لماذا نحن في حالة انتظار دائم للسعادة؟ لماذا نعتقد أن السعادة نقطة ما في المستقبل البعيد دائما؟ إن السعادة الحقيقية والوحيدة والأكيدة في الدنيا هي الآن وفي هذا المكان الذي أنت فيه. إننا في سباق دائم للحاق بالسعادة التي نعتقد دائماُ أنها لم تأت بعد، أو أننا لم نستوف شروطها، أو لم نعط مقوماتها. كثير منا ينظر إلى الآخرين فيرى أن العشب الأخضر دائماً على الضفة الأخرى من حياته. وليس هذا بالضرورة صحيح. لننظر حولنا بتأمل فسنجد كثيراً من الأمور التي يغبطنا عليها الآخرون، ومع ذلك فإننا لا نتمتع بها، لأننا دائماُ في انتظار الغد الأكثر إشراقاُ وننسى أن اليوم لا يخلو من إشراقة أيضاُ.
كتب أحد أصحاب المخابز على باب محله، "الخبز غداً مجاناً"، وبأتي الناس كل يوم ولا تتغير اللوحة، ولا يحصلون على الخبز المجاني، لأنه ليس مجاناً اليوم بل في الغد الذي لا يأتي أبداً!! إن هذا هو حال كثير منا في حديثهم الدائم عن المستقبل وحزنهم المستمر على ما مر. كثير منا ينتقل دائماُ بين رثاء الماضي، وتمني المستقبل، وينسى هؤلاء أنهم أحياء الآن، وأن لديهم من الخير الكثير اليوم أيضا.
لنسأل أنفسنا ببساطة .. هل نحن ممن يستمتع بهدوء بوجبة الطعام التي يتناولها، أم أننا نتعامل مع الطعام بمنطق التزود بالوقود فقط. إن كل طعام نتناوله نعمة من النعم التي تستوجب التوقف عندها ولا يمنع ونحن نتزود بهذا الوقود أن نستمتع به أيضاً، وألا يصبح سباقنا اليومي هو في الأفضل والأغلى لنباهي به دون أن نستمتع بالحصول عليه. عندما نقود سيارتنا أو نرى أولادنا أو أقاربنا في خير حال .. عندما نشعر بحب الآخرين لنا واهتمامهم بأمورنا .. عندما نشعر بنعمة الإيمان وسكينة الرضى .. وهدوء النفس .. أليست كل هذه من موجبات السعادة اليوم .. إذا لم توافقني .. فعد وأقرأ هذه العبارة وتخيل أنك قد حرمت نعمة تذوق الطعام أو رؤيته أو نعمة المشي أو حب الآخرين .. بين أيدينا اليوم الكثير والكثير من موجبات السعادة والرضى ولكننا لم نعد ننتبه لما لدينا .. وأكثرنا من النظر في ما أعطي غيرنا من النعم، وكأننا لم نحصل على نصيبنا العادل .. فمن نتهم بالظلم عندما نشعر أو نتخيل أننا لم نوف حقوقنا؟ وأي شقاء أكبر من أن نتهم الخالق جل وعلا –ضمنا دون تصريح- بالظلم، ولكننا نفعل ذلك كثيراً دون أن نشعر عندما ننظر ونتمنى ما لدى الآخرين.
ومنا طائفة أخرى تبحث عن السعادة وكأنها سلعة تشترى بالمال .. وكأنها تقتنى ولكن هيهات .. هؤلاء يعتقدون أن السعادة هي ما يقوله الغير عنهم.. ما أشقى هؤلاء الذين يعيشون كي يراهم الآخرون، ويتناقلوا أخبارهم. كم هم في شقاء أولئك الذين يبحثون عن السعادة خارج ذواتهم. إن الله جل وعلا قد زود هذه النفس البشرية بكل مقومات الحياة الطيبة في الدنيا، ولكنه تركها تختار بين شكر النعم والتمتع بها، وبين الغيرة والحسد والطمع وكل مفسدات السعادة الإنسانية التي تتمثل في الكثير منا اليوم.
ليس منا من لا يملك الكثير .. وليس منا إلا وهناك من هو أغنى منه، وهناك من هو أفقر منه. ولن يجدي في الحياة أن نتطلع إلى ما لا نملك إلى الدرجة التي نفقد فيها واقعنا المليء بأسباب السعادة التي يغبطنا عليها -ولا شك- من هم أدنى منا في سلم الحياة الاجتماعية.
إن هذه الكلمات نداء لكل منا أن نتوقف لحظة عن الجري الدائم وراء سراب المستقبل الأكثر إشراقاُ، وأن نحيا اليوم في ظل الواقع الذي يحتوي بلا شك على الكثير من موجبات السعادة. وعندما يأت الغد، فيمكننا في ذلك الوقت أن ننعم به أيضاً إذا كان أكثر إشراقا كما توقعنا! أما الحقيقة الثابتة الوحيدة في هذه اللحظة أننا هنا، وأن لدينا من أسباب السعادة ما يكفي لكي نحيا اليوم حياة طيبة. ولنتذكر أن الحياة الطيبة خير من الحياة السعيدة .. فالنفس الراضية تحيا حياة طيبة وإن أصابها حزن أو غم .. وإن مسها شر أو ضيق .. وهي كذلك تحيا حياة طيبة إذا اجتمعت لها موجبات شكر النعم .. فابحثوا اليوم عن الحياة الطيبة الراضية .. وستجدونها –بلا شك- فالوعد الرباني لكل منا ذكراً كان أم أنثى لا يتخلف .. ولكنه سيعطى فقط لأصحاب الصالحات.. فهل نحن منهم؟
--------------------------------------------
مع تمنياتي لكم بالسعاده الدائمه
الموضوع الاصلي
من روعة الكون