حين سمعت صوت هاتفى الجوال يعلن عن وصول مكالمة تنتظر ان يرد عليها شخص ما ، شعرت بالذهول أن يتصل بى أحد فى مثل هذا الوقت المتأخر ، ونظرت فى الساعة فوجدتها الثالثة والنصف بعد منتصف الليل .. فقمت من على السرير بعد أن كشفت عنى الغطاء بصعوبة فى مثل هذا البرد فى شهر فبراير فى الاسكندرية ، وذهبت أحكم غلق النافذة أولاً حتى لا يدخل هواء البحر البارد ، ثم اتجهت إلى المكتب وأنا أسخط من نفسى .. لماذا تركت هاتفى بعيداً عن السرير فى مثل هذا البرد؟
وأسخط من الذى يتصل فى مثل هذا الوقت ..
كان من عادتى أن أترك هاتفى بعيداً عن السرير عندما أضبطه ليوقظنى مبكراً ، حيث أننى عندما أضعه بجانبى أجد نفسى مستيقظاً بعد ميعادى بأكثر من ساعتين على الاقل ، وقد أغلقت الهاتف دون أن أشعر وأنا نائم ، ولذلك أتركه بعيداً عنى حتى أكون قد استيقظت فعلاً عندما اذهب لأغلقه ..
نظرت فى الرقم الذى يتصل بى متأخراً هكذا ، فشعرت بالدهشة .. حيث وجدت رقماً طويلاً يدل على أن المتصل من دولة أخرى ، وانا لا أعرف أحداً بالخارج .. مما جعلنى أكاد أموت غيظاً ..
بالتأكيد سأقول ذات الجملتين الآن اللاتين تدلان على ان الرقم خطأ ..
واستعددت لقولهما وفتحت الخط ، لأجد صوتاً أنثوياً عربياً يتساءل عن إنه لو كنت أنا من يبدأ إسمه بحرف الألف؟!!
لا أدرى لماذا كنت أريد أن أسب وألعن دون مراعاة لأن التى تخاطبنى أنثى ، ولكننى ملكت أعصابى وقلت لها ما يفيد بأنه ما من احد يتصل فى مثل هذا الوقت ليلعب أو يحل مسابقة ، وأنا لا أحب البرامج الهزلية التى يعدون فيها بالملايين مقابل أن يبدأ اسمك بحرف الالف ..
سمعت هى كلماتى بابتسامة .. لا أدرى كيف عرفت أنها تبتسم ، ولكنها كانت صامتة تماماً حتى أنهيت كلماتى ، فقالت بصوت ضاحك أنها وجدت الزجاجة ... ما هذه الألغاز؟!!
- يا آنسة أنت أو مدام .. أولاً مبروك أنك وجدت الزجاجة .. ثانياً أنا لا أعلم عما تتحدثين .. ثالثاً وهو الأهم أنا أريد أن أنام ولا أبالى بأنك أضعت زجاجة ثم وجدتيها أو لم تجديها ، ولا أهتم سوى بأن أغلق الخط الآن لكى ..
قاطعتنى بسرعة حتى لا أغلق الخط فعلاً ، وأخبرتنى ببساطة أنها وجدت زجاجة فى البحر بها ورقة ملفوفة ، والورقة بها رقم هاتفى وحرف الألف وحرف آخر لم تتبينه جيدا .. فهل أنا من يبدأ اسمه بحرف الألف؟
لم أكد أصدق نفسى من المفاجأة حين سمعت كلماتها ولم أستطع أن أنطق بحرف بعدها ، حيث أنها أحيت ذكرى بداخلى لم ولن تموت أبداً ، ولكنها انزوت إلى جانب مظلم من الذكريات لايضيئه إلا موقفاً كهذا الذى يحدث لى الآن ..
كنت وقتها مع حبيبتى بعد أن اجتمعنا بعد فراق طويل ..
كان ذلك من أربعة أعوام ، وكنا فى بداية أيام زواجنا فى أحد الدول الأوروبية نقضى ما يسمونه شهر عسل .. وكنت فى غاية السعادة وقتها وهى كذلك بالتأكيد ..
اقترحت عليها فكرة شاهدتها مرة فى إحدى الأفلام الأجنبية ، أن أكتب أول حرفين من إسمينا على ورقة صغيرة وكلمتين تدلان على ان حبنا إلى الأبد ، وزدت على ذلك رقم هاتفى كى أعلم من الذى سيجد الورقة فى يوم من الايام ، وقلت لها أن من يتصل بى بعد ثلاث أو أربع أعوام سيذكرنا بهذا اليوم الجميل الذى سيظل فى ذكرانا فعلاً الى الأبد ، ثم وضعت هذه الورقة فى زجاجة وألقيتها فى البحر ، فضحكت هى وقالت لى ما معناه أنه لن يفكر أحد فى الإتصال بشخص مجنون يكتب رقم هاتفه ويلقيه فى البحر ..
لم أكن أعلم وقتها أنها ستذهب هى الأخرى خلف الزجاجة فى البحر ليضيع الإثنين إلى الابد .. ضاعت حبيبتى وضاعت الزجاجة ، ولم يبق لى إلا الذكريات ، حتى الزمن لم يترك لنا وقتاً كافياً بعد هذا الحدث لكى نمضيه سوياً .. إن كلها إلا بضعة أيام وكانت حبيبتى إحدى ضحايا البحر القاسى ، وغرقت وسط كنوزه ، وهى أغلى من كل كنوزه ..
- يا أستاذ هل أنت من يبدأ اسمك بحرف الألف؟
لا أدرى لماذا لم أطلب منها الزجاجة ، ولم أتحدث بعدها ، وما فعلت إلا أن مسحت دمعة فرت من عينى ، وأغلقت الخط ، وذهبت إلى سريرى بعيداً عن هذا البرد تتلاعب بى الذكريات...
((منقول))
الموضوع الاصلي
من روعة الكون