.
.
فتاة تقص مرارة ما يحدث لها ولغيرها:
رفضت ابن عمي (فحجرني) وأدخلني عذابات الوحشة!
«الجزيرة» - الرياض:
هذه القصة قد تكون حقيقية وقد لا تكون، لكن في جميع الأحوال توجد حالات مشابهة لها بين كثير من الأُسر والقبائل، وإنْ كانت قد أصبحت محدودة في السنوات الأخيرة، والجزيرة تتمنى أن تنتهي تماماً، وأن تصبح هذه العادة جزءاً من التاريخ الذي مضى ولن يعود.
الجزيرة تناشد أصحاب القلوب الرحيمة الذين ربما يكونون حجروا على بنات أعمامهم، وهم جميعاً - إن شاء الله - أخيار وعاطفيون، بأن يحتسبوا الأجر، إذا ما كانوا يعيشون مثل هذه الحالة، فيعالجوا الأمر على النحو الذي يرضي الله، ويبقي على العلاقات الأُسرية، وكلنا ثقة باستجابتهم وتفاعلهم مع هذه الرواية التي لم تفصح كاتبتها عن اسمها.
لم أتجرأ على كتابة هذه الرسالة على الرغم من معاناتي طوال خمسة عشر عاماً, وكنت إذا اسودت الدنيا في عيني ألجأ إلى الله، وأدعوه أن يرحمني من العذاب ويفرج كربتي...
قبل أيام كنت أجلس لوحدي في غرفتي الخالية، لا زوج يؤنس وحدتي، ولا طفل يبتسم لي وأنسى همومي. بكيت تلك الليلة بحرقة ليس لها مثيل ولا يشابا حتى بكاء ثكلى على ولدها. بكيت وأنا أضم وسادتي بقوة إلى وجهي حتى لا يسمعني أحد.
تعبت من البكاء.. هذا حالي كل ليلة بل كل ساعة أجلس فيها لوحدي. ألتفت إلى جانب سريري كي آخذ مسكناً لآلام الرأس التي أصابتني منذ سنوات بعد مصيبتي، فقد داهمني اليأس وأقسم بالله إني لم أترك وسيلة إلا وسعيت إليها لحل مشكلتي طوال عشر سنوات، ولكنها باءت جميعها بالفشل. لقد ضاعت سنوات عمري وتخلى عني الجميع؛ لأنهم تعبوا وتوقفوا عن المحاولات اليائسة لمساعدتي..
أنا إحدى بنات إحدى القبائل المعروفة بالمملكة، تعرضت لظلم ليس له مثيل في أرض السلام والأمان. في أرض العدل التي لا تشابا أي أرض في الكون، سلبت أبسط حقوقي.
فقد بدأت معاناتي وأنا صغيرة.. أدرس بالصف الأول متوسط، حيث تقدم لخطبتي ابن عمي الذي يكبرني بعشر سنوات، فرفضت بحكم سني الصغيرة، ثم تقدم لخطبتي مرة أخرى وأنا أدرس بالمرحلة الثانوية وأيضاً رفضت للسبب نفسه، بالإضافة إلى أنني أنظر إليه نظرة أخ لا غير، والزواج قسمة ونصيب وتوافق بالقلوب. بعدها قام ابن عمي بالحجر علي، ومنذ ذلك الحين إلى اليوم وأنا محرومة من الزواج، إذ بلغت الآن الثلاثين عاماً، وأنا محرومة من الستر مثل غيري، فابن عمي لا يريد الزواج مني لأني رفضته ولا يسمح لغيري بالزواج مني حتى ينتقم مني. يشعرني من حولي بأني عانس حتى قريباتي يخفن على أولادهن مني ويخفن من حسدي.
