يقع الأبناء دائماً ضحية الطلاق وتبقى مشكلة التكيف مع زوج الأم أو زوجة الأب قائمة... ويأتي دور الأبوين فعالاً إذا التزم كل منهما بواجباته تجاه أبنائه وأشعرهم بحبه وتحنانه.
واقعنا مليء بالكثير من القصص الحزينة والمأساوية ولكن كثيرا ما نفيق من سباتنا بعد فوات الأوان. هذا ما ابتدأت به أم أمل قصتها لـ «سيدتي»..
الرياض: بديعة بشرى - تصوير: عمرو فارس
قصتي مثل الأفلام.. فمنذ زواجي الأول وأنا أعيش حالة حزن.. في البداية تزوجت من أحد الشباب المهاجرين في إحدى الدول الخليجية، لكن للأسف لم يمض على زواجنا سوى أشهر قليلة حتى بدأت أكتشف حقيقة زوجي... عشت عند عائلته التي كانت تسيطر عليه، حتى أصبحت تدخلاتهم في حياتنا تجبرني على طاعتهم بالنهاية، رضيت بواقعي واستسلمت للقدر وعملت كخادمة في منزلهم..
بعد فترة من هذا الصراع.. تحدثت مع زوجي واستطعت إقناعه بأن نبحث عن منزل آخر.. وبالفعل انتقلنا بعد عامين من النزاع إلى منزل مستقل ولكن.. لم تختلف الحياة في منزلنا عن منزل حماتي التي استطاعت أن تسيطر عليها عن بعد، فكانت لها تصرفات غريبة تصل إلى حد الاتصالات في منتصف الليل لإزعاجنا بأمر مهم وما ذلك إلا للتنكيد علينا... حتى أنها عندما تأتي إلى منزلي تتصرف فيه بحرية مطلقة معتبرة نفسها صاحبة البيت وإن حدث وقمت بعمل شيء في المطبخ مثلاً أواجه بالتأنيب والشتم بألفاظ نابية. ضغطت على أعصابي بما فيه الكفاية حتى بدأت تنتابني حالات من الإغماءات المتكررة وارتفاع في ضغط الدم بعدما تعرضت مرات عديدة للضرب من قبل زوجي بسبب مشاكل عائلته، حتى انه كان بعدما يضربني يأخذني إلى قسم الشرطة لكي لا أتجرأ على تقديم شكوى ضده!! وفي كل مرة ينتهي الأمر عند الضابط الذي استنكر تصرفاته الغريبة وحاول الإصلاح بيننا مرارا وتكراراً.
بعد فترة عناء رهيبة طلبت منه الطلاق ولكنه رفض بعد ما أخذ رأي والديه و قالوا له (اتركها معلقة).. فكان السفر إلى وطني هو الحل الوحيد الذي سينقذني من شر زوجي وأهله.. وفعلاً سافرت وأنا أحمل في أحشائي طفلة لا أعلم مصيرها.
أين أبي؟
وبعد مضي أشهر قليلة من سفري أنجبت صغيرتي أمل و زاد مشواري في الحياة المؤلمة القاسية.
بدأت طفلتي تكبر وتسألني عن والدها أين هو؟ لا استطيع إجابتها سوى أنه مسافر. لم يكن يتصل لمعرفة أحوالها فقررت أن أجد وظيفة أؤمن بها حياة طفلتي، وبعد مرور ثماني سنوات على ذات الحال فضلت أن أتطلق منه بوساطة المحكمة في بلدي وفعلاً تقدمت بدعوى ضده.. تم إعلانها في الصحف لكي يحضر جلسات المحكمة أو يوكل من ينوب عنه، ولكنه تغيب عن جميع الجلسات وحكم القاضي بطلاقي منه غيابيا.
بعدها نذرت حياتي لتربية ابنتي التي لم أعودها على كره والدها، بل صورته لها ملاكا حتى لا تصطدم بواقعه المؤلم.
وفي يوم ميلادها أحضرت لها الهدايا المحببة لها وأخبرتها أن والدها أحضرها لها، ومضت حياتنا هكذا هادئة إلى أن تقدم لي رجل متزوج في نفس البلد الذي يعيش فيه زوجي السابق، وبعد أن اشترطت عليه بقاء ابنتي معي وافقت على الزواج منه وبالفعل تم زواجنا... وبدأت المشاكل بعد حضوري إلى زوجي عندما أخبرت زوجي السابق بوجود ابنته معي، أتى إلى منزلي واستقبله زوجي وفتح له بيته.. طلب أن يأخذ طفلته معة ليعرّفها إلى أهله ويعيدها بعد يومين ولكن طال الانتظار... ولم يعدها.
للصبر حدود
انتظرت أربعة أشهر لم أر خلالها ابنتي. نفد صبري ولم أجد من يدلني على عنوان منزله وبدأت أبحث عن صغيرتي ونسيت حياتي مع زوجي الذي قدر حالتي النفسية ووقف إلى جانبي في أحلك الظروف.
وبعد أن عرفت عنوانه طلبت منه إحضار ابنتي، وبعد إلحاحي المتكرر له أتى بها إلى منزلي لتقضي بعض الوقت معي على أن تعود للعيش معه فرفضت ابنتي وحدث ما لم أتوقعه.
بدأ يسبني ويحملني نتيجة رفضها للعودة معه وهددني بأن ينتقم مني.. ومن زوجي الذي مسّه القذف بألفاظ سيئة.
بعدها تقدم مطلقي بشكوى للسفارة يقول فيها إنني زوجته وعلى ذمته وتزوجت بآخر.. كيف لي أن أفعل ذلك؟ وأنا من أسرة مسلمة ومحافظة.
