زهره الخرجي لم تمت

في أوّل حديث لها بعد رحلة العلاج الطويلة في لندن وقبيل عودتها إلى الكويت زهرة الخرجي: لقد ذقت الأيام المرّة.. وأتمنى أن أعيش الحلوة





لملمت الفنانة زهرة الخرجي حقائبها استعداداً لمغادرة لندن والعودة إلى الكويت، بعد رحلة علاج طويلة استمرت ثمانية عشر شهراً خضعت خلالها لعملية جراحية لإزالة ورم سرطاني في الثدي مع عشرات الجلسات من علاج «الكيميوثيرابي» و«الراديوثيرابي». ورغم آلام المرض ومرارة الدواء وثقل التجربة ظلت زهرة قوية ومتماسكة وواثقة من رحمة الله عزّ وجلّ، وهذا ما لمسناه في لقائنا بها في أول حديث صحفي تدلي به بعد رحلة الشفاء. وكانت «سيدتي» أوّل نافذة تطل منها على جمهورها الكبير الذي ظل يسأل عن أخبارها ويدعو لها بالشفاء. وفي شقّتها الصغيرة والأنيقة في شارع كوينستاون في لندن استقبلتنا مع زوجها الفنان أحمد الحليل وبدت أصغر سناً بشعرها القصير وجسمها الذي فقد بعضاً من وزنه وعينيها البنيتين اللتين تلمعان فرحاً باجتياز الأزمة القاسية وانتهاء الأيام الصعبة. وفي حوارنا معها تحدثت عن المرض والعلاج وإشاعة الموت التي آلمتها وأشياء أخرى كثيرة..


لندن ـ سميرة التميمي


> كيف كان اكتشاف المرض؟
ـ كنت أشعر بآلام قاسية في منطقة الصدر صبرت عليها في البداية لكن الامر ازداد سوءاً ما دعاني إلى إجراء الفحوصات في مستشفى خاص في الكويت وكانت النتيجة وجود «تليّف» غير سرطاني (حميد)، إلا أن الآلام ظلّت مستمرة فأعدت الفحوصات في مستشفى حكومي هذه المرة وجاءت النتيجة مغايرة تماماً للأولى، وعرفت أخيراً أنني أشكو من ورم سرطاني بعمق 4.5ـ 6 سم وأن رفع هذا الورم هو قضية حياة أو موت بالنسبة لي.
> وهل لامك الأطباء في لندن على التأخّر بالعلاج؟
ـ بالتأكيد، فقد كانت الحالة متأخّرة والورم كبيراً وقد استغربوا تهاوننا مع المرض، ولكننا في الحقيقة لم نتهاون وكنا نراسل المستشفيات البريطانية ونبيع ما نستطيع بيعه من أجل السفر والعلاج. وعندما وصلنا الى لندن وشخّصوا الورم وعمقه وحجمه طلبوا منا مبلغاً كبيراً من المال يودع في حساب المستشفى قبل البدء بالعلاج، وبدأت معاناة أخرى ومن نوع جديد هذه المرة.
> وكيف سارت الأمور بعد ذلك؟
ـ وهنا يشاركنا زوجها الحديث: كان لا حول لنا ولا قوة إلا بالله، فقد كنت مضطرّاً لترك زهرة وحدها في لندن والعودة الى الكويت لتدبير المبلغ المطلوب. ولقد كانت أسوأ رحلة في حياتي فعيناي كانتا تدمعان ولكن من دون بكاء، وكان الوقت يمر ثقيلاً وأنا أفكّر بالطريقة التي أحصل فيها على نفقات العلاج، ولكن الله أكرمنا بتكفّل أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح بنفقات العلاج كاملة حيث اتّصل بنا وزير الديوان الأميري ليطمئن على زهرة ويبلغنا بالخبر السعيد الذي وضع حداً لمعاناتنا وجعلنا نتفرّغ للعلاج.
> كيف تصفين تجربة الصراع مع المرض؟
ـ تجربة صعبة بشكل لا يمكن وصفه أو حتى تخيّله، فقد كان الطبيب يعطيني الدواء الشافي إن شاء الله لكن كانت ترافقه الآلام المبرّحة. وقد تركني العلاج في حالة ضعف شديد فلا أستطيع السير بل لا أستطيع الوقوف ولاأتمكّن من التحدّث بالهاتف وأتضايق من كل شيء، وتتضخّم عندي الأموربشكل كبير فإذا حزنت لأي سبب فإنني أشعر بالتعب وأنتكس وتسوء حالتي كثيراً. في المرحلة الأولى للعلاج كنت أستلقي على الأريكة طوال الوقت وأحياناً أهلوس
ولا أعرف ما أقول ولا أنام إلا بدواء، أما أخذ العلاج فهو عذاب من نوع آخر حيث تجتمع حولي أحياناً أربع ممرضات يحاولن إيجاد الوريد في يدي من أجل حقن الدواء في جسمي. و بعد أيام من أخذ جرعة العلاج أنكمش على نفسي وأتكوّر في الفراش، ولأن حالتي متأخّرة فقد أخذت كميات كبيرة من الأدوية إلى الحد الذي تحوّلت فيه أصابعي إلى اللون الرمادي، وبمرور الوقت أبدأ بالتحسّن شيئاً فشيئاً لكنني سرعان ما آخذ جرعة أخرى لتبدأ الدوامة من جديد.
> لمن كنت تلجئين في أوقات الألم؟
ـ الله ولا أحد غير الله.