أنا اليوم معلمة أمضيت في التعليم ست سنوات، وكل مدرسة أذهب إليها يواجهني أول سؤال: (أأنت متزوجة؟؟) فأقول: (لا)، وأنا أتمنى أن تنشق الأرض وتبلعني ولا أرى نظرات الاستغراب, والشفقة, والضحك أحياناً في عيون طالباتي. وآخر مدرسة ذهبت إليها واجهني سؤال من إحدى الطالبات اللاتي أدرسهن: (أبلة أبلة كم طفلاً عندك؟) فقلت: أنا لست متزوجة.. فقالت الطالبة: يعني أنك عانس يا أستاذة. فضحك الجميع... رمت الطالبة تلك الكلمة وهي لا تعي معناها، فكأنما غرست سهماً مسموماً في جوفي. خرجت من الفصل، وأنا أبكي لا أعلم أين أذهب؟؟ كيف أخبئ دموعي؟ تمنيت أن أصرخ: أنا لست عانساً. أنا تقدم لي كثير، ولكن محجور علي من ابن عمي.
لم أذهب إلى المدرسة منذ ذلك اليوم.. ضاع مستقبلي بالزواج ومستقبلي بالوظيفة. كيف سأعطي وأربي أجيالاً وأنا محطمة من الداخل؛ هيكل إنسان فارغ إلا من الهموم والأحزان. حرمت من السعادة والزواج في سن الشباب. أريد أن أربي أبنائي وأعتني بهم وأنا صغيرة. لا أريد أن أنجب وقد تقدم بي العمر فأتركهم لغيري.
حرمت من الوظيفة لأني لا أستطيع الاندماج في مجتمع أغلبه من المتزوجات وأنا العانس بينهن؛ ولأني لا أستطيع أن أرى نظرات الشفقة في عيون زميلاتي وطالباتي.
إن حصل وخرجت من المنزل أتعرض لموقفين لا ثالث لهما؛ إما أن يكون من امرأة خبيثة، فتقول بصوت عالٍ في المجلس: (أنتِ للحين ما تزوجتِ؟؟ يحول عمرك ضاع).. وإما من امرأة طيبة تسألني عن أحوالي ثم تقول بصوت خافت: (الله يفك حجرك ويرزقك بابن الحلال)، ثم ترمقني بنظرة شفقة تكاد تقتلني.
قمت بالسنوات الثلاث الأخيرة ببحث عن موضوع الحجر عند القبائل. وجمعت من القصص ما يشيب منها الرأس، فتلك فتاة قام ابن عمها بسحبها ليلة الزواج وربطها بالغرفة حتى ينتقم منها ثم طلقها، وتلك أخرى قام ابن عمها بتطليقها من زوجها قبل الزواج بأشهر قليلة، فأصابها انهيار عصبي انتهى بها إلى عقدة أبدية من الزواج. وتلك فتاة لم تتجاوز الخمسة عشر عاماً قام ابن عمها بالعقد عليها دون علمها وعلم أهلها، حيث جلبوا فتاة أخرى قالت للشيخ: (أنا موافقة على الزواج) بدلاً منها، وهي الآن في حالة هستيريا لن تخرج منها سليمة العقل. وتلك فتاة قال ابن عمها: إذا لم تقبل بي زوجاً، فلن تتزوج مدى الحياة، وعندما رضخت لأمره قام بتطليقها بعد يوم واحد من الزواج، وقال أمام الجميع: (الحين كسرت خشمها)، فأغمي عليها ولم تتزوج إلى الآن.
وزيارة بسيطة إلى العيادات النفسية بالرياض فقط توضح مدى تأثير تلك الظاهرة على الأجيال السابقة والحالية والقادمة..
أنا لا أستطيع الأكل ولا النوم. أشعر بأن الحياة مظلمة.. أشعر بأني عاجزة عن إنقاذ نفسي وأنا أرى قطار الزواج يمر أمامي ويبتعد... تقدم لي منذ أيام شاب يكبرني بثلاث سنوات، إذ لم أكن أحلم بهذه الفرصة مدى الحياة، وعلى الرغم من معاناتي ومن حالة اليأس التي أعيشها، إلا أن الفرصة قد أتيحت لي من جديد.. ولكن.. وقف ابن عمي في طريقي مرة أخرى، وهو يقول: لن تتزوج وأنا على قيد الحياة.. لماذا كل هذا...؟
ماذا يعني هذا؟؟ أنا لا أريد شيئاً.. فقط أريد الستر.. أحلم بأن يكون لي بيت مثل الأخريات، لماذا لا؟؟ لماذا أنا ومن هي في مصيبتي نحرم من الستر والسعادة؟؟ إلا أننا نساء ضعيفات عاجزات لا حول لنا ولا قوة... البيوت الآن تمتلئ بالفتيات اللاتي في سن الزواج، وأولياء الأمور من آباء وإخوان في حال لا يعلم فيها إلا الله، فهم يريدون الستر لبناتهم وأخواتهم، ولكن لا حول لهم ولا قوة، وأنا عندما يتقدم لي شاب يقف ابن عمي في وجهي حتى يهرب هذا الشخص ولا يعود ولماذا يعود؟ البيوت مليئة بالفتيات، فهو يريد الزواج وليس الخلافات.. هذا يذهب وآخر يذهب ويذهبون ولا يعودون وتذهب سنين العمر معهم ولا تعود.
