.
.
الحب في قفص الاتهام
عبدالرحمن بن صالح العشماوي
هنالك معضلة في مفهوم (الحب) في هذا العصر، تتمثل في هذه الصورة الإعلامية المثيرة التي تنتشر عبر كثير من وسائل الإعلام مخالفة للجوهر الحقيقي لهذه العاطفة البشرية الراقية التي تقوم على جوهرها المضيء حياة الكون. لقد سلكت كثير من المواد الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة بعاطفة الحب مسالك شائكة مليئة بالأوحال، بعيدة عن الطريق الحقيقي المورق المحاط بأصناف الأزهار التي يفوح شذاها النقي، وتبهج ألوانها عيون الناظرين.
هنالك تأجيج لعواطف الحب بمعناها (الهوليودي) الذي لا مكان فيه للروح وتألقها، وإنما هو سجين الجسد، واللذة العابرة، ووهج الشهوات والرغبات الذي تصطلي به قلوب وعقول الملايين من البشر؛ حتى أصبحت كلمة (الحب) ذات وقع سلبي في نفوس أكثر الناس، وحتى صارت ظلالها ظلالاً سوداء قاتمة، تنأى بها عن الفضيلة، وتغمسها في أوحال الرذيلة والهوى والمجون.
لقد أصبحت هذه الكلمة سبباً في انهيار علاقات كثير من الناس حينما يقفون على المحك؛ فكم من زوجين بدآ علاقتهما بالحب في صورته الخيالية المتأججة وفق موازين أهواء تجار اللذة؛ ظانين أنهما قد أمسكا بالعصا السحرية للحياة العاطفية، والعلاقة الغرامية، تفرقا على شرّ ما يتفرق عنه زوجان بعد أن بنيا بيت الزوجية؛ لأن العلاقة القائمة على البناء الأسري السليم تنزل بأصحاب التهويمات الغرامية على أرض الواقع؛ فتزيل عن أعينهم الغشاوة، وتمزق تلك الملاءة الرقيقة من الأحلام والأوهام؛ ولهذا أصبحت التوعية الشاملة بهذه الأمور مطلباً ملحاً يحمل مسؤوليته الجميع.
إن عيادات الطب النفسي مليئة بضحايا ذلك (الحب) الذي أشاعته الوسائل المختلفة مشحوناً بأهواء النفوس وشهواتها ولذائذها، وأشعلته طبيعة هذا العصر الذي انتشر فيه الاختلاط، وأشكال الملابس الرجالية والنسائية المنافية للحياء، المناقضة للفطرة البشرية السليمة، وهبطت به إلى الحضيض نصوص أدبية مكشوفة، وأفلام خليعة، وبرامج يذبح فيها الخلق الفاضل والحياء بسكين التجاوز والانحلال.
يقول ابن القيم في (روضة المحبين ونزهة المشتاقين): إن حركة كل متحرك إنما وجدت بسبب الحب، وإن دواعي المحبة هي الصفات الموجودة في المحبوب التي تدعو إلى محبته؛ لذلك كان أعظم حب هو الحب لله - عزَّ وجلَّ -؛ لكمال صفاته.
إن هذه النظرة الثاقبة إلى الحب هي التي ترقى بهذه العاطفة، وتسمو بها، وتجعلها سبباً في بناء الحياة الحرة الكريمة، وهنالك قاعدة جوهرية لعاطفة الحب عند البشر تؤكد: (إن الحب غذاء القلب) كغذاء الأبدان، ونحن نعلم أن الإكثار من الغذاء لما فوق الحاجة مضرّ بالإنسان، كما أن ترك الغذاء وإهماله مضرّ بالأبدان، أما الغذاء الفاسد فهو قاتل لمن يستخدمه.
وفي الدين الحق دين الإسلام توجيه جليل لعاطفة الحب بين الرجل والمرأة؛ فإذا انقدحت شرارته في القلب، وجب توجي توجيهاً صحيحاً؛ فقد ورد في السنة الصحيحة أن قوماً جاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعهم فتاة يتيمة وأخبروه أنه قد خطبها رجلان موسر ومعسر، وأنها تهوى المعسر، وأن أهلها يهوون الموسر؛ فوجّم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: لم يُر للمتحابين مثل الزواج.
إشارة:
هبني مع الحب تقديراً وإجلالا
يُخلص لك القلب أقوالاً وأفعالا
الموضوع الاصلي
من روعة الكون