أكيد مجنون .. أو انه لديه مصيبة .. والحق أن لدي مصيبة .. أي شخص كان قد رآني متسلقا سور المقبرة في هذه الساعة من الليل كان ليقول هذا الكلام
كانت البدايه عندما قرأت عن سفيان الثوري رحمه الله انه كان لديه قبرا في منزلهيرقد فيه وإذا ما رقد فيه نادى ..( ربارجعون رب ارجعون.) ثم يقوم منتفضا ويقول ها أنت قد رجعت فماذا أنت فاعل ..
حدث أن فاتتني صلاة الفجر وهي صلاة لو دأب عليها المسلم لأحس بضيقة شديده عندما تفوته طوال اليوم .. ثم تكرر معي نفس الأمر في اليوم الثاني .. فقلت لابد وفي الأمر شئ .. ثم تكررت للمرة الثالثه على التوالي ... هنا كان لابد من الوقوف مع النفس وقفة حازمة لتأديبها حتى لاتركن لمثل هذه الأمور فتروح بي إلى النار .. قررت ان ادخل القبر حتى أؤدبها ... ولابد أن ترتدع وأن تعلم أنهذا هو منزلها ومسكنها إلى ما يشاء الله ... وكل يوم اقول لنفسي دع هذاالأمر غدا .. وجلست اسول في هذا الأمرحتى فاتتني صلاة الفجر مرة أخرى .. حينها قلت كفى ... وأقسمت أن يكونالأمر هذه الليلة
ذهبت بعد منتصف الليل .. حتى لا يراني أحد وتفكرت .. هل أدخل من الباب ؟حينها سأوقظ حارس المقبرة ... أو لعله غير موجود ... أم أتسور السور ..
إن أيقظته لعله يقول ليتعال في الغد.. او حتى يمنعني وحينها يضيع قسمي
... فقررت أن اتسورالسور .. واستعنت بالله وصعدت برغم أنني دخلت هذه المقبرة كثيرا كمشيع ... إلا أنني أحسست أنني أراها لأول مرة .. ورغم أنها كانت ليلة مقمرة .. إلا أنني أكاد أقسم أنني ما رأيت أشد منهاسوادا ... تلك الليلة ... كانت ظلمة حالكة ... سكون رهيب .. هذا هو صمت القبور بحق تأملتها كثيرا من أعلى السور .. واستنشقت هوائها.. نعم إنها رائحة القبور... أميزها عن الف رائحه ..رائحة الحنوط .. رائحة بها طعم الموت الصافي... وجلست اتفكر للحظات مرت كالسنين .. إيه أيتها القبور .. ما أشدصمتك .. وما أشد ما تخفيه .. ضحك ونعيم .. وصراخ وعذاب اليم ..قررت أن أنزل حتى لا يراني أحد في هذه الحاله .. فلو رآني أحد سيقول أنني مجنون.. وهبطت داخل القبر .. وأحسست حينها برجفة في القلب .. نظرت إلى الناحية الشرقية والتي بها القبور المفتوحه والتي تنتظر ساكنيها .. إنها أشد بقع المقبرة سوادا وكأنها تناديني .. مشتاقة إلي .. وجلست أمشي محاذرا بين القبور .. وكلما تجاوزت قبرا تساءلت .. أشقي أم سعيد ؟؟؟ شقي !! بسبب ماذا .. أضيّع الصلاة .. أم كان من اهل الغناء والطرب .. أم كان من أهل الزنى .. لعل من تجاوزت قبره الآن كان يظن أنه أشد أهل الأرض .. وأن شبابه لن يفنى .. وأنه لن يموت كمن مات قبله .. أم أنه قال ما زال فيالعمر بقية ..
