الاستغراق في الله بالتأمل في صفاته مثل التأمل في عظمة قدرته وأفعاله ومخلوقاته ودقة صنعه وإبداع خلقه ودقة علمه الذي يسري إلى كل جزء من أجزاء الكون وفي أعماق نفس الإنسان (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار)، (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه).
وكلما زاد الإنسان علماً وزاد تأمله في علم الله زاد خشوعاً وإجلالاً وتقديساً لله (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا أن كان وعد ربنا لمفعولاً ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً). ولهذا كان لقمان يوجه ابنه عند تربيته تربية إيمانية روحية إلى التأمل في دقة علمه تعالى ليزيد خشوعاً وإجلالاً وتقديساً لله فقال: (يا بني إنها أن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير). إن الإنسان عندما يتأمل في هذه القدرة العلمية الهائلة ليقشعر جسمه لفرط تعظيم الله وإجلاله ولهذا فالذين يتأملون في مخلوقات الله وعجائب مخلوقاته يزيدون شعوراً بالإجلال وذكر الله في قيامهم وقعودهم وسيرهم. ولهذا قال تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأُولي الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار).
هذا الاستغراق في الله يجعل الإنسان يحيا في عالمه بالليل والنهار ذاكراً وساجداً وداعياً ومقدساً ومعظماً ومرتلاً، لقوله تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله أناء الليل وهم يسجدون).
وعند يستغرق الإنسان في عالم الله على هذا النحو ينسى عالمه الحسي وهمومه ومشكلاته الدنيوية، وينسى نفسه لأن روحه تحيا في عالمها الذي تنزع إليه بالطبيعة وتميل إليه بالفطرة.
الموضوع الاصلي
من روعة الكون