كنت أتذكّر وجه أمي وأبي


> وهل أثّر المرض على نظرتك للأمور؟
ـ صرت أكثر تحسّساً لآلام الناس خاصة عندما أتابع أخبار الصراعات والحروب، ولا أستطيع رؤية الأطفال وكبار السن وهم يتعذّبون وأعجب كيف يتصارع الناس على أشياء تافهة جداً. فالحياة أكبر وأوسع وأغنى مما يتصوّرون ولا داعي للعداوة والضغينة والأحقاد.
> وأي صور تتذكّرين وأنت في حالات الألم؟
ـ وجه أمي وأبي وأتذكّر المسرح وأسأل نفسي إن كنت سأقدر على الحركة من جديد.
> وهل بكيت كثيراً؟
ـ في البداية كنت أبكي ليل نهار، وأذكر أن أوّل مرّة بكيت فيها كانت عندما استمعت إلى موسيقى شعرت بأنها حزينة ومأساوية.
> هل شعرت باليأس يا زهرة؟
ـ لم يتسرّب اليأس إلى نفسي أبداً وكنت أشعر بالأمل والقوة عندما أقارن نفسي بالحالات الأسوأ التي كنت أصادفها في المستشفى وأشكر الله على لطفه بي.
> هل شعرت بالغبن وقلت لنفسك لمَ يحصل هذا لي دون سواي؟
ـ أستغفر الله إن كنت قلت ذلك فالمرض اختبار للإنسان وامتحان لإيمانه وعزيمته وصبره ونحن
لا يصيبنا الا ما كتب الله لنا. بالعكس كنت أؤنب نفسي أحياناً حين لا تتحمّل الألم.
> وماذا تقولين لنفسك الآن؟
ـ علي أن أحمد الله لأنه أعطاني عمراً أرى فيه ديرتي وأهلي وأحبابي من جديد.



يوم حلو.. يوم مر


ما بين جرعة علاج وأخرى وما بين هبوط وصعود في الصحة حرص الزوجان على استذكار المناسبات معاً، فقد احتفلا بعيد زواجهما الأول والثاني في لندن وفي يوم الحب رسم الزوج بالزهور الحمراء قلباً كبيراً طرّز أرض الصالة ليقول لزوجته إنني بجانبك، فماذا تقول زهرة الخرجي عن تأثير المرض والعلاج على حياتها الزوجية:
> هل تشعرين أن هذه التجربة هي اختبار لعلاقتك بزوجك؟
ـ إنه اختبار من نوع خاص فقد أجّلنا شهرالعسل ولم نكمل بيت الزوجية ولم نمض ثلاثة أشهر مع بعضنا وأفكّر أحياناً أن الحظ السيىء قد لازمنا ولكني أعود وأقول إننا نحب بعضنا وتربطنا علاقة إنسانية عميقة والزواج هو المشاركة بالحلوة والمرّة. وعشنا المرّة ونتمنى أن تكون حياتنا في المستقبل حلوة بحلوة.
> وكيف تصفين زوجك من خلال هذه التجربة؟
ـ لقد شاركني مرضي وآلامي وأوقات ضعفي وهو يدي التي كانت تناولني الدواء، حتى إنه قد تعلّم غرز الأبر من أجل أن يريحني من الذهاب إلى المستشفى.
> وكيف أثّرت التجربة على الزوج؟
يجيب أحمد الحليل: أولاً زاد وزني حوالي عشرين كيلوغراماً لأنني بقيت ملازماً زهرة في فترة العلاج ولا أخرج إلا للضرورة. وخلال شهور العلاج شعرنا أننا وحدنا معزولان عن العالم وعن كثير من المؤثرات الخارجية، مما أعطانا الفرصة للتفكير العميق والهادئ ومراجعة كثير من الأمور وقد ترسّخت قناعتي بأننا نسير في الطريق الصحيح.
> وهل شعرت مرّة باليأس من شفاء زوجتك؟
ـ رغم ان الطبيب المشرف على العلاج كان يكرّر أمامنا بأن هذا المرض هو قضية حياة أو موت وأن لا ضمان لنجاح العلاج والمهم اجتياز مرحلة الخطر، إلا أنني لم أشعر باليأس أبداً. ولكن ثمة معلومات عن المرض كنت أعرفها قبل زهرة وكان علي أن أنقلها لها تدريجياً وهذا ما كان يصيبني بالتوتّر، وأتذكّر أنها مرّت بحالة صعبة جداً أثناء تلقي العلاج ولا أدري كيف خيّل لي وأنا نائم بأنها تلوّح لي بيدها بإشارة الوداع فنهضت مرعوباً ولم أهدأ إلا بعد أن تأكّدت من انتظام نبضها.



