مها فهد الحجيلان
تمر بعض النساء في بلادنا بعقبات كثيرة حتى تجد وظيفة مناسبة وتستقر بها. بعض هذه العقبات ثقافية متغيرة من منطقة لأخرى، وبعضها يخص العائلة وظروفها, وبعضها الآخر له علاقة بالأنظمة والقوانين المتبعة في الجهة التي تريد أن تتوظف بها مثل أن تتقدم المرأة إلى قسم رجالي أو يكون الحل والربط في يد فلان الذي لن يحرك الملف إلا باتصالات ومتابعة شخصية يمكن أن تفتح أبوابا لدى بعض المعتوهين أو أن يكون هناك قسم نسائي غير متعاون فتضطر المتقدمة أن تتصل بمسؤول معين في هذه الجهة وتتعامل معه شخصيا لكي "تمشي" أمورها. ولا يوجد في هذا شيء إن كان هذا المسؤول شخصا عاقلا متوازنا ولكن المشكلة هي حينما يكون إنسانا استغلاليا ولديه مشكلات نفسية وربما أخلاقية في التعامل مع المرأة.
تشتكي كثير من السيدات السعوديات من مشكلة التحرش الجنسي أثناء التقديم على وظيفة أو حتى أثناء العمل خصوصا إن كان في وسط يشتغل فيه الرجال والنساء مع بعضهم البعض. تتنوع طرق التحرش وتتدرج من نظرات فاحشة إلى كلمات غزلية أو تعليقات على الجسد إلى محاولات للتقرب. وهذا يأخذ أشكالا مختلفة وأحيانا في حالة كون شخصية المرأة ضعيفة وغير مدبرة لأمورها قد تكون هناك محاولة للاعتداء على الجسد باللمس أو غيره.
ومن صور التحرش أن يجد موظف معين رقم جوال المتقدمة على الوظيفة من خلال ملفها ثم يتصل بها مراراً ويحاول معاودة الاتصال بحجج مختلفة لكي يوصل إليها رسالة مفادها أنه وحده هو القادر على مساعدتها وتثبيتها في هذه الوظيفة. وقد تستمر المسرحية ويطلب منها أمورا كثيرة كمقابلته أو غير ذلك من تصرفات مخجلة حتى يتلطف عليها بكرمه ويساعدها بالتوظيف لديهم. والبعض الآخر يعطل أمورها حتى تأتي بنفسها وتتحدث معه ثم تتصل به؛ وهنا قد يخبرها أنه وقع في حبها وأنه فهمها من أول نظرة وأنه قادر على إسعادها وغير ذلك من الترّهات التي يختلقها بعض الرجال وتقع فيها قليلات العقل.
وقد تكون صور التحرش غير واضحة في عبارة أو جملة يظهر فيها الموظف استحسانه لهذه السيدة مثلا كأن يمدح مظهرها أو صوتها أو شخصيتها أو خلاف ذلك ويقول بأنه يفخر بمساعدة أمثالها أو يشعر بالبهجة أن القدر أوقع به تحت أقدام هذه السيدة، أو أنه لا يعرف سببا لسعادته الغامرة هذا اليوم ولكن اكتشف أن ذلك راجع إلى مقابلته لهذه السيدة، وغير ذلك من السلوك المهين الذي تواج المرأة العفيفة. ويتعمد بعض الرجال المسؤولين عن التوظيف الاحتكاك بالمرأة لأي سبب سواء بالحديث معها ومحاولة التعرف أكثر عليها؛ ثم يأخذ هذه المعلومات ويستخدمها في خلق شخصية له يحاول بها جذب هذه المرأة أو الإيقاع بها بشكل معين.
