وداعاً أسد الهندكوش! طأ بعرجتك الجنة
بقلم د.هاني السباعي
hanisibu@hotmail.com
مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن
" والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة" هذه الكلمة التي قالها الصحابي الشهيد عمرو بن الجموح رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليأذن له أن يجاهد الكفار في غزوة أحد سنة 3 هـ.. فما أشبه الليلة بالبارحة! ها هو ذا الملا داد الله الذي كان بالأمس القريب يملأ الدنيا بجهاده في وديان أفغانستان وقمم جبال الهندكوش!
داد الله كان يعيش بيننا؛ رأيناه أسداً هصوراً مزمجراً يطأ بعرجته جبال أفغانستان الأبية الشاهقة ضارباً أروع الأمثال في الجهاد والصبر والبلاء والقيادة والريادة.. شاهدناه عبر الأثير بأعيننا واحتضنته قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها..
وداعاً أيها المعذور شرعاً لقد أخجلتنا!
إي وربي لقد أخجلتنا وأقمت الحجة على الأمة بأسرها.. لقد هيجتنا وأرقت دمعاً لم يكن بمراق!
وداعاً أيها المعذور شرعاً!
لقد شاهدناك ترص الصفوف وتنظم الأشبال وتقارع الأعداء.. وتجهز المجاهدين للربيع الذي اصطفاك الله فيه ففارقتنا.. وإنا لفراقك يا داد الله لمحزنون! ستة أعوام بعد احتلال قوى الشر أرض الإسلام في أفغانستان، أرض الصمود؛ مقبرة الغزاة، مطحنة الطغاة! ست سنين ومن قبلها وأنت تجاهد؛ على جبهتين بل على جبهات؛ تقاتل الغزاة المعتدين عباد الصليب! وفي نفس الوقت توجه الضربات تلو الضربات للخونة؛ تحالف الشمال ومن باعوا دينهم لأعداء الإسلام! لم تفتر يوماً عن جهادهم؛ فلم تل ولم تكل! شاهدناك والبسمة الحزينة تعلو وجهك الأسمر واثقاً من نصر الله بطرد الغزاة!
يتراقصون حول جثتك أمام وسائل الإعلام! وحاكم قندهار العميل المرتد يتهلل وج فرحاً وشمتاً باستشهادك! ومن قبل كانت ترتعد فرائصهم من ذكر اسمك ويفرون مذعورين كالجرذان من رائحة بارودك! فلا نامت أعين الجبناء!
يقرب حبُ الموت آجالنا لنا *** وتكر آجالُهم فتطولُ
فرح أعداء الإسلام وهم يصورونك بعرجتك وأنت نائم نومة العروس! أظهروا عرجتك ليثبتوا لأسيادهم أنهم قتلوك فعلاً!! خابوا وخسروا! حسب الأراذل أنك مت حقاً! لكنهم لم يعلموا أنهم زفوك للحياة السرمدية والخلود الذي لا نصب ولا كد ولا تعب فيه! (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران:169).
شمت الأراذل صارخين إنك ميت! لكنهم لم يسمعوا قول الجبار في محكم التنزيل (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (البقرة:154)..
شبهوك بأسد العراق شهيد الإسلام الزرقاوي وحسبوها سبة!! ولسان حالك يقول لهم أبشروا بما يسوؤكم .. ففي رحم كل أفغانية زرقاوي! ونحن نقول في رحم كل مسلمة ألف ألف داد الله.. وألف ألف زرقاوي! فنسب الإسلام موصول .. ورحم أمتنا والحمد لله ولود..
داد الله يا فخر الهندكوش!
براعم الياسمين التي غرستها بيديك قد آتت أكلها! إنهم قادمون من خلف تلال المستقبل وكأننا نراهم يقتلون و يأسرون ويطاردون فلول الغزاة الجبناء ؛ أعداء الدين الحنيف! فأشبالك جاهزون لتطهير أفغانستان من الكفار المحتلين، وكنسها من الخونة المرتدين!
وداعاً أيها المعذور شرعاً!
كان في إمكانك أن تختفي بين الكهوف وبين غابات البشر.. تؤثر السلامة متعللاً بعذر الإعاقة! كان في إمكانك أن تعيش في ملجأ للعجزة المعاقين.. و لم يكن ليلومك أحد! لكنك أبيت إلا أن تقارع الأمريكان وحلف الناتو؛ عباد الصليب كما كنت أسداً تزأر في ساحات الجهاد إبان الشيوعيين الغزاة وفقدت ساقك اليسرى التي دفنتها وقبرتها بيديك ولسان حالك قائلاً لو سألني ربي فيم قطعت ساقك؟ أقول في سبيلك يا رب! فموعدنا الجنة أيتها الساق الحبيبة!
داد الله ! يا أيها المعذور شرعاً!
لقد أبيت إلا أن تطأ بعرجتك بإذن الله تعالى الجنة! وكأنني بساقك قائلة لك: أهلاً وسهلاً ومرحباً بحبيب طال غيابه! فهنيئاً لك باجتماع الشمل ولقاء الأحبة!
وداعاً داد الله ! وداعاً أسد الهندكوش!
إن روحك التي كانت مهمومة مشغولة بقتال الغزاة! لقد آن الأوان لتستريح فهنيئاً لروحك التي تسبح في الجنة بإذن ربها في حواصل طير خضر تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش!
وداعاً أسد الهندكوش!
عزاؤنا فيك قول الله تعالى (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران:140)..
عزاؤنا فيك! أنك قتلت مقبلاً غير مدبر! عزاؤنا فيك! أنك سلمت الراية لأسد طالباني جديد سوف ينسي الغزاة والمرتدين وساوس الشيطان بإذن الواحد القهار!
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا *** ولكن على أعقابنا تقطر الدما
عزاؤنا فيك أنك وقوافل الشهداء أنكم زاد لأمة الإسلام في جهاد الغزاة الظالمين ومن والاهم!
لقد حسب الغزاة وأفراخهم أنهم بمقتل أسد جبال الهندكوش وأسد الإسلام الملا داد الله أن الجهاد قد انفرط عقده!
وحسبوا أن الإسلام فرد.. وظنوا أن الدين شخص.. يموت بموت قادته وحماته! ويحيا بحياتهم! فهيهات هيهات لما يظنون!
إن هذا الإسلام مقبرة الغزاة منذ أن أشرقت الدنيا ببعثة نبي الله محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلوات وأتم التسليمات! فهيهات هيهات لما يحسبون!
إن هذا الدين باق ما بقي موحدٌ يجاهد الأعداء حتى يسلم الراية لابن مريم عليه السلام!
وداعاً أيها البطل العظيم!
داد الله! نم قرير البال! نم نومة العروس! فلا نامت أعين الجبناء!
مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن
لندن في يوم الأحد 25 ربيع الثاني 1428هـ
الموافق 13 مايو 2007م
الموضوع الاصلي
من روعة الكون