السعودية.. زواج فاطمة من منصور باطل! صور ووثائق سري للغايــة
--------------------------------------------------------------------------------
صــك زراج فاطمــة ومنصـور
"فاطمة ومنصور".. بطلا أشهر قضية اجتماعية تشغل المجتمع السعودي حاليا، حيث قضت المحكمة بالتفريق بينهما لـ"عدم التكافؤ في النسب" رغم رغبتهما في استمرار حياتهما الزوجية، خاصة مع وجود طفلين. والسعوديون ما بين غالبية متعاطفة مع الزوجين، وأقلية تتفهم حكم القاضي وتؤيده. وعلماء الاجتماع يحذرون من تداعيات الحكم، أما علماء الدين فيرون أن الحكم فيه اجتهاد قد يصيب أو يخطئ...
عاش الزوجان معا حياة هانئة سعيدة، ودعا كل منهما ربه أن يعينه على إسعاد الآخر، مرت شهور على زواجهما كانا فيها نعم الزوجين، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد فوجئ الزوجان برفع دعوى ضدهما من قبل أخي الزوجة غير الشقيق، مطالبا بفسخ عقد الزواج وكالة عن والده، بدعوى أن الزوجة "قبيلية" في حين أن الزوج يُعتبر من "الصنّاع"، أي لا ينتمي لقبيلة.
واستمرت القضية نحو عامين في المحاكم، رزق خلالها منصور وفاطمة بطفلين (نهى وسليمان)، استدعى القاضي في إحدى الجلسات فاطمة، فأكدت له أنها متمسكة بزوجها، ولا تريد الانفصال عنه، ولكن هذا لم يكن له وزن لدى القاضي، فصدر الحكم في يوليو 2006 من محكمة الجوف بفسخ عقد الزواج، مستندا إلى ما وصفه بـ"عدم الكفاءة النسَبية"!
ولم يبحث الحكم في أن الزواج تمّ بموافقة والد الزوجة، ولم يذكر الصك أن بين الزوجين طفلين أصغرهما لم يُكمل عامه الأول، ولم يُشر إلى أنهما يعيشان في بيت تسكنه المودة والرحمة.
واستنادا إلى "العرف"، واستنتاجا من كلّ الحيثيات؛ قال القاضي في ذيل صك الحكم: "حكمتُ بفسخ عقد نكاح المدّعى عليه من المرأة، وعليها العدة الشرعية حسب حالها، اعتبارا من تاريخ الحكم، ويشمل هذا الحكم التنفيذ المعجل بحيث يفارق المدعَى عليه المرأة".
السجن أفضل
أصدر القاضي الحكم غيابيا، وكان الزوجان حينها يعيشان في مدينة جدة، إحدى المحطات التي لجأ إليها الزوجان هربا من مطاردة الإخوة غير الأشقاء للزوجة، ولم يعلما بالحكم إلا بعد صدوره بسبعة أشهر، فتم إلقاء القبض عليهما بتهمة جديدة وهي "الخلوة غير الشرعية"، خرج منصور بكفالة، فيما رفضت فاطمة الذهاب إلى بيت أهلها في محافظة "الخبر"، وآثرت البقاء في سجن الدمام، وأكدت أنها لن تخرج من السجن إلا بشرط واحد هو العودة لزوجها.
انتشرت القضية بين مختلف شرائح المجتمع بالمملكة، وأخذت القضية أبعادا اجتماعية ودينية بعد طرحها في العديد من الصحف والقنوات الفضائية، الأمر الذي دفع وزير العدل "عبد الله بن محمد آل الشيخ" بالتدخل وإحالة القضية إلى محكمة التمييز.
استبشر منصور وفاطمة خيرا بهذا الأمر، وانتظرا شهورا على أمل أن تنصفهم المحكمة، فكانت المفاجأة أن صدقت محكمة التمييز السعودية بالرياض قبل أيام على حكم محكمة "الجوف" بالتفريق بين الزوجين "منصور التيماني" و"فاطمة التميمي" لعدم الكفاءة في النسب، ويتوجب بناء على الحكم ذهاب فاطمة إلى ذويها، ولكن فاطمة من جديد رفضت تسليمها لأهلها في شرطة محافظة الخبر، وما زالت باقية بسجن الدمام.
محامي الدفاع عبد الرحمن اللاحم أعرب في بيان صحفي عن أسفه على ما ذهبت إليه محكمة التمييز بتأييدها لهذا الحكم، قائلا: إنه "يخالف مبادئ الشريعة وقواعد العدالة"، معتبرا أن حق "المرأة في الاختيار" يعد حقا أساسيا من حقوق الإنسان، وبيَّن أن حكم محكمة التمييز بالرياض يعني إغلاق القضية بشكل نهائي فيما يتعلق بالجانب القضائي ما لم تستجد وقائع جديدة ومنتجة بالقضية.
بارقة أمل
علق د.حسين بن ناصر الشريف المشرف على فرع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة عضو لجنة الرصد والمتابعة بالجمعية بقوله: "طالما استنفد الحكم الطرق النظامية فلا يوجد أمام الزوجين إلا اللجوء إلى المقام السامي (العاهل السعودي) لتحويل قضيتهم إلى مجلس القضاء الأعلى كخيار وحيد".
