أبحث عنك في محطة ضائعة... وفي ديار هجروها أهلها...
أبحث عنك في مدينة لا تستقبل الرجال...
وأبحث عنك سيدي..
في ظلام دامس... عنك.. أبحث...
فأين لعلني أجدك؟!
أين.. أجدك.. في عهد.. لم يحتضن النبلاء...
في عهد.. لم يتوج الملوك...
وعهد لم يكترث بتكريم الأذكياء...
أين أجدك؟ ومدينتنا لا تعرف شيئا عدا.. الكآبة...
وعندما أبحث عنك.. فإنني لا أريدها هذه الكآبة...
لا.. ولا أريد البقاء في هذه المدينة...
أبحث.. وأبحث...
وما زلت.. أبحث.. رغم إن بصيص الأمل صار قليل...
ربما.. أنتظر معجزة قد تحل, بيد إن الكفر صار موضة.. يصر على اعتناقها الرجال والنساء...
أو.. ربما أنتظرك أن تهبط على صورة ملاك.. أو ملاك قد ينشر رسالة سامية....
وما زلت أبحث.. سيدي...
أبحث عنك.. في جفون لا تنام..
وعيون لا تحلم... ورموش.. تتساقط...
وأمنيات.. أبحث عنك من خلال... أمنيات.. تحلق, تطير وتسافر, لكنها تعود دون الغنائم...
أصلي.. سيدي...
ليل, نهار.. كي تنزل كغيث منهمر...
وإذا لم تأتي اليوم.. أعاود الصلاة...
علني أستقبلك صباحا...
وأعلم.. جيدا..
إنه إذ لم تقدم.. فإن مدينتنا لا تستقبل الأمطار أيضا...
لا أعرف.. ما هي حكايتي مع الملائكة؟
لأنني أصلي مطالبة بها.. بل أحلم بها..
لا.. إنني أتمناها...
لكنها.. ترفض النزول على الأرض..
أو ربما هي تنزل.. لكن, ليس على هذه البقعة...
ملاكي...
عندما أدعوك, فـأنا لا أريدك حلما.. ولا أريدك وحيا...
ولا أمنية.. ولا حتى غيثا...
أريدك.. رجلا.. منقذا.. وفارسا...
أريدك.. فأبحث عنك..
أبحث عنك فلا أجدك..
لربما.. أخافتك تلك اللوحات التي علقوها, أمام مدينتنا...
وتلك الشعارات التي عنوانها.. " ويحك أيها الرجل"
لا.. إنهم لا يعنونك.. ولا يوجهون هذه الشعارات التافهة لك...
لا أعرف إلى من وجهوها.. لكنني أعلم إنها ليست لك!
قارئة الفنجان
تنظر إلى كفي...
فتقول لي: لا تحلمي كثيرا...
فترتسم علامات التعجب على ملامحي...
سيدتي, ماذا ترين؟
أو.. تدركين.. لو علموا.. آه لو فقط يعلمون...
صغيرتي.. سيمزقونك إربا... سيصلبونكِ.. سيتخلون عن ديانتهم.. وعن عبادتهم...
وسيتفرغون.. للعنتك...
تكلمت.. لكنني كنت أتمتم بالكلام.. سـ ـيـ دتي، ماذا تـ ريـ ن؟
تمسح على كفي.. وتقول: مسكينة أنت.. وفقير شبابكِ.. وقصير طموحكِ..
ومتواضع حلمكِ.. وميت.. هو, رجلك...
كيف؟
شنت مدينتكِ.. عليه الحرب.. قبل أن يولد..
وأرضعته السم.. وقصّت عليه تهديداتها.. وهو غافٍ في مهده...
وقتلته.. بلى فعلت.. ما إن فتح ثغره.. وابتسم...
أتراني أجده؟
إذا كنتِ تحبيه.. فابتعدي عنه.. دعيه..
ارحميه.. و لا تحضريه هنا.. لا تحكمي عليه بالإعدام...
لا تجعلي نهاية مصيره.. عند بوابة قلبكِ...
أين أجده؟ أخبريني.. أين أجده؟
هيا.. يا فتاة..
ما عدت أرى شيئا.. هيا.. مع السلامة
ولكن...!
مع السلامـــــــــة..
أبـــــواب مـــوصدة..
أضحك.. أسير كالمجنونة...
أخاطب نفسي..
نعم, لم يكتفوا بتدمير أنفسهم..
ولكنهم تمادوا فدمروا حلمي...
لم يكتفوا.. بإقفال أبواب المدينة..
وإغلاق أبواب قلوبهم.. بل..
إنهم أحكموا أقفال قلبي...
لا تقلق.. يا سيدي...
لا.. لن أحقق مطالب تلك العجوز...
لأنني ما زلت أبحث عنك..
وحتما.. يوماً ما.. سأجدك...
اليوم.. مر عامان.. على زيارتي لقارئة الفنجان...
لا.. لم أستطع أن أزورها مرة أخرى...
لكنك.. لم تأت.. وربما.. لن.. أو.. سوف.. لا أعلم..
أكذب على نفسي.. أو أحاول.. أن أتشبث بواقع مزيف...
أو حلم.. مستحيل!
لكن.. لا..
سأظل أبحث عنك...
نعم.. لأنه ويوماً ما.. يوماً ما...
ســــــــأجدك...
الموضوع الاصلي
من روعة الكون