لا أريد أن أعيد التجربة مرّتين




> كيف ستعود زهرة إلى الكويت؟
ـ سأعود بنفسية جديدة وأول ما سأفعله هو زيارة الأماكن التي كنا نلتقي بها أنا وزوجي ورؤية الأهل والأحبة، كما إنني عازمة على الإنتقال إلى سكن آخر أوسع وفي منطقة أكثر هدوءاً وسأبتعد عن كل ما يزعجني في هذه الحياة قدر المستطاع، وطبعاً سأنظر بالأعمال التي تعرض علي كي أختار منها ما يسعد ويرضي جمهوري إن شاء الله.
> هل فكّرت بتحويل تجربتك الى عمل درامي؟
ـ ربما أكتب هذا العمل لكنني
لا يمكن أن أمثله أبداً فالتجربة أقسى من أن أعيدها مرّتين.
> على أي جانب ستركّزين في أعمالك القادمة؟
ـ الدراما التي تعتمد على كوميديا الموقف وأعمال الأطفال وربما أخوض تجربة التقديم التلفزيوني.
> كيف تلقّيت إشاعة وفاتك؟
ـ هي ليست إشاعة واحدة إنما ثلاث مثل طلاقي من زوجي أو وقوعه فريسة للمرض الذي انتقل إليه مني وما شابه ذلك. وقد آذتني إشاعة الوفاة بشكل خاص لأنها أخذت بعداً كبيراً وتناقلتها وسائل الإعلام ولكن سرعان ما كذّب الخبر، وقد تلقّينا سيلاً من المكالمات الهاتفية والرسائل ومنها مكالمات الفنانين سعاد عبد الله ومنصور المنصور وهما يرجواني أن أرد عليهما كي يتأكّدا من عدم صحة الخبر.
> بماذا فكّرت وقتها؟
ـ فكّرت بوقع الخبر على أهلي وأحبابي وبقيت أبكي لثلاثة أيام رغم أنني أؤمن أن الموت حقّ وأن كل من عليها فان. ولكن لماذا فعلوا ذلك، وهل هم يكرهونني حقاً ويريدون موتي؟
> كيف قضيت أوقاتك في لندن؟
ـ زرنا مسارح كثيرة ومتّعنا أبصارنا وعقولنا بالمسرح البريطاني الرصين والرائع، وشاهدنا كثيراً من الافلام السينمائية وتجوّلنا في المدينة.
> هل راجعت نفسك في هذه الفترة؟
ـ نعم, وتأكّدت أنني كنت على صواب حين كنت أرفض تقديم التنازلات على حساب فني وسلوكي ووجودي وأجد أن قوّتي الداخلية قد زادت تماسكاً الآن، وإن كنت أعيد النظر مرّتين قبل الموافقة على عمل في السابق فإنني سأفكّر من الآن وصاعداً مائة مرة قبل أن أقول نعم..
> وماذا تقولين للمرضى الذين يعيشون نفس تجربتك؟
ـ أدعو لهم وأقول يا رب مثلما تكرّمت علي بالشفاء ووفّرت لي سبل العلاج إشف جميع المرضى وألبسهم ثوب العافية.
> هل تؤمنين بالحسد وتظنّين أن ما أصابك هو صيبة عين؟
ـ طبعاً أؤمن بالحسد فهو مذكور بالقرآن الكريم وأخاف كثيراً من «فزة القلب». لقد كنت قد انتهيت للتو من البرنامج الناجح «الوادي» وكنت سعيدة بزوجي الذي أحبه وبعملي وحياتي وفجأة حصل ما حصل، لا أقول إلا صلّوا على النبي واذكروا الله دائماً كي لا يصاب أحد بالعين.


منقول من مجلة سيدتي للامانه

الموضوع الاصلي  من روعة الكون