كعادته الصبح في هذه الأيام ما يلبث إلا يبث شيئا من الكآبة بداخلي, ويضفي لمسة من الرتابة على هذا اليوم المشمس...
عجبا للإنسان ومؤثراته, تارة يكره فصل الصيف بحجة الحر والجفاف, وتارة يكره فصل الشتاء بحجة البرد والحاجة إلى الدفء...
والخريف قد يكون عنوانا للملل أو يكون انسلاخ بين الحالتين, بقي الربيع هو المطلب, ففيه الزهور والخضرة التي تكسي الأرض أجمل الثياب, والندى في الصباح والأجواء المعتدلة وكأن هذا الفصل قلب شاب عاشق مفعم بالحب, ولكن للأسف الربيع هو أقصر الفصول لدينا...
هذه علاقتي بالفصول لأنني أؤمن بارتباط الإنسان ببيئته, فالإلهام لا يحلو إلا في الأماكن الرائعة كشاطىء البحر مثلا...إلى غير ذلك.
لاتكمن مشكلتي هنا فلقد تأقلمت مع الفصول وأصبحت أتفنن في طقوسها, ولا تكمن مشكلتي مع الليل فالليل لا يخلو من أمرين فإما أن يكون عالما من العشق والهيام تملأه النجوم التي ترمز لحكايات الحب ومواطن القلوب, وإما أن يكون الليل بحرا مظلما يغرق فيه محب سابق أو فارس تخلت عنه فرسه ليغرق في هذا البحر, وبالنسبة لي فالأمر سيان فقد عشت هذين الأمرين جميعا, فعلى قدر مامنحني هذا الليل من سعادة وفرح على قدر ما أورثني من حزن وألم..
لقد شيدت في الليل العديد من القصور لأحلامي وعلى النقيض بنيت المقابر لذكرياتي, لقد عشت في الليل معيشة الملوك وعشت فيه أيضا معيشة البؤساء..
بقي جزء في حياتي لم أتخيل قط يوما أن يفقد رونقه ومكانته الخاصة في نفسي ألا وهو الصبح, نعم لم أتخيل أن يكون الصبح كئيبا في يوم من الأيام, أصبحت بهذا الصبح الكئيب كزهرة بدون شذاها, كم لك أن تتخيل الجسد بلا روح هكذا آل بي المطاف, أخذت أحاول أن أعيد لصبحي بهجته ولكنني فشلت, بدأت أبحث عن السبب حتى اكتشفته وهو أنني افتقدت أربعة أحرف من حياتني وهي الميم والواو والنون والياء, كانت هذه الأحرف مجتمعة هي بهجة حياتي فما بالك بصبحي, وكيف وأنا كنت أستيقظ على صوتها العذب وهي تخبرني بأن أجمل مافي دنياها هو صوتي المبحوح, كانت هي زهور صبحي وكانت هي الأمل, كانت مصدر الإلهام بل السعادة بل كل شىء جميل, كنت إذا استيقظت قبل أن تهاتفني أحاول جاهدا ألا أتحدث كي لا يفقد صوتي عذريته قبلها, كانت في نظري ملاك يتجلى في الصبح كانت كل شيء....
وما إن فقدتها حتى فقد هذا الصبح رونقه وأصبح كئيبا, لأنه لم يبقى به سوى ذكرى تطير بي لملاقاتها ثم تبدأ بالتلاشي تدريجيا حتى أغرق في كآبة هذا الصبح, هكذا أصبح صبحي كليلي لا يختلفان إلا بدرجة الضوء فقط, ولكن الغريب أن لهذا الصبح الكئيب معروفا علي... وهو أني أصبحت أحيي ذكرى تلك الأحرف كل صباح, وأبعث لها أطيب الأماني والدعوات راجيا من الله أن يرعاها من شرور الدنيا وكآبـــــــــــــــــــة الصبـــــــــــــــــــــح......
الموضوع الاصلي
من روعة الكون