[
color=FF1493]بسم الله الرحمن الرحيم
النفس:
فهي ذات الإنسان المعنوية الشاعرة، وهي نور إلهي مركزها في الصدر وأشعتها سارية بواسطة الأعصاب في سائر أنحاء الجسد، وهذه النفس المسجونة في الجسد إنما تتعرّف على ما يحيط بها من الأشياء بواسطة الحواس، فمن طريق العين تُبصر، وعن طريق الأذن تسمع وبالأنف تشمّ وبواسطة الجلد تحس وتلمس، وباللسان تذوق طعوم الأشياء، كما تعبّر به عمّا يجول فيها من الخواطر والأفكار، وبشيء من التفصيل نقول:
إذا وقف أحدنا مثلاً أمام شاطئ البحر فلا شك أن رؤيته للبحر تجعله يخشع أمام هذا المنظر ويستعظمه وهذا الخشوع والاستعظام إنما هو خشوع النفس واستعظامها.
وإذا وقع نظرنا على شخص عزيز على قلوبنا جُرحت يده جرحاً بليغاً، وجعل الدم يتقاطر منها، فلا بد أننا نحزن لهذا المشهد ونتألم على صاحبه، فهذا الحزن والألم الذي نجده إنما هو حزن النفس وألمها. وإذا كان أحد أقاربنا الذين نحبُّهم مسافراً سفراً بعيداً وسمعنا بعودته سالماً فهناك نسرُّ ونفرح، وما ذاك إلاَّ فرح النفس وسرورها، وهكذا فالنفس هي العنصر الأساسي في الإنسان فهي التي تستعظم وتخشع وهي التي تحزن وتتكدَّر، وتسرُّ وتفرح وترضى وتغضب وتتلذَّذ وتتألم وعليها المعوَّل. والنفس هي المخاطبة دوماً في القرآن، وهي المكلَّفة بالسير في طريق الحق، وهي التي تتألم عندما تُعالج وتُداوى، وهي التي تتنعّم في الجنان فلا تبغي عنها حولا. وسمِّيت بالنفس لقيمتها النفيسة.
قال تعالى مبيِّناً مركز النفس من الإنسان:
{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}( سورة الناس: الآية (4-5).).
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}( سورة النمل: الآية (74).).
{قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ..} سورة آل عمران: الآية (29).
والنفس تسري بأشعتها في الأعصاب، والأعصاب هي الآمرة الناهية على أجهزة الجسم السبعة كافةً، وهذا ما يضمن التوازن في العمل لكلِّ الأعضاء والأجهزة ويضمن سير الحياة في الإنسان، وفي التخدير تنسحب النفس من مكان التخدير فلا يعود المريض يشعر بأي ألم ولو بُتِرَ عضو من أعضائه بسبب هروب هذه النفس وهي الذات الشاعرة من المكان المخدر.
ولنذهب إلى النسوة اللائي قطَّعن أيديهن في قصة سيدنا يوسف صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:
{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ}
.. لقد قطَّعت النسوة أيديهن لانصعاق نفوسهن لرؤية جماله صلى الله عليه وسلم، في هذه الحالة غادرت نفوسهن أجسادهن متجهة إلى سيدنا يوسف صلى الله عليه وسلم وحصل لهنَّ ما يشبه التخدير فجرحنَ أيديهن وهن غير شاعرات بما يحدث لهنَّ، ولطالما هنَّ بحالة الانصعاق والتوجه لسيدنا يوسف صلى الله عليه وسلم، لا يشعرن بما حدث من جروح في أيديهن.
وكذلك قال تعالى:
{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً..}( سورة الزمر: الآية (42).) .وفي النوم يحدث تحرُّر النفس من الجسد لكنه ليس تحرُّراً كليّاً، بل يبقى لها من أشعتها ما يسري فيه لتستمر أعضاؤه ووظائفه في السير، لكن الملاحظ أن تلك الوظائف عامة والاستقلاب العام في البدن مع ضغط الدم وضربات القلب كله ينخفض في النشاط وذلك نتيجةً لهذا التحرُّر الجزئي للنفس أثناء النوم (وهذا حاصل في الموت، لكنه كلِّي وبلا رجعة)، فالقلب ينبض والجسد يتحرَّك متقلِّباً.. والرئتان تتسعان وتنقبضان لا إرادياً، بل بتسيير الله أثناء النوم.. والإنسان لا يسمع ولا يدرك ولا يرى حتى يُرسل الله النفس ثانية وتعود السيطرة للنفس على الأعضاء تامة وذلك بحدوث اليقظة.
أما بالنسبة للروح:
فهي الإمداد بالنور الإلهي الساري في الدم ومركزها القلب المادي، وهي القوة المحرِّكة لكافة أجهزة وخلايا الجسم، وبواسطتها تتم التغذية والاستفادة من الطاقة وبالتالي حركة وقيام وحياة هذا الجسد، فهي السلطة التنفيذية لأغراض ومتطلبات ولوازم ومشتهيات النفس، وهي تحت إمرة النفس السارية بأشعتها في الأعصاب الآمرة الناهية على كافة الأعضاء الإرادية واللاإرادية.
ولقد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح، فشرح لهم صلى الله عليه وسلم الروح وسريانها في الجسد بواسطة الدم. وفي الحديث الشريف: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من الجسد..»( متفق عليه مسند أحمد ج3 ص156. ).
وذلك ما تُشير إليه الآية: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}( سورة الإسراء: الآية (85).).
{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ}: يسألونك يا محمد عن الروح. فقد سألوه عن الروح تعجيزاً له فأجابهم تعالى: {قُلِ}: يا محمد: {الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}: وكلمة (ربي) تبيِّن ذلك الإمداد الإلهي الساري في الوجود وبه قيامك أيها الإنسان ومعاشك وقيام جميع المخلوقات من إنسان وحيوان ونبات فلا تتحرك حركة إلاَّ بإمداده وأمره تعالى.. ولو أنه تعالى يسحب إمداده، أي: الروح عن المخلوقات لما بقي لها حركة ولا حياة.
ومثل الروح في المخلوقات كمثل التيار الكهربائي الذي يحرِّك كل الآلات التي تعمل بواسطته فإذا ما انقطعت تلك الطاقة خمدت الآلات وسكنت حركتها وتوقَّف عملها، وهكذا تنصبُّ الروح في الجسد على قلب الإنسان وتسري في الدم الذي يقوم بنقل الغذاء والأوكسجين إلى كافة أنحاء الجسد والعودة بالفضلات والسموم ليتم طرحها خارج الجسد عن طريق التبوُّل والزفير.
فكلمة {مِنْ أَمْرِ رَبِّي} الواردة في الآية إنما تعني: ذلك الإمداد على القلب والدم لتتم الحياة.
وهكذا بالموت ينقطع ذلك الإمداد الإلهي وتقف مساعي الإنسان في المداواة والعلاج عند هذه النقطة لأن الحياة (الروح) من أمر المربِّي وليس من أحد بمستطيع أن يمدَّ بروحٍ أبداً.
إن الطبيب له في الطب معرفة
ما دام في أجل الإنسان تأخير
حتى إذا ما انتهت أيام مدته
حار الطبيب وخانته العقاقير
أما الجسد:
فهو المركَّب من اللحم والأعصاب والعظام والدم، وهو عبارة عن ثوب النفس ولباسها ومركبها وواسطتها لتحقيق حاجاتها وطلباتها وأهدافها وميولها وانحرافاتها أو فضائلها وأعمالها العالية.
[/color]
الموضوع الاصلي
من روعة الكون