التقينا إذا ...
الدين قالوا (( الجبال وحدها لا تلتقي)).. أخطئوا.
والذين بنوا الجسور بينها، لتتصافح دون أن تنحني أو تتنازل عن شموخها... لا يفهمون شيئا في قوانين الطبيعة.
الجبال لا تلتقي إلا في الزلازل والهزات الأرضية الكبرى، وعندها لا تتصافح، وإنما تتحول إلى تراب واحد.
التقينا إذا.
وحدثت الهزة الأرضية التي لم تكن متوقعة، فقد كان احدنا بركانا، وكنت أنا الضحية.
يا امرأة تحترف الحرائق. ويا جبلا بركانياً جرف كل شيء في طريقه، واحرق أخر ما تمسكت به.
من أين أتيت بكل تلك الأمواج المحرقة من النار؟ وكيف لم احذر تربتك المحمومة، كشفتي عاشقة غجرية.
كيف لم احذر بساطتك وتواضعك الكاذب، وأتذكر درسا قديما في الجغرافيا: (( الجبال البركانية لا قمم لها، أنها جبال في تواضع هضبة..)) فهل يمكن للهضاب أن تفعل كل هذ؟
كل الأمثلة الشعبية تحذرنا من ذلك النهر المسالم الذي يخدعنا هدوؤه فعبره، وإذا به يبتلعنا. وذلك العود الصغير الذي لا نحتاط له.. وإذا به يعمينا.
أكثر من مثل يقول لنل بأكثر من لهجة ((يؤخذ الحذر من مأمنه))ز ولكن كل تحذيراتها لن تمنعنا من ارتكاب المزيد من الحماقات، فلا منطق للعشق خارج الحماقات والجنون. وكلما ازددنا عشقا كبرت حماقاتنا.
الم يقل(برنارد شو) (( تعرف انك عاشق عندما تبدأ في التصرف ضد مصلحتك الشخصية!))
وكانت حماقتي الأولى، إنني تصرفت معك مثل سائح يزور صقلية لأول مرة، فيركض نحو بركان (إتنا)، ويصلي ليستيقظ البركان النائم بعين واحدة من نومه، ويغرق الجزيرة ناراً، على مرأى من السواح المحملين بالات الفوتوغرافية... والدهشة.
وتشهد جثث السواح التي تحولت إلى تراب أسود انه لا أجمل من بركان يتثاءب، ويقذف ما في جوفه من نيران وأحجار، ويبتلع المساحات الشاسعة في بضع لحظات.
وأن المتفرج عليه يصاب دائما بجاذبية مغناطيسية ما... بشيء شبيه بشهوة اللهب، يشده لتلك السيول النارية، فيظل منبهرا أمامها. يحاول أن يتذكر في ذهول كل ما قرأه عن قيام الساعة، وينسى بحماقة عاشق، انه يشهد ساعتها .. قيام الساعة!
يشهد الدمار حولي اليوم، إنني أحببتك حتى الهلاك، واشتهيتك.. حتى الاحتراق الأخير. وصدقت جاك بريل عندما قال: (( هناك ارض محروقة تمنحك من القمح ما لا يمنحه نيسان في أوج عطائه)). وراهنت على ربيع هذا العمر القاحل . ونيسان هذه السنوات العجاف.
يا بركانا جرف من حولي كل شيء.. الم يكن جنونا أن أزيد على جنون السواح والعشاق، وكل من حبوك قبلي.. فأنقل بين عند سفحك، واضع ذاكرتي عند أقدام براكينك، واجلس بعدها وسط الحرائق.. لأرسمك.
الم يكن جنونا .. أن ارفض الاستعانة بنشرات الأرصاد الجوية، والكوارث الطبيعية، واقنع نفسي إني اعرف عنك أكثر مما يعرفون. نسيت وقتها إن المنطق ينتهي حيث يبدأ الحب، وان ما اعرفه عنك لا علاقة له بالمنطق ولا بالمعرفة.
التقت الجبال إذا.. والتقينا.
ربع قرن من الصفحات الفارغة البيضاء التي لم تمتلئ بك.
ربع قرن من الأيام المتشابهة التي أنفقتها في انتظارك.
ربع قرن على أول لقاء بين رجل كان أنا، وأنت
لم أكن أتوقع أن تكوني المعركة التي ساترك عليها جثتي، والمدينة التي سأنفق فيها ذاكرتي.. واللوحة البيضاء التي ستستقيل أمامها فرشاتي، لتبقى عذراء.. وجبارة مثلك. تحمل في لونها كل الأضداد.
كيف حدث كل هذا؟ لم اعد ادري.
كان الزمان يركض بنا من موعد إلى أخر، والحب ينقلنا من شهقة إلى أخرى، وكنت استسلم لحبك دون جدل.
كان حبك قدري... وربما كان حتفي، فهل من قوة تقف في وجه القدر؟.
الموضوع الاصلي
من روعة الكون