .
قال أبو ذر بحزن :
ـ فإلى أين أخرج ؟
ـ إلى البادية .
ـ أخرج إلى بادية نجد ؟
ـ كلاّ بل إلى الشرق الأبعد إلى " الربذة " .
صاح أبو ذر :
ـ الله أكبر . . صدق رسول الله لقد أخبرني بذلك .
سأل عثمان :
و ماذا قال لك ؟
أجاب الصحابي الشيخ :
ـ أخبرني أني أمنع من المدينة و مكة و أموت بالربذة و يتولّى دفني قوم من أهل العراق في طريقهم إلى الحجاز .
الربذة
الربذة منطقة في الجانب الشرقي من المدينة المنوّرة .
كان أبو ذر يكره " الربذة " لأنّه كان يعبد الأصنام فيها في زمن الجاهلية .
كان أبو ذر يحبّ المدينة لأن فيها قبر النبيّ و مسجده .
و كان يحبّ مكّة لأن فيها بيت الله الحرام .
و كان يحبّ الشام لأنّها أرض الجهاد .
و كان يكره " الربذة " لأنّها تذكّرة بعبادة الأصنام و لكن الخليفة نفاه إلى تلك المنطقة . و أمر مروان أن يخرج به و أن يمنع المسلمين من توديعه .
و خاف المسلمون سطوة الخليفة فلم يخرج لتوديعه سوى بعض الصحابة ، و هم : عليّ بن أبي طالب و أخوه عقيل و الحسن و الحسين سبطا رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و الصحابي الكبير عمار بن ياسر .
تقدّم الإمام عليّ يودّعه فقال له :
ـ يا أبا ذر انّك غضبت لله . .
إن القوم خافوك على دنياهم و خفتهم على دينك .
فاترك في أيديهم ما خافوك عليه و اهرب منهم بما خفتهم عليه .
فما أحوجهم إلى ما منعتهم
و ما أغناك عمّا منعوك
و ستعلم من الرابح غداً .
يا أبا ذر لا يؤنسك إلاّ الحق و لا يوحشك إلاّ الباطل .
و تقدّم عقيل فقال
ـ أنت تعلم إنّا نحبّك ، و انّك تحبنا . فاتق الله فإن التقوى نجاة . و اصبر فإن الصبر كرم .
و تقدّم سبط النبي الحسنُ بن علي فقال :
ـ اصبر يا عمّاه حتى تلقى نبيّك ( صلى الله عليه و آله ) و هو عنك راضٍ .
و تقدّم عمّار بن ياسر و هو يبكي فقال :
ـ لا آنس الله من أوحشك . و لا آمن من أخافك . أما و الله لو أردت دنياهم لآمنوك . و لو رضيت أعمالهم لأحبوك .
و بكى أبو ذر و قال :
ـ رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة ، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله .
و خرج أبو ذر مع زوجته وابنته إلى صحراء الربذة و هو يتذكّر كلمات قالها له حبيبه سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) ذات يوم
رحمك الله يا أبا ذر .
تعيش وحدك .
و تموت وحدك .
و تبعث وحدك .
و تدخل الجنّة وحدك .
الموضوع الاصلي
من روعة الكون