عندما يكون أمننا على كفّ عفريت، ومصلحة الوطن تحدق بها مخاطر التخطيط والتوريط والتهبيط، والانتخابات تراوح فوق الصفر وتحت التوريط. يصبح المشهد سلاحاً مؤذياً ذا حدين، والوطن محاصراً رهين يتلظّى متشظياً ما بين فكّين، فيضيع صيداً سهلاً أو فرقاً بخساً ما بين عملتين. يتبدد الحلم ويزداد الألم، ونندم حين لا ينفع الندم.
فقد قيل إن صبياً في سنّ المراهقة، كان يعمل أجيراً لدى خياط، فيقوم على خدمته ومساعدته في العمل. لكن الصبي كان يظل مشغولاً في التفكير بالزواج، ويحلم باليوم الذي سيكون فيه قادراً على تحقيق ذلك الحلم. ولأنه كان يدرك جيداً واقعه السيئ وراتبه القليل الذي لا يكاد يسدّ رمقه أو يؤمن له طعامه، ظل يتعامل مع المسألة في حدود الحلم الصعب المنال والباهظ الكلفة.
كان كل يوم وهو في طريقه إلى المخيطة وعند عودته منها، يحدث نفسه ويمنيها قائلاً: "بيفرجها اللّه". وفي كل يوم كان يمر ذهاباً وإياباً من أمام شحاد يجلس على قارعة الطريق، فيسمعه في كلّ مرة وهو يردّد عبارة "بيفرجها اللّه". ومرّت سنوات وهو على هذا الحال والمنوال إلى أن مرّ يوماً من أمام الشحاد وهو صامت لا يقول شيئاً. فاستوقفه الشحاد قائلاً: ها ها معناتو اللّه أفرجها عليك وصار لازم تفرجها علينا يا أخ العرب.
الصبي: من وين يا حسرة. هو صحيح انفرجت لكن بالمقلوب.
الشحاد: فُرجت وِفْهِمناها، بس بالمقلوب كيف يعني؟!
فأخبره الصبي بأن والده كان شيخاً كبيراً في السن، ويملك عربة يجرها حمار، وأنه كان طوال الوقت يقول في نفسه بأن الله لا بد وأن يتوفى والده العجوز يوماً، ويرث منه العربة والحمار، وبذلك تتحسن أحواله وبيصير عنده أمل يحقق حلمه الذي طال بالزواج والاستقرار. إلاّ أن قدر الموت لم يُغيّب والده بل غيّب الحمار الذي كان يتحمل مسؤولية جرّ العربة. ولأن والده كان فقيراً، لم يكن باستطاعته شراء حمار بديل، ما اضطره إلى أخذ مكان الحمار أمام العربة. "ونيّال اللّي بقدر يوخذ مكان حمار هاليام". وبدلاً من تحقيق حلمه بالزواج بموت والده، أصبح مكان الحمار يجر العربة التي كان يملكها والده، فكم كان الحلم جميلاً؟! وما أسوأ الواقع الذي كان يعيشه؟! فيا ليته بقي كما كان صبياً خادماً لدى الخياط. ويا ليتها لم تُفْرَجْ
الموضوع الاصلي
من روعة الكون