طلب مني المسؤول في السفارة إحضار الأوراق الرسمية التي تثبت بطلان إدعائه، وبالفعل أخذت صكي الزواج والطلاق وبعد اطلاع المسؤول عليهما أمره بألا يتعرض لي ولابنتي طالما أن طفلتي مضافة معي في جواز السفر.
فدبّر مصيبة لزوجي أدخله بها السجن، ولم يكتف بذلك بل أخبر أهل زوجته الأولى بزواجه مني.. بعدها قررت العودة مجدداً إلى بلادي تاركة زوجي خلف القضبان يواجه ذنباً لم يقترفه وربما يطاله الإبعاد من البلاد.
«سيدتي» استوقفها بكاء الطفلة ذات السنوات التسع وسألتها عن سبب حزنها فقالت: «أنا لا أود العيش مع بابا وجدتي، فهما يسبّان أمي ويقولان إنها تزوجت حتى تتخلص مني وعندما أطالبهما برؤيتها لا يسمحان لي بالذهاب إليها ويضرباني ويطلبان مني عدم ذكرها».
«سيدتي» زارت جارة أم أمل منذ زواجها الأول التي عبّرت عن حزنها لما حدث وقالت: أنا جارة أم أمل منذ تسع سنين عندما كانت متزوجة بزوجها الأول، فهي هادئة الطباع، وعندما كنا نزورها تعلل عدم زيارتها لنا أن زوجها يمنعها من الخروج، وبعد فترة من سكنهما قربنا كنا نسمع صيحات استغاثة من منزلهما ولكن لا نستطيع التدخل في شؤونهما الأسرية، وبعد أن تفاقم الأمر بينهما طلبت أم أمل مساعدتنا بعد أن فاجأتها نوبة ربو حادة، حينها لم يكن الزوج موجوداً في المنزل فأخذناها إلى المستشفى القريب من المنزل ثم اتصل زوجي بأبي أمل وأخبره أن زوجته في المستشفى فأخذ يصرخ فيه بدلاً أن يقدم له الشكر. ولا أعتقد بأن أم أمل كانت سعيدة معه فدائما ما تحدثني عن خلافاتهما المتكررة وتدخل أهل زوجها في حياتهما. حاولنا التدخل للإصلاح بينهما ولكن الزوج صدنا ومنعنا من زيارة زوجته.
وبعد فترة طويلة علمنا أن أم أمل سافرت إلى بلادها واستقرت بها وقد تطلقت من زوجها وتزوجت من آخر وشاءت المصادفات أن نلتقي مرة أخرى وتتكرر معها نفس التجربة القاسية من زوجها السابق.
ماذا يقول القانون؟
وتحدث عن الجانب القانوني في هذه القضية القنصل أحمد يوسف فقال:
إن الجانب القانوني لهذه القضية واضح تماما ويفصل فيه قاضي المحكمة التي ينتمي إليها الطرفان بالشرع والقانون، وطالما أن الطفلة مضافة في أوراق والدتها الثبوتية فلا بد أن تغادر إلى وطنها مع والدتها، ويعطي القانون الزوج الحق في حضانة طفلته طالما أن والدتها قد تزوجت, وإذا ثبت للمحكمة عدم صلاحية والدها للمسؤولية والرعاية فمن حق جدة الطفلة لأمها حضانتها.
اختصاصية اجتماعية:
وجود الطفلة مع زوج أمها أمر غير مستحب!
ترى الدكتورة فاديا عبد الواحد، الاختصاصية الاجتماعية في مستشفى الملك خالد بالرياض، أن أساس المشكلة يكمن في الطفلة محل الخلاف بين الأبوين، والمتتبع لأحداث الوضع الاجتماعي للطفلة يجد أنها عاشت مع والدتها حتى سن الثامنة وبالتالي والدها لم يتعرض لها خلال هذه الفترة ولكن الأم عندما تزوجت عملت وبطريقة غير مباشرة على التخلص منها، إذ إنها اتصلت بوالدها وطلبت منه أن يزورها لأن وجود طفلتها مع زوجها الثاني غير مستحب ومن هنا بدأت المشكلة. فالابنة ضحية والدتها ووالدها غير المدرك لعواقب الأمور، رغم أن المعضلة شبه محلولة لأنها عادت مع والدتها إلى وطنها، ولكن هذا يتطلب من الأم أن تحصل على حق شرعي وقانوني في الوصاية على (الابنة)، كما يجب على الأب تحديد موقفه تجاه ابنته وهو يعلم أن والدتها هي خير وأقرب وأعطف إنسان تعيش معه ابنته دون أن يهمل زيارتها والسؤال عنها حتى تعتاد ابنته عليه ويشعرها بالحب والحنان الأبوي.
رأي الشرع
لنا قائلاً:
إن سوء العشرة الزوجية من قبل الزوج دائما ما تنتج عنها سلبيات عدة على الزوجة والأطفال، فلا بد للزوج أن يكون حسن المعشر مع أهل بيته. أما الشق الثاني فهو قضية الطفلة فحضانتها من حق والدها طالما أن والدتها قد تزوجت وللأم حق زيارة ابنتها، ولا يجوز للأب منع مطلقته من زيارة طفلتها، وإذا ثبت أن الوالد غير صالح للولاية والرعاية لسوء خلقه، ففي هذه الحالة يعطى حق حضانة الطفلة إلى جدتها من أمها.
(( منقول من مجلة سيدتي ))
الموضوع الاصلي
من روعة الكون