و الصلاة و السلام علي سيّد المرسلين النبي الأمي و آله و صحبه و التابعي
قال تعالى في محكم كتابه من سورة المرسلات:
بسم الله الرحمن الرحيم
وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (28) انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)
صدق الله العظيم
جاء في تفسير القرطبي رحمة الله عليه " وَرُوِيَ عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير قَالَ : وَيْل : وَادٍ فِي جَهَنَّم فِيهِ أَلْوَان الْعَذَاب . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا خَبَتْ جَهَنَّم أُخِذَ مِنْ جَمْره فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا فَيَأْكُل بَعْضهَا بَعْضًا . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : [ عُرِضَتْ عَلَيَّ جَهَنَّم فَلَمْ أَرَ فِيهَا وَادِيًا أَعْظَم مِنْ الْوَيْل ] وَرُوِيَ أَنَّهُ مَجْمَع مَا يَسِيل مِنْ قَيْح أَهْل النَّار وَصَدِيدِهِمْ , وَإِنَّمَا يَسِيل الشَّيْء فِيمَا سَفَلَ مِنْ الْأَرْض وَانْفَطَرَ , وَقَدْ عَلِمَ الْعِبَاد فِي الدُّنْيَا أَنَّ شَرَّ الْمَوَاضِع فِي الدُّنْيَا مَا اِسْتَنْقَعَ فِيهَا مِيَاه الْأَدْنَاس وَالْأَقْذَار وَالْغُسَالَات مِنْ الْجِيَف وَمَاء الْحَمَّامَات ; فَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْوَادِي . مُسْتَنْقَع صَدِيد أَهْل الْكُفْر وَالشِّرْك ; لِيَعْلَم ذَوُو الْعُقُول أَنَّهُ لَا شَيْء أَقْذَر مِنْهُ قَذَارَة , وَلَا أَنْتَن مِنْهُ نَتْنًا , وَلَا أَشَدّ مِنْهُ مَرَارَة , وَلَا أَشَدّ سَوَادًا مِنْهُ ; ثُمَّ وَصَفَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا تَضَمَّنَ مِنْ الْعَذَاب , وَأَنَّهُ أَعْظَم وَادٍ فِي جَهَنَّم , فَذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي وَعِيده فِي هَذِهِ السُّورَة ."
هذا هو الويل أخواتي في الله..
لم يعد الله به الكافرين. بل قال المكذبين..
أوَ تعلمون من هم المكذبون؟؟
المكذبون هم الذين يكذّبون بالله و ملائكته و رسله و كتبه..الذين يسمعون و يعون ولا ينفّذون..
سبحانه و تعالى كرر الوعيد بالويل للمكذبين في هذه السورة عشر مرات للتوكيد أن عذاب المكذبين شديد. و جاء في تفسير القرطبي أيضاً:
"وَكَرَّرَهُ فِي هَذِهِ السُّورَة عِنْد كُلِّ آيَة لِمَنْ كَذَّبَ ; لِأَنَّهُ قَسَمَهُ بَيْنهمْ عَلَى قَدْر تَكْذِيبهمْ , فَإِنَّ لِكُلِّ مُكَذِّب بِشَيْءٍ عَذَابًا سِوَى تَكْذِيبه بِشَيْءٍ آخَر , وَرُبَّ شَيْء كَذَّبَ بِهِ هُوَ أَعْظَم جُرْمًا مِنْ تَكْذِيبه بِغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ أَقْبَح فِي تَكْذِيبه , وَأَعْظَم فِي الرَّدّ عَلَى اللَّه , فَإِنَّمَا يُقْسَم لَهُ مِنْ الْوَيْل عَلَى قَدْر ذَلِكَ , وَعَلَى قَدْر وِفَاقه وَهُوَ قَوْله : " جَزَاء وِفَاقًا " . [ النَّبَأ : 26 ]"
فما معنى التكذيب؟؟
التكذيب ليس كالكفر..التكذيب في اللغة هو إنكار الوجود لشئ أو إنكار صحّة الخبر بوجوده. فّذا أخبرتني بشئ و أردتُ إنكاره عليك كذّبتُك. فجاء في القرآن شواهد عديدة "أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ" أي يُنكر يوم القيامة و "قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ" أي أنكروا صحة ما جئتُ به.
إن العصيان لأوامر الله و نواهيه يأتي من سببين..
أما إنكار وجود هذه الأوامر و النواهي (و العياذ بالله)، و ذلك تكذيب.
أو المعرفة و التقاعس عن التنفيذ و ذلك إنكار لأحدى نعم الله الجليلة وهي نعمة العقل..!!
و ذلك يُعد تكذيباً أيضاً..أليس كذلك؟؟؟
إن العلم يجب أن يقترن بالعمل ليصبح علماً حقّاً.
فمثلاً يُضحكني الشخص المدخن حين يقول:"أنا أعلم أن التدخين ضارٌ ولكني لا أستطيع ترك التدخين". لو كان يعلم حقاً أن التدخين ضار لما دخّن..!!!
فالعلم بالشئ و إدراكه مقرونٌ بالعمل به. فالفرق بين العاقل و المجنون هو فيما يعملان لا فيما يعلمان.
في ظل هذا الموقف المخيف..يقول القوي الحكيم لهم.."انطلقوا إلى ظلٍّ ذي ثلاث شُعب لا ظليلٍ ولا يُغني من اللهب"
"" اِنْطَلِقُوا إِلَى دُخَان يَرْتَفِع ثُمَّ يَتَشَعَّب إِلَى ثَلَاث شُعَب . وَكَذَلِكَ شَأْن الدُّخَان الْعَظِيم إِذَا اِرْتَفَعَ تَشَعَّبَ . وَقِيلَ : إِنَّ الشُّعَب الثَّلَاث هِيَ الضَّرِيع وَالزَّقُّوم وَالْغِسْلِين ; قَالَهُ الضَّحَّاك . وَقِيلَ : اللَّهَب ثُمَّ الشَّرَر ثُمَّ الدُّخَان ; لِأَنَّهَا ثَلَاثَة أَحْوَال , هِيَ غَايَة أَوْصَاف النَّار إِذَا اِضْطَرَمَتْ وَاشْتَدَّتْ ."
يقول سيد قطب رحمة الله عليه في كتابه الجليل (في ظلال القرآن):
"ثم يأخذ في استكمال المشهد بعد عرض الهول المادي في صورة جهنم , بعرض الهول النفسي الذي يفرض الصمت والكظم . .
(هذا يوم لا ينطقون . ولا يؤذن لهم فيعتذرون). .
فالهول هنا يكمن في الصمت الرهيب , والكبت الرعيب , والخشوع المهيب , الذي لا يتخلله كلام ولا اعتذار . فقد انقضى وقت الجدل ومضى وقت الاعتذارويل يومئذ للمكذبين)! . . وفي مشاهد أخرى يذكر حسرتهم وندامتهم وحلفهم ومعاذيرهم . . واليوم طويل يكون فيه هذا ويكون فيه ذاك - على ما قال ابن عباس رضي الله عنهما - ولكنه هنا يثبت هذه اللقطة الصامتة الرهيبة , لمناسبة في الموقف وظل في السياق ."
فإذا هممت بفعل سيئةٍ أو مخالفة أمرٍ من أوامر الله..
فتذكر يوم لا ينطقون..ولا يؤذن لهم فيعتذرون
الموضوع الاصلي
من روعة الكون