وأشار "الشريف" إلى أن الحكم لا يتناسب مع الأضرار التي ستقع على الأسرة، وأيضا هذا الأمر يفتح على المجتمع نافذة القضايا التي ستتخذ هذا النهج "عدم التكافؤ" في كافة مناحي الحياة لعدم التكافؤ الاقتصادي والاجتماعي والوظيفي والعلمي 100%.
وأوضح أن الإسلام قد قضى على كافة مظاهر التمييز بكافة أشكاله، فكيف بالتمييز بسبب النسب؟! والمملكة موقعة على اتفاقيات دولية تحظر التمييز.
وسواء أكان حكم المحكمة قد أسدل الستار على هذه القضية، أم ما زالت هناك بارقة أمل عبر تدخل من العاهل السعودي، فكم من منصور وفاطمة داخل المجتمع؟ وهل يعني التكافؤ في النسب هدم أسرة وتشريد الأبناء؟ وعلى أي شيء تستند مثل هذه الأحكام: العرف أم الشرع؟ وما هي الأسباب التي تقف وراء اشتعال فتيل عدم التكافؤ في النسب؟.
تكافؤ النسب في النكاح
وصرح الشيخ "محمد الفايز" القاضي بمحكمة حوطة سدير: إن مثل هذه الموضوعات لها أبعاد اجتماعية، وآثارها مغروسة في النفوس منذ أمد، وتحتاج في نقاشها ومعالجتها إلى هدوء وتمعّن، والعمل بما يجلب أحسن المصالح، ويدفع المساوئ أو يقللها.
وبيّن أنه من الناحية الفقهية فإن أهل العلم مختلفون في اشتراط الكفاءة في النسب، بين من يعدّه شرطا فلا يجوِّز نكاح الشريفة في نسبها من الأقل منها نسبا، وبين آخرين يرون عدم اشتراط ذلك، حيث لا دليل على اشتراط الكفاءة بل الدليل بضدّه؛ لأن الإسلام جاء بهدم أمر الجاهلية، ومنه التفاخر في النسب، فقال جل وعلا: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13]، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى"، وقد تزوج بلال -وهو مولى- أختَ عبد الرحمن بن عوف، وهو من قريش، رضي الله عنهم، وتزوج زيد بن حارثة -وهو مولى- زينبَ بنت جحش، وهي مخزومية، رضي الله عنهما، وقال صلى الله عليه وسلم في حق الحاجم أبي رافع: "أنكحوه وأنكحوا إليه"، وهذا القول هو الأظهر في الدليل، ولا تثريب على من أخذ بأحدهما.
لكنه استطرد قائلا: "ولكن مما ينبغي التأكيد عليه التفريق بين الأمر قبل وقوعه وبعده، فإن مراعاة أمر العامة بما لا يحدث لهم فتنة لهو من مقاصد الشريعة، فلو أن كل أحد تزوج ممن يكافئه كان أحسن ووجد مبتغاه.
أما لو حدث النكاح، وتزوج الأقل نسبا ممن هم أعلى منه، وولدت زوجه له، فإنني لا أرى جواز فسخ النكاح لأجل ذلك على قاعدة: "الدفع أولى من الرفع"، وقاعدة: "حكم الشيء قبل وقوعه بخلافه بعده"، إذ كيف تفسخ زوجه منه التي عقد عليها عقدا صحيحا، وتحلل لغيره بأمر محتمل.
وتابع: "العجيب أن كثيرا من الناس يغار ويغضب لأمر النسب غضبا يخرجه عن حدود الشريعة أحيانا، ولا يغار لأمر الله، وهو الكفاءة الدينية، حيث يُقدِم بعض الآباء على تزويج مَوْلَيَاتهم من فسقة أو فجرة أو زناة، أو يُقدِم الشاب على خطبة زانية أو فاجرة، وهذا لا يجوز، قال تعالى: (وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور: 13]، فهذا النكاح باطل، بل متى طرأ الفجور على أحد الزوجين كان هذا سببا صحيحا لفسخ النكاح، فكيف بابتدائه؟"، وأكد الشيخ الفايز أن علاج هذا الأمر يحتاج إلى كثير من الأناة والبصيرة، وألا يترك للحديث عنه من قل علمه أو خف حلمه.
تصنيفات عرقية
بدورها قالت د.سلوى الخطيب أستاذة علم الاجتماع بجامعة الملك سعود بالرياض: إن المجتمع السعودي ما زال مجتمعا قبليا، تحكمه الأعراف والتقاليد، والسؤال عن الأصهار ربما يكون عادة منتشرة في كل المجتمعات عند حدوث النسب، ولكن عند بعض السعوديين لا يكون السؤال عن أخلاق الأصهار وحسن معشرهم بقدر ما هو سؤال عن أصلهم ونسبهم.
وبينت في هذا الصدد أنه يوجد تصنيفات عرقية للتفريق بين الناس، فهناك قبيلي وخضيري، والقبيلي هو الذي ينتمي إلى قبيلة معروفة، بينما الخضيري ليس له قبيلة معروفة ينتمي إليها (مجهول النسب)، ولا يجوز في أي حال من الأحوال عند الكثيرين اختلاط هذه الأعراق.
وتدعو د.سلوى لإعادة النظر في مثل هذه الأمور، موضحة أن هذه التصنيفات العرقية لا وجود لها في الحياة خلال العمل أو تكوين الصداقات، ولكن لا تطفو على السطح إلا في الزواج، فلِمَ لا يتم التخلص منها أيضا؟.
الموضوع الاصلي
من روعة الكون