التحرش الجنسي بالطبع غير محدود على ثقافة أو بلد بعينه، ولكن في ظل ظروفنا الخاصة من فصل بين الجنسين ومحاولة جادة في إبعاد الاتصال المباشر بينهما حتى تحت الظروف الرسمية إلا في حالة الضرورة؛ فإن المرأة تظل قليلة خبرة في كيفية التعاطي والتعامل مع مواقف التحرش والأشخاص الذين يتجرأون عليها لفظا أو فعلا. فالمرأة السعودية تخاف كثيرا من الفضيحة حتى وهي المظلومة؛ فهي في الغالب ستلام إن حصل لها اعتداء لأن الآخرين سيقولون إنها بلا شك ساهمت في استثارة هذا المعتدي. وفي ذهن هؤلاء الناس فإن طرق الاستثارة تكون إما بطريقة لبس المرأة التي قد يرونها مختلفة أو مثيرة وفقا لقوانينهم الثقافية، أو تكون في الكلام بطريقة عفوية أو غير حادّة، أو في أمور سلوكية أخرى مثل طريقة المشي أو النظرات التائهة وخلافها.
وحتى نكون واقعيين فإنه لا يمكن أن ننكر أن هناك سيدات يساهمن في تعزيز هذه الفكرة في كونهن يكسرن الكثير من المسلمات الثقافية ويضعن أنفسهن في مواقف حرجة ويتعاملن بطريقة غير ناضجة. ولكن حتى مع وجود هذه الفئة غير الواعية بين النساء فإنه لا تزال الغالبية العظمى من السيدات بعيدات عن هذه السلوكيات ولا يبحثن بشكل متعمد نحو شد انتباه أحد أو إثارة غرائز الرجال.
وإضافة إلى أن الناس سيلقون باللوم عليها فيما حصل لها حتى وهي الضحية، فإنه لا توجد قوانين واضحة تمنع التحرش وعقوبات صارمة معروفة تردع كل من تسول له نفسه أن يعتدي على أي سيدة مهما كانت ظرفها. وهذه الضبابية القانونية تفتح بابا واسعا للمعتدين وتجعل المرأة السعودية فريسة تكاد تكون سهلة.
ويجب أن نذكر أن من يقع في أيدي الأمن من معتدين على الأعراض والنساء فإنه بلا شك سيلاقي عقابا صارما؛ ولكن لا نعرف إن كان هناك عقاب مثلا لمن يعتدي على النساء بنظراته الفاحشة ويلاحقهن ويرمي عليهن الكلام أو يسألهن عن أرقامهن مثلا؟ وهذا ما أعنيه بالضبابية القانونية كون الكثيرين لا يعرفون بالضبط إن كان هناك قانون يمنع مثل هذا التصرف غير المقبول اجتماعيا ودينيا. وهل هناك قانون واضح يمنع التحرش الجنسي أثناء العمل؟ وهل تعمل وزارة العمل على أن تجعل هذا قانونا معلنا إن كان أصلا موجودا حتى ترتاح نفوس السيدات العاملات والمتقدمات ويعرفن حقوقهن ويطالبن بها عن طريق القنوات القانونية الصحيحة؟
الملاحظ على فئة عريضة من الرجال السعوديين أنهم للأسف لا يجدون حرجا في أن يطلقوا لأعينهم العنان في تفحص النساء وبشكل فج بعيد عن الحياء والحشمة. وما أعنيه هنا ليست النظرات الطبيعية العفوية؛ بل أعني تلك النظرات المشحونة والتي يتعمّد أن يظهر فيها الرجل معاني جنسية غير لائقة.
والعجيب أن الكثيرين من هؤلاء لا يتورعون أن يلاحقوا بأعينهم نساء هن بعمر أمهاتهم؛ ولكن مع هذا تجدهم يسيرون خلفها ويطلبون رقمها عنوة، وكأن هذه السيدة فعلا ستنسى دنياها وكل من عرفت من أجل شاب لا يعرف الأدب ويعتقد أن عينيه الجائعتين فيهما سر سعادة كل امرأة!
الغريب أنه إن سألت هؤلاء الشباب لماذا يقومون بهذا العمل؛ فإنك ستجد الواحد منهم يقول لك في الغالب إنه رجل ولا يعيبه شيء؛ ثم إن هذا يدل على رجولته التي تدعمها الثقافة من خلال تشبي بالذئب الذي لا يؤتمن على الغنم! والبعض يؤكد أنه كونه غير مرتبط فلا يوجد ضرر!!
