بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
المسخ تحويل خلقٍ إلى صورة أخرى ، وكذلك المشوَّهُ الخلْقِ . وقال الراغب الأصفهاني: المسخُ : تشويهُ الخلْقِ والخُلُقِ وتحويلُهما من صورةٍ إلى صورةٍ . ومسخه الله قرداً : جعله على هيئته وفي صورته .
الحذر من استحلال محارم الله بأنواع المكر والحيلة
فقوله ـ تعالى ـ (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) قال ابن كثير : أي : يعتدون فيه ، ويخالفون أمر الله فيه لهم. وقوله ـ تعالى ـ : (كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ) قال ابن كثير : "أي نختبرهم بإظهار السمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده ، وإخفائها عنهم في اليوم الحلال لهم صيده".
لذلك جاء التحذير من التبديل ، والتحايل ، والأحكام الباطلة ، وهي حالات يلجأ إليها المبتدعة في أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ طـمعاً في الدنيا ، فعليهم أن يعتبروا مما حل ببني إسرائيل
خبرهم حين أتم عليهم نعمة فتح بيت المقدس قال الله ـ تعالى ـ في السورة : (وَإِذْ قِيلَ لَهُمْ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(161) .
وحكى القرآن لنا في الآية التالية ما وقع منهم من جحود وبطر فقال : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ..(162) .
قال الإمام ابن كثير : "وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق : أنهم بدَّلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل . فقد أمروا أن يدخلوا الباب سجداً فدخلوا يزحفون على إستاهم رافعي رؤوسهم . وأمروا أن يقولوا حطة ـ أي أحطط عنا ذنوبنا ـ وهو أول قارع للسمع مما أمروا به من العبادة مشعراً بعظيم ما تحملوه من الآثام ، فاستهزؤا وقـالوا : حنطة في شعيرة . وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ، ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه لفسقهم وخروجهم عن طاعته".
ثم احتالوا في الدين ففضح الله ـ تعالى ـ رذيلة أخرى من رذائلهم الكثيرة ، وهي تحايلهم على استحلال محارم الله بسبب جهلهم وجشعهم وضعف إرادتهم فقال في السورة : (وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(163) .
إلى أن قال : (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ(166). وجمهور المفسرين على أن معنى ذلك أنهم مسخوا فكانوا قردة حقيقية
والعقاب الذي حلَّ بالعصاة من أهل هذه القرية "وهم الذين اعتدوا في السبت" أنهم مسخوا قردة فحسب ، وغيرهم من أمة بني إسرائيل في حادثة أخرى أو مماثلة مسخوا خنازير .
والدليل على الترجيح : الذي أخرجه ابن حبان ، والطحاوي في "شرح المعاني" و "مشكل الآثار" ، والبيهقي ، وابن أبي شيبة في "المصنف" وأحمد ، وأبو يعلى ، وهو في "الصحيحة" (2970) عن عبد الرحمن بن حسنة قال : كنت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سفر ، فأصبنا ضِباباً ، فكانت القدور تغلي ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "إن أمة من بني إسرائيل مسخت ، وأنا أخشى أن تكون هذه . يعني الضِّباب ". وزاد النسائي وغيره : قلت : يا رسول الله ! إن الناس قد أكلوا منها ؟ قال : فما أمر بأكلها ، ولا نهى". قال الحافظ في "الفتح" (9/663) بعد أن عزاه للنسائي وأبو داود : هذا إسناد صحيح ، ووافقه الألباني
ولقد ذكَّر الله ـ تعالى ـ بني إسرائيل بعد بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سورة البقرة بالحدث الذي تضمنه هذا النص فقال ـ عز وجل ـ : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ(65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ(66) . قال ابن جرير : في قوله ـ تعالى ـ (وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) يقول : ولقد عرفتم وهذا تحذير لهم من المعصية ، وقال في قوله ـ تعالى ـ : (كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) أي : صيروا كذلك ، والخاسيء : المبعد المطرود ، وقال أيضاً : أي : مبعدين من الخير أذلاء صغراء .
وقال البخاري : خسأت الكلب : بعدته ، خاسئين : مبعدين . قال الحافظ : "...ثبت هذا في رواية المستملي وحده ، وهو قول أبي عبيدة ، قال في قوله ـ تعالى ـ : (كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) أي قاصرين مبعدين".
أخرج ابن أبي حاتم ، عن شيبان النحوي عن قتادة في قوله ـ تعالى ـ : (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) قال : فصار القوم قروداً تعاوى ، لها أذناب ، بعدما كانوا رجالاً ونساء
منقول
الموضوع الاصلي
من روعة الكون