:: ولكنكم تستعجلون ::
بقلم : بسّام جرار
يتطلع الناس بشغف لمعرفة حقيقة ما يجري في الأرض المباركة، ولا شك أن الاحاطة بالواقع ومعرفة الابعاد يساعد الناس كثيراً على الصبر والصمود. انظر إلى قوله تعالى في سورة الكهف : " وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً " . وقد تيسّر للناس في هذه الأيّام أن يستمعوا إلى وجهات نظر كثيرة، وعلى وجه الخصوص عبر القنوات الفضائية العربية. وقد لا تكون الحقيقة فيما يُعلن. وقد لا يكون من المناسب هنا أن نطرح وجهة نظر تزعم أنها أقرب إلى الصواب. لذا أرى أن الناس يحتاجون الآن إلى أن يتبصّروا الأمور على ضوء نور القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. نعم هم يحتاجون إلى علم فوق علم البشر، وإلى نور ليس فيه ظلمة. هم بحاجة اليوم إلى البعد الغيبي بالإضافة إلى بُعد عالم الشهادة.
يقول الله تعالى في سورة الأعراف : " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق، وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها، وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا، ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين " . جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن بني إسرائيل، وواضح أنها تتحدث عن قانون لله لا يتخلف في عالم الاجتماع البشري، فقد شاء الله الحق أن يصرف المتكبرين عن الإيمان بآياته، أو التأثر بها، أو التفاعل معها. ويرجع ذلك إلى صفة (الكِبر) والتي تعني الاستعلاء على عباد الله وإستذلالهم، والتي تعني أيضاً رفض الخضوع للحق، وهي صفة تجعل المتكبر ينظر إلى الناس بازدراء واحتقار، وواضح أنّ هذه الصفة تتجلى اليوم في اليهود، بل لا نجدها في شعب أخر غيرهم على وجه البسيطة. ويرجع ذلك إلى أسباب منها، تربيتهم على أساس من مبادئ العهد القديم. تصرح الآية الكريمة أنّ الكبر يؤدي إلى الانصراف عن الإيمان، وعن الاعتبار، مهما تجلت الآيات والبراهين، كما وتصرّح بأن الكبر يؤدي إلى انحراف الفطرة بحيث تصبح النفس كارهة للسير في طريق الحق (سبيل الرشد )، ولا يكون ذلك عن جهل أو خطأ، بل عن هوى نتج عن انحراف الفطرة، ونتج عن ممارسات المتكبّر وتكذيبه للحق واحتقاره للناس. ويبلغ الانحراف مداه عندما نرى المتكبر يدرك أن سبيله هو سبيل الغي، وعلى الرغم من ذلك يتخذه سبيلاً له، يلازمه ولا ينفك عنه. من هنا قد يحار كثير من أهل الفهم في تصرفات الإسرائيليين، والتي تتناقض مع مصالحهم المستقبليّة، و تتناقض مع احتمالات قبولهم في المحيط العربي والإسلامي، بل وتشكل خطراً عليهم في مستقبلهم غير القريب، نظراً للتحولات الحتميّة التي لا بد أن تقلب الموازين في المنطقة، بل في العالم كله، وهذا قانون من قوانين التاريخ والاجتماعي البشري.
إن من يتدبر الآية السالفة الذكر، يدرك أن انحراف فطرتهم الناتجة عن الكبر، واحتقارالحق، وتكذيب الرسالات، والغفلة عن قانون الله في خلقه، هو الذي يدفعهم إلى طريق الغي ، الذي سلكوه مرّات عديدة عبر تاريخهم الحافل بالمذابح. نعم من يقرأ تاريخ هؤلاء يجد أنهم عاجزون عن فهم حقائق التاريخ، وفي كلّ مرّة يدفعون الثمن غاليا. كيف لا ورب العالمين يقول في كتابه العزيز: " وإذ تأذّن ربك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب.." أمّا نحن فلا ينقصنا الفهم، ولا ينقصنا الإيمان بحقنا، ولا تنقصنا الموارد والثروات، ولا تنقصنا الجرأة والشجاعة، ولا أسباب القوة والاتحاد. وإنما ينقصنا الإرادة الجازمة في التغيير الحقيقي والجوهري، تغيير كل ما نراه سلبياً وضارا. ومن يدرس ويراقب واقع المجتمعات العربية والإسلامية بعيداً عن روح الإحباط يلاحظ أن التغيير قادم، مع إدراكنا أننا ندفع ثمن كل تردد وتأخير. وما إسرائيل إلا عارض من عوارض مرض الإرادة لدينا. وفي الوقت الذي يزول فيه المرض يزول العارض، ولكنكم تستعجلون
الموضوع الاصلي
من روعة الكون