قصيدة .. جرح الياسمين .. للشاعرة السورية / همس المطر :
----------------------------------------------------------
قل ما شئت عني
حمقاء، بلهاء، غبية
أنا الجنون أنا الفتون أنا العبقرية
اضحك
تغنى بطعني
ازعم النصر وازهو
تخيل مراسم دفني
لكني سأبقى رغم الجرح
كالنخلة شامخة أبية
سيبقى جرحي ياسميني الهوية
كلما غارت النصل
صار عطرا بربريا.
---------------------------------------------------
الإطلالة:
--------
تبدو القصيدة عند الشاعرة السورية همس المطر قصيدة مكثفة ، تحمل الكثير من الدلالات والمعاني ،ومن اللافت للنظر في قصيدتها أنك كلما قرأتها تكتشف شيئا آخر ، شيئا كان متواريا ،أو كان غائبا أثناء القراءة السابقة ، ومن هنا كانت قراءة القصيدة قراءة قابضة على إمكانية أو إمكانيات معينة ، دون ادعاء من القراءة بأن كل إمكانيات القصيدة حاصرتها وحصرتها ، وقدمتها للقارئ.ومن وجهة نظري الخالصة فإن القصيدة الجميلة تكون على هذه الشاكلة ،تكون حابلة بالمعاني فياضة بالدلالات ، بحيث أن القارئ لا يمل قراءتها كلما عاود الرجوع إليها للتأمل فيها من جديد.
ومن القصائد التي لفتت نظري عند شاعرتنا المقتدرة همس قصيدتها الموسومة ب:"جرح الياسمين"، قصيدة تتخذ من تقنية الجملة القصيرة المعبرة آلية للتعبير والبوح ، والجملة القصيرة من سمات الشعر الحديث ، وهي تأتي في القصيدة من أجل التكثيف والإيحاء.
تفتتح شاعرتنا قصيدتها كالتالي:
قل ما شئت عني
حمقاء، بلهاء، غبية
أنا الجنون أنا الفتون أنا العبقرية
كأن القصيدة هنا كانت وليدة فكرة ، أو قل كانت وليدة رد فعل إزاء كلام سمعته ، أحيانا مفتتح القصيدة يحدد الغرض من كتابتها ، كتابة القصيدة تكون بدافع ، والدافع يتعدد بتعدد الحالات .الشاعرة سمعت قولا ،لكنها لا تبالي مادامت هي تعرف نفسها ، المتقول عنها لا يعرفها ، أ هو يعرفها ولكن يسعى لأن يقلل من شأنها ،ليقل عنها أنها حمقاء ، فالجنون كان قرين الإبداع منذ القدم ، وإلا لكان كلام الشاعر يشبه كلام الناس العاديين ، ولأمر ما كان لدى الشعراء القدامى قرناء من الجن يوحون إليهم.
وتمضي الشاعرة في تحد وفي ثقة عالية بالنفس تقول مخاطبة صاحب الادعاء المزعوم:
تخيل مراسم دفني
لكني سأبقى رغم الجرح
كالنخلة شامخة أبية
سيبقى جرحي ياسميني الهوية
كلما غارت النصل
صار عطرا بربريا
بهذه الكلمات الشاعرة السلسة العذبة تختتم الشاعرة همس المطر قصيدتها الجميلة ، فهي أبية ، وأن النصل كلما توغلت في جسدها سوف لا يكون إلا عطرا بربريا ، يتمتع به الجميع ، رغم أنف من يكيد لها .
هذه القصيدة على قصرها جاءت حافلة بمعاني السمو والترفع ،والقدرة على التحدي ،والإصرار على تخطي الصعاب .إنها صادرة عن شاعرة عربية أصيلة تقول وتعرف ماذا تقول.
والشاعرة همس المطر في غير هذه القصيدة وفي كتاباتها النثرية الأخرى ذات قيمة أدبية سامية ، لا يرقى إليها شك ، ولا يراها بخلاف ذلك إلا من أعمى فلبه الحقد والحسد ،إنك تقرأ لهمس المطر ولو قصيدة قصيرة مثل التي أطللنا عليها فتخرج منها بفائدة ،بخلاف بعض الكتابات لدى بعض النزقات وهي على كثرتها وانتشارها كبعر الآرام لا يكاد يخرج القارئ منها بجملة أو جملتين أصيلتين.
هذه مجرد إطلالة على قصيدة أعجبتني ، وهي لشاعرة مقتدرة ومتخلقة ومتأدبة.
----------------
ملاحظة:قصيدة "جرح الياسمين"منشورة بموقع"أبيات".
الموضوع الاصلي
من روعة الكون