سبحانمن قهر الخلق بالموت
أبصرت الممر.. أكاد اقسم للمرة الثانيةأنني ما رأيت اشد منه اسوادا .. كيف أتتني الجرأة حتى اصل بخطواتي إلى هنا؟؟؟.. بل كيف سأنزلفي هذا القبر ؟؟؟ وأي شئ ينتظرني في الأسفل .. فكرت بالإكتفاء بالوقوف .. وأن اصوم ثلاثة ايام .. ولكن لا .. لن اصل الى هنا ثم اقف .. يجب ان اكمل .. ولكن لن أنزل إليه مباشرة ... بل سأجلس خارجه قليلا حتى تأنس نفسيما أشد ظلمته .. وما أشد ضيقه .. كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تكون حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة .. سبحان الله .. يبدوا أن الجو قد ازداد برودة .. أم هي قشعريرة في جسدي من هذا المنظر.. ثم جلست وقد ضممت ركبتي امام صدري اتأمل هذا المشهد العجيب إنه المكان الذي لا مفر منه ابدا .. سبحان الله .. نسعى لكي نحصل على كل شئ .. وهذه هي النهاية
كم تنازعنا في الدنيا .. اغتبنا .. تركنا الصلاة .. آثرنا الغناء على القرآن .. والكارثة اننا نعلم أن هذا مصيرنا .. وقد حذرناالله ورغم ذلك نتجاهل .. ثم أشحت وجهي ناحية القبور وناديتهم بصوت خافت... وكأني خفت أنيرد علي أحدهم يا أهل القبور .. ما لكم .. أين أصواتكم .. أين أبناؤكم .. اخبروني عن ضمة القبر .. أتكسر الأضلاع .. أخبروني عن منكر ونكير .. أخبروني عن حالكم مع الدود ..
سبحان الله .. نستاء إذا قدملنا أهلنا طعام بارد او لا يوافق شهيتنا .. واليوم نحن الطعام للدود .. لابد من النزول إلى القبرقمت وتوكلت على الله ونزلت برجلي اليمين وافترشت شماغي ووضعت رأسي .. وأناأفكر .. ماذا لو انهال علي التراب فجأة .. ماذا لو ضم القبر علي مرة واحده ... ثم نمت على ظهري وأغلقت عيني حتى تهدأ ضربات قلبي ... حتى تخفهذه الرجفة
لا إله إلا الله إنللموت لسكرات
تخيلت جسدي يرتجف بقوه وانا ارفع يدي محاولا إرجاع روحي وصراخ أهلي من حولي عاليا أين الطبيب أين الطبيب( فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين )
تخيلت الأصحاب يحملونني ويقولون لا إله إلاالله ... تخيلتهم يمشون بي سريعا إلى القبر وتخيلت صديقا ... اعلم انه يحب أن يكون أول من ينزل إلى القبر ..تخيلته يحمل رأسي ويطالبهم بالرفق حتى لا أقع ويصرخ فيهم .. جهزواالطوب... تخيلت احمد .. كعادته يجري ممسكا إبريقا من الماء يناولهم إياه بعد ماحثوا علي التراب .. تخيلت الكل يرش الماء على قبري .. تخيلت شيخنا يصيحفيهم ادعوا لأخيكم فإنه الآن يسأل .. أدعوا لأخيكم فإنه الآن يسأل ثم رحلوا وتركوني وكأن ملائكة العذاب حين رأوا النعش قادما قد ظهروا بأصوات مفزعة .. وأشكال مخيفة .. لا مفر منهم ينادون بعضهم البعض .. أهو العبد العاصي ؟؟؟ فيقول الآخر نعم .. فيقول .. أمشيع متروك ... أم محمول ليس له مفر ؟؟؟ فيقول الآخر بل محمول إلينا .. فيقول هلموا إليه حتى يعلم إن الله عزيز ذو انتقام
رأيتهم يمسكون بكتفي ويهزونني بعنف قائلين ...ما غرك بربك الكريم حتى تنامعن الفريضة .. لا نجاة لك منا اليوم ...
أصرخ ليس لصراخك مجيب فجلست اصرخ رب ارجعون.... رب ارجعون ... وكأني بصوت يهز القبر والسماوات يملأني يئسا يقول
( كلاّ إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهمبرزخ إلى يوم يبعثون )
حتى بكيت ماشاء الله ان ابكي .. وقلت الحمد لله ربالعالمين ... مازال هناك وقت للتوبة استغفر الله العظيم وأتوب إليه ثم قمت مكسورا ... وقد عرفت قدري وبان لي ضعفي
خاتمة
من ظن أن هذه الآية لهوا وعبثا فليفعل ما يشاء
( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكمإلينا لا ترجعون )
وليلهو وليسوف في توبته .. فيوما قريبا سيقتص الحق لنفسه وويل لمن كان خصمه القهار ولم يبالي بتحذيره ولم يبالي بعقوبته .. ولم يبالي بتخويفه
أسألكم بالله . أي شجاعة فيكم حتى لا تخيفكم هذهالآية( ونخوفهم . فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا )
ألا هل بلغت .. اللهم فاشهد
(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولافسادا والعاقبة للمتقين)
منقول
الموضوع الاصلي
من روعة الكون