بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
قصـّّة تدمــع لها العُيـون
--------------------------------------------------------------------------------
إليـــــكم قصَّــة ٌ مؤثـِّـرة وصلتني عبرَ الإيميـل .
من هنــا تبـــدأ ::
" (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ )
هي قصة قصيرة جداً لن تأخذ منكم دقيقة ....لكن أثرها سيبقى كلما تذكرت
ونظرت في وجوه أصدقائك ...
أخبرني من هو صديقـك / صديقتكِ ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين
ورقة صغيرة كُتبت بخطٍ غير واضح ، تمكنت من قراءتها بصعوبة بالغة ...
مكتوب بها
فضيلة الشيخ : هل لديك قصة عن أصحاب أو أخوان ... أثابك الله ؟
كانت صيغة السؤال غير واضحة ، والخط غير جيد...
سألتُ صديقي : ماذا يقصد بهذا السؤال ؟
وضعتها جانباً ، بعد أن قرَّرت عدمَ قراءتها على الشيخ ...
ومضى الشيخ يتحدث في محاضرته والوقت يمضي ...
أذن المؤذن لصلاة العشاء ...
توقفت المحاضرة ، وبعد الأذان عاد الشيخ يشرح للحاضرين طريقة َتغسيل
وتكفين الميت عملياً .....
وبعدها قمنا لأداء صلاة العشاء ...
وأثناء ذلك أعطـِيت أوراقُ الأسئلة للشيخ ومنحته تلك الورقة التي قررت أن
استبعدها ، ظننت أن المحاضرة قد انتهت .
وبعد الصلاة طلب الحضورُ من الشيخ أن يجيب على الأسئلة ...
عاد يتحدث والناس يستمعون له...
ومضى السؤال الأول والثاني والثالث ...
هممتُ بالخروج ، استوقفني صوتُ الشيخ وهو يقرأ السؤال ...
قلت : لن يجيب فالسؤال غير واضح ...
لكن الشيخ صمت لحظة ثم عاد يتحدث ...
جاءني في يوم من الأيام جنازة لشاب لم يبلغ الأربعين ، ومع الشاب
مجموعة من أقاربه ، لفت انتباهي شاب في مثل سنِّ الميت يبكي بحرقة ،
شاركني الغسيل ، وهو بين خنين ونشيج وبكاء رهيب يحاول كتمانه ، أما
دموعه فكانت تجري بلا انقطاع .....
وبين لحظةٍ وأخرى أصبره وأذكره بعظم أجر الصبر .
ولسانه لا يتوقف عن قول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لاحول ولاقوة إلا
بالله .
هذه الكلمات كانت تريحني قليلاً ...
لكن بكاءه أفقدني التركيز ، هتفت به ( بالشاب ) .
إن الله أرحم بأخيك منك ، وعليك بالصبر.
التفت نحوي وقال : إنه ليس أخي.
ألجمتني المفاجأة ، مستحيل ، وهذا البكاء وهذا النحيب
نعم إنه ليس أخي ، لكنه أغلى وأعز إليَّ من أخي ...
سكتُّ ورحتُ أنظر إليه بتعجب ، بينما واصل حديثه :
إنه صديق الطفولة ، زميل الدراسة ، نجلس معاً في الصف وفي ساحة
المدرسة ، ونلعب سوياً في الحارة ، تجمعنا براءة الأطفال مرحهم ولهوهم
كبرنا وكبرت العلاقة بيننا ، أصبحنا لا نفترق إلا دقائقَ معدودة ، ثم
نعود لنلتقي ، تخرجنا من المرحلة الثانوية ثم الجامعة معاً .
التحقنا بعمل واحد .
تزوجنا أختين ، وسكنـَّا في شقتين متقابلتين .
رزقني الله بابن ٍ وبنت ، وهو أيضاً رُزق ببنتٍ وابن .
عشنا معاً أفراحنا وأحزاننا ، يزيد الفرح عندما يجمعنا ، وتنتهي
الأحزان عندما نلتقي ...
اشتركنا في الطعام والشراب والسيارة ...
نذهب سوياً ونعود سوياً ...
واليوم ... توقفت الكلمة على شفتيه وأجهش بالبكاء ...
يا شيخ هل يوجد في الدنيا مثلنا ؟
خنقتني العبرة ، تذكرت أخي البعيدَ عني ، لا، لا يوجد مثلكما ..
أخذت أردِّد ، سبحان الله ، سبحان الله ، وأبكي رثاءً لحاله ...
انتهيت من غسله ، وأقبل ذلك الشاب يقبِّله .....
