موقف الإمام ابن حزم:
يقول الإمام ابن حزم في طوق الحمامة: "الحب -أعزك الله- أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالها عن أن تُوصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وهو ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة؛ إذ القلوب بيد الله عز وجل. وقد أحب من الخلفاء المهديون والأئمة الراشدون وكثير من الصالحين والفقهاء في الدهور الماضية والأزمان القديمة من قد أستغني بأشعارهم عن ذكرهم. وقد ورد من خبر عبد الله ابن عتبة بن مسعود، ومن شعره ما فيه الكفاية، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة وقد جاء من فتيا يقصد إفتاء ابن عباس رضي الله عنه ما لا يحتاج معه إلى غيره حين يقول: "هذا قتيل الهوى لا عقل ولا قود".
ويستدل الإمام ابن حزم على موقفه من الحب بما رواه بسنده في موضع آخر من كتابه طوق الحمامة من أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين، إني رأيت امرأة فعشقتها، فقال عمر: ذاك مما لا يملك".
ومن الواضح أن الأمام ابن حزم تعامل مع موضوع الحب كبديهة لا تحتاج إلى جدل كبير، ولذلك لم يهتم بحشد أكبر قدر من النصوص للدفاع عنه والاستدلال عليه وإباحته.
ونحن لا نتفق مع الذين ذهبوا إلى اتهام الإمام ابن حزم بانتهاك أحكام الدين بسبب ما أورده عن أفعال العشاق في كتابه طوق الحمامة؛ لأنه كما نعلم من قواعد الدين أن ناقل الكفر ليس بكافر. والإمام ابن حزم كتب هذا الكتاب بروح المفكر والأديب، كما كتبه بروح الفقه. والصفتان الأوليان تقتضيان عليه استقصاء الأمور في كل ما يتعلق بالعشق، أو ما يشتبه به من أمور أخرى، سواء كان هذا عفافًا أم فجورًا أم ضلالاً، وهذا ما فعله الإمام ابن حزم دون أن يعني ذلك موافقته على الأمور الخارجة عن أحكام الدين فيما ذكره، وإن كنا نذهب إلى أن روح التسامح بوجه عام كانت غالبة على الإمام ابن حزم في نظرته إلى الأحكام المتعلقة بالعشق، ونستشف ذلك بوجه خاص في موقفه المتشدد من الوشاة. ولكن على التوازي مع ذلك التسامح فقد شدد الإمام ابن حزم على إظهار فضل العفاف والتشنيع من جريمة الزنى، فوازن بذلك بين التسامح مع العشق كحالة خاصة ترتبط أساسًا بالعاطفة القلبية، وبين التشدد على ابتغاء الشهوات والسقوط في الفجور
موقف الإمام ابن القيم من الحب:
يقول الإمام ابن القيم في كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين": "اختلف الناس في العشق: هل هو اختياري أو اضطراري خارج عن مقدور البشر؟ وفصل النزاع بين الفريقين أن مبادئ العشق وأسبابه اختيارية داخلة تحت التكليف (أي أن الأسباب الأولى للعشق اختيارية). فإن النظر والتفكر والتعرض للمحبة أمر اختياري فإذا أُتي بالأسباب كان ترتب المسبب عليها بغير اختياره (أي أن النتيجة المترتبة على هذه الأسباب من وقوع المحبة غير اختيارية). ولهذا؛ إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلَم عليه صاحبه (أي أنه لو كانت الأسباب الأولى للعشق مباحة فإن وقع العشق بعد ذلك لا يُلام عليه صاحبه) كمن كان يعشق امرأته أو جاريته. ويُقاس على نفس الأمر من خطب امرأة أو أراد خطبتها ونظر منها ما يشجعه على خطبتها كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له فهذا لا يُلام على ذلك كما في قصة بريرة ومغيث. وكذلك إذا نظر نظرة فاجأته (أي النظرة الأولى) ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره. ومن الواضح أن عليه مدافعته وصرفه عن قلبه بضده، فإذا جاء أمر يغلبه فهناك لا يلام بعد بذل الجهد في دفعه".
ويقول في موضع آخر: "العشق لا يُحمد مطلقًا ولا يُذم مطلقًا، وإنما يحمد ويذم باعتبار متعلقه؛ فإن الإرادة تابعة لمرادها، والحب تابع للمحبوب. فمتى كان المحبوب مما يُحبُّ لذاته، أو وسيلة توصله إلى ما يُحبُّ لذاته، لم تذم المبالغة في محبته، بل وتُحمد. وصلاح حال المحب كذلك بحسب قوة محبته.
والعشق إذا تعلق بما يحبه الله ورسوله كان عشقًا ممدوحًا مثابًا عليه. وذلك أنواع أحدها محبة القرآن، وكذلك محبة ذكره سبحانه وتعالى، وكذلك عشق العلم النافع، وعشق أوصاف الكمال من الكرم والجود والعفة والشجاعة والصبر وسائر مكارم الأخلاق.
الموضوع الاصلي
من روعة الكون