فيا أخي يا ابن عمي.. يا أخي الذي لم تلده أمي.. أقسم بالله إني لم أرفض الزواج منك لأني متكبرة عليك، وقد أكون وافقت على من هو أقل منك، ولكن يبقى الأمر قسمة ونصيباً وتوافقاً بالقلوب.. وقد تكون سعادتك مع غيري.
يا أخي - الذي لم تلده أمي - أليست الدماء الجارية في جسدك هي الدماء الجارية في جسدي.. كيف رضيت لي العذااااب؟؟ لماذا ظلمتني؟؟ لماذا ظلمت نفسك؟؟
أنت لم تحفظ كرامتك بالانتصار علي لأنني امرأة ضعيفة وعاجزة.. والشجاعة الحق يا ابن عمي بأن تنتصر على قوى الشر داخلك وقوى الشر المحيطة بك التي تشجعك على الظلم، وأن تقول لهم بكل شجاعة: عفوت عنها لوجه الله.. فتحصل على كرامة الدنيا وكرامة الآخرة..
يا أخي لا تضيع سنوات عمرك المعدودة في غيمة سوداء من الظلم، سوف تظللك يوم الحساب أمام رب العباد.
لا تأخذك العزة بالإثم، فمن يشجعك على الشر لن يحميك عندما نقف أنا وأنت أمام أعدل العادلين أمام رب العالمين في موقف يشيب منه الرضيع، فكيف بمن ظلم 10, 15, 20 عاماً..
حاول إصلاح ما كسرته، فالعمر أيام معدودة.. وإذا لم تعفُ عنا لوجه الله تعالى، نَصِيْرُنا الله يا ابن العم.
يا ابن العم العزيز.. انظر إلى أخواتك المتزوجات وهن يلعبن مع أبنائهن.. أتعلم أن بعضهن أصغر مني بسنوات.. حياتهن جميلة مع أطفالهن، تعلم لماذا؟؟ لأني أنا من وقفت في وجه إخوتي عندما أرادوا الحجر عليهن انتقاماً منك.. ليس لهن ذنب.. فلماذا ظلمتني وأنا لم أفعل شيئاً، إني انتظر عطفك وتسامحك؟؟
وأنت يا عمي الحبيب الذي لم أره منذ سنوات بسبب القطيعة التي حصلت بيننا بسبب موضوع الحجر.
عمي العزيز أتذكر عندما كنت تحملني بين ذراعيك وتذهب بي إلى البقالة وأشتري ما أريد؟؟ أتذكر عندما كان والدي يحاول أخذي إلى المنزل وأنا أصرخ أريد أن أبقى معك؟؟ لقد أحببتك يا عماه أكثر مما أحببت والدي.. لماذا لا تحل مشكلتي..؟ أنا أعلم أنك مريض الآن - شافاك الله - وقد تقدم بك العمر.. أقسم بالله يا عماه إني بكيت عندما علمت بمرضك.
عماه.. والدي مشتاق إليك وأنا مشتاقة إليك، وإخوتي مشتاقون، ولكن ليس لنا حيلة..
عماه... حاول إصلاح الوضع بيني وبين ابنك ففيك الخير، ولن يرفض ابنك العزيز - إن شاء الله - طلباً منك.
مواطنة سعودية
الموضوع الاصلي
من روعة الكون