لقد كان المشهد مؤثراً ؛ إذ كان ينشق من شدة البكاء ، حتى ظننتُ أنه
سيهلك في تلك اللحظة .
راح يقبـِّل وجهَه ورأسَه ، ويبلـِّله بدموعه .
أمسك به الحاضرون وأخرجوه لكي نصلي عليه .
وبعد الصلاة توجَّهنا بالجنازة إلى المقبرة .
أما الشاب فقد أحاط به أقاربه ...
فكانت جنازة تحمل على الأكتاف ، وهو جنازة تدبُّ على الأرض دبيبًا.
وعند القبر وقف باكياً ، يسنده بعض أقاربه .
سكن قليلاً ، وقام يدعو ، ويدعو .
انصرف الجميع .
عدت إلى المنزل وبي من الحزن العظيم ما لا يعلمه إلا الله ، وتقف عنده
الكلمات عاجزة عن التعبير ...
وفي اليوم الثاني وبعد صلاة العصر ، حضرت جنازة لشاب ، أخذت أتأملها ،
الوجه ليس غريب ، شعرت بأنني أعرفه ، ولكن أين شاهدته ؟
نظرت إلى الأب المكلوم ، هذا الوجه أعرفه .
تقاطر الدمعُ على خديه ، وانطلق الصوت حزيناً :
يا شيخ لقد كان بالأمس مع صديقه .
يا شيخ بالأمس كان يُناول المقصَّ والكفن ، يقلب صديقـَه ، يمسك بيده ،
بالأمس كان يبكي فراقَ صديق طفولته وشبابه ، ثم انخرط في البكاء .
انقشع الحجاب ، تذكرته ، تذكرت بكاءه ونحيبه .
رددتُ بصوتً مرتفع : كيف مات ؟
قال : عرضت زوجته عليه الطعام ، فلم يقدر على تناوله ، قرر أن ينام ، وعند
صلاة العصر جاءت لتوقظه فوجدته ... وهنا سكت الأبُ ومسح دمعاً تحدَّر على
خديه ، رحمه الله لم يتحمل الصدمة في وفاة صديقه ، وأخذ يردد : إنا
لله وإنا إليه راجعون .
- إنا لله وإنا إليه راجعون ، اصبر واحتسب ، اسأل الله أن يجمعه مع
رفيقه في الجنة ، يوم أن ينادي الجبار عز وجل : أين المتحابين فيِّ
اليوم أظلهم في ظلي يوم لاظل إلا ظلي .
قمت بتغسيله ، وتكفينه ، ثم صلينا عليه ...
توجَّهنا بالجنازة إلى القبر ، وهناك كانت المفاجأة .
لقد وجدنا القبر المجاور لقبر صديقه فارغاً .
قلت في نفسي مستحيل : منذ الأمس لم تأت جنازة ، لم يحدث هذا من قبل .
أنزلناه في قبره ، وضعت يدي على الجدار الذي يفصل بينهما ، وأنا أردد ،
يالها من قصة عجيبة ، اجتمعا في الحياة صغاراً وكباراً ، وجمعت
القبورُ بينهما أمواتاً .
خرجت من القبر ووقفت أدعو لهما : اللهم اغفر لهما وارحمهما ، اللهم
واجمع بينهما في جنات النعيم على سرر متقابلين ، في مقعد صدق عند مليك
مقتدر ، ومسحت دمعة جرت ، ثم انطلقت أعزي أقاربهما ...
انتهى الشيخ من الحديث ، وأنا واقفٌ قد أصابني الذهول ، وتملـَّكتني
الدهشة ، لا إله إلا الله ، سبحان الله ، وحمدت الله أن الورقة وصلت
للشيخ وسمعت هذه القصة المثيرة ، والتي لو حدثني بها أحدٌ لما صدقتها .
وأخذت أدعو لهما بالرحمة والمغفرة .
* هذه القصة ذكرها الشيخ عباس بتاوي مغسل الأموات .
من يقول في نفسه : إنَّ الصديق لا يؤثر في صديقة فهو يكذب على نفسه ويضيعها ،
فلو كان الصديق الفاسد لا يؤثر بين أصدقاءَ صالحين ، فما
بالكم بالتفاحة الفاسدة التي تفسِدُ صندوقا كاملا من التفاح الطازج
بينها ، فانظر لنفسك و انتق ِ أصدقاءك ، وابتعد عمَّن تراه يبعدك عن الله
ويلهيك في لهو الدنيا الفانية.
لكـم أجملُ تحيـَّة ..
وفقكم الله إلى ما يحبه و يرضاه ، كن مع الله و لا تُبالي " .
انتهت ....
الموضوع الاصلي
من روعة الكون