ولكن حينما نفكر بالرجل في الثقافات الأخرى غير العربية والتي لا تنتمي للشرق الأقصى أو الأدنى؛ فإننا نجد أنه لا يقوم الرجل بهذا الفعل مع النساء. بل إن لكل موضوع وقته ولكل نظرة معنى صحيحاً واحدا لا غلوطة فيه؛ فهل يعقل أن هؤلاء ليسوا رجالا؟ أم إنهم يعانون من مشكلة جنسية وأن العرب هم مختلفون عن غيرهم بالتركيبة، وكأنهم خلقوا من شيء آخر غير ما خلق منه البشر!! إنه لأمر مضحك ومخزٍ في الوقت نفسه فعلا أن يعتقد هؤلاء الشباب أنهم رجال بفعلهم هذا. وبكل صراحة فسلوكهم هذا هو دليل واضح على تدني مستوى تفكيرهم لأنه حينما تنحسر سلطة العقل تزيد هيمنة الغرائز.
وقد انسحبت هذه السلوكيات السلبية من الشارع إلى ميدان العمل، وأصبحت الكثير من الموظفات يشتكين من تحرش زملائهن بالنظرات، ولكن لا يمكن أن يمسك عليهم شيء لأنهم بلاشك سينكرون ويتهمون المرأة بأنها كاذبة أو معقدة أو موسوسة أو ربما مجنونة. وهذا يجعل تقريبا الجميع من هؤلاء الموظفات يتجاهلن هذه النظرات السيئة ويسرن بأعمالهن وكأن شيئا لا يحصل. أما الخطوة التي تلي النظرة فهي في العادة محاولة لاستلطاف السيدة؛ وهنا تبرز شخصية المرأة فهي إن كانت قوية وحازمة وواثقة من نفسها فهي ستقفل هذا الباب من بدايته ولن تتكرر معها أفعال أخرى إلا ما ندر في أن يكون مثلا بدافع تحد أو بغض. ولكن إن كانت ضعيفة أو غير واثقة بنفسها وهيئتها وقدراتها فهي ستقع في حبال كل من يلقي عليها كلمة رومانسية كونها ستتعلق بها معتقدة أن بها خلاصها وسعادتها.
وبغض النظر عن نتيجة هذه المحاولات، فإنه من المستنكر أن يتجرأ أي زميل عمل أو مدير أو مسؤول على الموظفة، لأن هذا يدل أنه بالفعل لا توجد قوانين واضحة ضد هذه السلوكيات المخجلة أو أن هناك اتفاقا رجاليا غير معلن في التكتل ضد المشتكية وقلب المشكلة عليها ولومها بما يحصل، وهذا يجعلها تخسر وظيفتها وتخرج بالفضيحة التي قد تلاحقها وتطارد أسرتها. وهذا المجتمع لا يرحم النساء حتى وإن كن مظلومات، لذلك فإنه من النادر أن نسمع بشكاوى ضد أشخاص بسبب تحرش جنسي أثناء العمل أو التقديم على وظيفة.
كثيراً ما نسمع أن أمور السيدة الجميلة تتيسر حينما يقف على أمرها رجل وربما تتعطل كثيرا حينما تتولى أمورها امرأة. وهذا بالفعل يحصل ويجعل المرأة التي تعطل مصالح غيرها بتصرفاتها هذه غير المسؤولة تقوّي مركز الرجل دائما وتجعل النساء - بشكل عام - يحتجنه باستمرار؛ وبهذا يبقين ضعيفات معرّضات للاعتداء. فمتى تكسر المرأة هذه الحلقة؟ لذلك فإنه إضافة إلى سن قوانين واضحة وصارمة ضد التحرش الجنسي فإنه كذلك يجب أن نهتم بتأهيل سيدات يرتفعن بمستواهن العقلي عن السفاسف ويرتقين بإنتاجية العمل إلى مستوى المهنية المطلوبة.
الموضوع الاصلي
من روعة الكون