قصة جميلة اعجبتنى اقدمها لكم على سبيل الاطلاع وابداء الرأى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
آه منا نحن معشر الحمیر
كنا، نحن معشر الحمیر، سابقاً نتحدث بلغة خاصة بنا، أسوة بكم معشر البشر، ھذه اللغة كانت جمیلة وغنیة، ولھا
وقع موسیقي جذاب كنا نتكلم ونغني . لم نكن ننھق مثلما علیھ الحال الآن. لأن النھیق بدأ عندنا فیما بعد، وتعلمون
أن جمیع حاجاتنا ورغباتنا وحتى عواطفنا، نعبر عنھا الآن بالنھیق.
ولكن ما ھو النھیق؟ ھاق، ھاق.
ھو عبارة عن مقطعین صوتیین، أحدھما غلیظ وثخین، والآخر رفیع، یصدران الواحد إثر الآخر.
ھذا ھو النھیق.. الذي بقي في لغتنا ، لغة الحمرنة، لكن كیف تغیرت ھذه اللغة حتى أصبحت بھذا الشكل؟
ألا یھمك معرفة ھذه الحكایة وكیف حدثت؟
حسناً إذاً ، بما أنكم تھتمون بذلك، سأرویھا لكم باختصار، لجم الخوف ألسنتنا وذھب بعقولنا ، وبسبب الخوف
نسبنا للغتنا الحمیریة.
في غابر الزمان كان یلھو حمار ھرم وحده في الغابة، یغني بعض الأغاني بلغة الحمیر ویأكل الأعشاب الغضة
الطریة، وبعد فترة من اللھو تناھت إلى منخریھ رائحة ذئب قادم، من بعید. رفع الحمار رأسھ عالیاً وعبّ الھواء
ملء رئتیھ وقال: لا یوجد رائحة ذئب، لا، لا لیست رائحة ذئب ، وتابع لھوه قافزاً من مكان إلى آخر، ولكن الرائحة
أخذت تزداد كلما دنا الذئب أكثر. ھذا یعني أن المنیة تقترب.
- - إنھ لیس ذئباً، إن شاء الله كذلك، ولم یكون كذلك؟ ومن أین سیأتي وماذا سیفعل؟ وھكذا ظل الحمار
الھرم یخدع نفسھ، حتى بات یسمع صوتاً غیر مستحب، صوت دبیب الذئب القادم.
ومع اقتراب الذئب أكثر فأكثر أخذ قلب الحمار یخفق وعیناه ترتجفان، وعندما حدّق عالیاً صوب الجبل، رأى
ذئباً مندفعاً مخلفاً وراءه سحباً من الغبار.
- آه آه.. آه إنھ ذئب، وكنت أحلم بذلك؟ قد یكون خیّل إليّ أن ما أراه ذئب أو كنت أحلم بذلك.
وبعد فترة لیست طویلة رأى ذباً قادماً من بین الأشجار، مرة ثانیة حاول أن یطمئن نفسھ قائلاً:
- أتمنى أن لا یكون ما أراه ذئباً، إن شاء الله لن یكون كذلك، ألم یجد ھذا اللعین مكاناً آخر غیر ھذا المكان؟
لقد أصاب الوھن عیني، لذلك أخذت أرى ھذا الشيء ذئباً قادماً.
تقلصت المسافةبینھ وبین الذئب حتى أصبحت خمسین متراً. أیضاً حاول طمأنة نفسھ قائلاً:
- - أعرف تماماً أن ما أراه لیس ذئباً ، ولكن لمَ لا أبتعد قلیلاً.
أخذ الحمار الھرم یبتعد قلیلاً ناظراً إلى الوراء، أما الذئب فقد اقترب منھ فاغراً فاه.
- حتى لو كان القادم ذئباً ماذا سیحصل... لا، لا لن یكون ذئباً، ولكن لم ترتعد فرائصي؟
جھد الحمار الھرم أن تكون خطواتھ أسرع، حتى بات یركض بأقصى سرعة أمام الذئب المندفع.
- آه كم أنا أحمق فقد صرت أظن القطّ ذئباً وأركض ھكذا كالمعتوه، لا لیس ذئباً... زاد الحمار من سرعتھ
حتى أخذت ساقاه ترتطمان ببطنھ ومع ذلك استمر في خداع نفسھ قائلاً:
- حتى لو كان الذي أراه ذئباً ، فھو لیس كذلك، إن شاء الله لن یكون كذلك.
نظر الحمار الھرم وراءه فرأى عیني الذئب تشعان وتطلقان سھاماً ناریة، وتابع ركضھ مطمئناً نفسھ بقولھ:
- لا ، لا یمكن أن یكون ذئباً.
نظر الحمار خلفھ عندما شعر بأنف الذئب یلامس ظھره المبلل، فوجده فاغراً فمھ فوق ظھره.
حاول الركض إلا أنھ لم یستطع ذلك لأن قواه خانتھ، فأصبح عاجزاً عن الحراك تحت ثقل الذئب، ولكي لا یراه فقد
عمد على إغلاق عینیھ وقال:
- أعرف تماماً أنك لست ذئباً.
لا تدغدغ مؤخرتي إني لا أحب مزاح الید.
غرز الذئب الجائع أسنانھ في ظھر الحمار الھرم، ونھش منھ قطعة كبیرة، ومن حلاوة الروح، كما یقولون،
إرتبط لسان الحمار ونسي لغتھ.
- آه آه إنھ ذئب آه، ھو آه ھو .....
تابع الذئب النھش من لحم الحمار الھرم ذي اللسان المربوط، حیث لا یصدر منھ سوى آه ھو ... ھاق .... ھاق.
منذ ذاك الیوم نسینا أیھا السادة ، ولم نستطع التعبیر عن رغباتنا وأفكارنا إلا بالنھیق.
ولو أن ذاك الحمار لم یخدع نفسھ، لكنا نجید الحدیث بلغتنا إلى الآن. ولكن ماذا أقول آه منا نحن معشر
الحمیر.. ھاق ... ھاق ...
الموضوع الاصلي
من روعة الكون