قصـــة فارس بنى حمدان
علي الجازم
الجزء (( الأول )) رقم ( 1 )
سرى موكب الدنيا يشيد بذكره ... وينقل للأسماع روعة شعره
حسام بكف الدهر قد سل حقبة ... واغمده ريب المنون بقــــبره
بدر الدين على الجازم
بالله عليك لا تطيلي يا ليلى ، فان مما يثير شجون النفس، ويزيد في آلم الحزين ، أن يدفع ألي العزاء والصبر ، بكلمات خاوية حفظها الناس لينثر ومها في كل ماثن ، أن كل كلمة من هده يا ليلى شعلة تؤجج وجدي ، وتضطرم في فؤادي أن الحزن حرم قدمي يجب أن تخشع أمامه الرءوس بالصمت والإطراق .
- ولكن يا سيدتي ،(( سخينة )) تكادين تقتلين نفسك حرضا ، وتعصفين بها هما . فقد مرت الأيام سبعة مند دهمنا الخبر المشئوم لم يرقا لك فيها دمع ولم تهدا نفس ، ولم يطمئن بك فراش ،أن لنا في الله ثقة يا سيدتي. ومادا نصنع وقد مزج الله الحياة معنى الموت،وبالموت معنى الحياة؟ نحن يا سيدتي في زمن مضطرب لا يركد عجاجه ، ولا تسكن سيوفه في أغمادها ، بعد أن انحلت أواصر بنى العباس ،واصبحت دولتهم أشلاء ممزقة . يفترسها كل مفترس ، ويغير عليها كل وائب ففي كل ارض حرب مشتعلة الأوار ، وفى كل دار أنين وبكاء ،ولن نملك نحن النساء ألا أن نردد قول الخنساء في رثاء أخيها صخر :
ولولا كثرة الباكين حولي ... على قتلاهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل آخي ولكن ... أعزى النفس عنه بالتأسي
_ وهدا اعجب ما قيل في العزاء ، أن الحزين الدى يتسلى عن مصابه بمصائب غيره لمافون الرأي سقيم العاطفة . والنفس التي تهدا للكوارث تحل بسواها ، وتتريح في نكبتها لأصوات الناديات وعويل الباكيات ثم تنسى النار التي تلتهم دارها لان لهيبها اندلع في كل دار ، لنفس شريرة حقود ..
_ليس الأمر كما تظنين يا سيدتي ، وانما هي طبيعة بنى الإنسان تعبر عنها المشاعر ، بالحزن يتأسى بالحزن ، والغريب سعده الغريب . وقد طبعت النفس على أن تستهين بمصبها عند نزول المصائب العظام والفوادح الجسام ، وقد يقيس المرء مصيبته بمصيبة غيره فيحمد الله على السراء والضراء .
_هدا كلام بعيد عن الاقتناع يا ليلى ، لأنني أبكى زوجا كان قليل الأنداد في الأحياء ، فاصبح قليل الأنداد في الأموات ، فليس إلى التعزي فيه من سبيل .
فعلى أبى العلاء ، فليجزع الصبر ، وعلى سعيد فلتبك الواكى . ثم أطراف اطرافة طويلة ، واخدت تهز رأسها في وجوم .
كانت سخينة في نحو الخامسة والثلاثون ، صبيحة الوجه ، جميلة الطلعة ، فارعة الطول ،ممتلثة الجسم . امتزج في تكوينها الدم العربي بالسلالة الرومانية ، فجاءت صورة بارعة للملاحة العربية ، والجمال الإغريقي نعا ، وكانت تجلس في دلك اليوم ، وهو إلحادي والعشرون من رجب سنة ثلاث وعشرون وثلث مائه ، في إحدى حجرات قصرها الدى امتاز بين قصور منبج ( أجدى مدن الشام ) بضخامة بنيانه ، وارتفاع شرفاته ، وروعة زخارفه ، وكان يقوم فوق أكمة بالشمال الغربي من المدينة ، بالقرب من (( عين الموج )) بين الخمائل الزهر ، والحدائق الفيح ، يحيط بكل دلك سور ضخم سامق بنى بالحجر الصلد ، وربض في كل ركن من أركانه حصن منيع الدرا ، يكاد يجبه ، الدهر ويتحدى نوازل الأيام . أما القصر فكان آية من آيات الفن الإغريقي في اتساع حجراته وابهائه ، وعظم أعمدته التي نحتت من الرخام الأبيض الناصع اللماع ، وفخامة أثاثه ، وجمال سقوفه وما زينت به من النقوش والصور ، التي تعاون المال والفن الرقيع على أن تكون شركا للعيون ، وفتنة للعقول . وكان القصر يموج به من الجواري ، يدهبن في أنحاءه هنا وهناك ، وقد غشت وجون سحابة من الحزن الصامت المكبوت .
كان هدا القصر لأبى العلاء سعيد الحمد أنى عظيم أسرة بنى حمدان و مشاعرها وفارسها المعلم ، الدى هابته القبائل النازلة بالشام والموصل ، واستجدت عونه الدولة العباسية وهى تترنح للسقوط ، واتخذت من شجاعته درعا تقيها صولات الأمراء الطامحين
رفعت سخينة رأسها بعد طول الإطراق ،ونظرت في وجه وصيفتها ليلى نظرة الداهل الماخود وقالت :
_أن أبني حينا يصل من الموصل اليوم . فلعلنا نقف منه على جلية الأمر في مقتل أبيه
_انه لن يعوق يا سيدتي ،لانه ارق قلبا من أن يتركنا طويلا بيت حرقة الحزن ومرارة الانتظار .
ولنا لقاء في رقم ( 2 ) استودعكم الله
الموضوع الاصلي
من روعة الكون