جلس الحمارُ يوماً يفكرُ لما يصفهُ الناسُ بالغباءِ وقلة الفهم وأنهم عندما يريدون أن يسبوا شخصاً أو يشتموه يقولون لهُ ياحمار .
فقال الحمارُ بينهُ وبين نفسه : ينعتونني بالغباء وقلة الفهم مع أنني صبورٌ قوي يحملون أمتاعهم ويركبون فوق ظهري وأنا صابرٌ لا أشتكي , بل همُ الحمير ولستُ أنا ومن اليوم سوف أُبدِلُ اسمي وسوف اسمي نفسي فهيم .
واقتنع الحمارُ بسمه الجديد وفرح به , فبينما هو يزهو بأعذب الألحان فرحا باسمه الجديد ويتغنى به فهيمُ يافهيم كم أنت رائعٌ ووسيم, مر بجانبه ثورٌ فقال : كيف حالك اليوم ياحمار ؟ فلم يرُد عليه الحمار فاستغرب الثور وأعاد عليه السؤال ولكن الحمار لم يُجبه .
فقال الثور : مابالُك ألم تسمعني ؟
فقال الحمار: بلى سمعتك
فقال الثور : ولما لاتجيب !!
قال الحمار : لأنك لم تسألني
فقال الثور : بل سألتُك وقلت كيف حالك اليوم ياحمار ؟
فقال الحمار : ومن قال لك أني حمار
فقال الثور : ومن أنت إذاً ؟؟
قال الحمار : أنا اسمي فهيم
فقال الثور : ومنذُ متى واسمُك فهيم !!
فقال الحمار : منذُ اليوم و أنا سميت نفسي بهذا الاسم
فقال الثور : اذاً كيف حالك اليوم يافهيم ؟؟
فقال الحمار : بخير ياثور
فقال الثور : وكيف حالُ العمل معك ؟
فقال الحمار : مازلتُ اشتكي ظلم البشر لي فهم يركبون ويحملون أمتاعهم فوق ظهري وبرغمِ ذلك يضربُونني بالعصا
فقال الثور : وهل مازالوا يطعمونك الشعير والتبن ؟؟
فقال الحمار : نعم وهما ألذُ طعام الدنيا ولكنني أشكي قلة الشبع
فقال الثور : ولكنني يافهيم أراهم يضربونك بالعصا مع أن اسمك فهيم !!
فقال الحمار : نعم صحيح فأنا كما تعلم في كثير من الأحيان أنسى الطريق وفيني مرض النسيان فيضربونني لكي ينبهوني إلى الطريق الصحيح
فقال الثور : و هل مازال الخمول والكسل والبلادة مصاحبان لك ؟؟
فقال الحمار : نعم فإنني أشعر بخمول في سائر جسدي كل يوم كذلك لاأحب التفكير كثيرا فسكت قليلا ثم بدأ ينهق
فقال الثور : ألم تترك النهيق بعدُ يافهيم ؟؟
فقال الحمار : لا لم أتركه فهو صوتي وهو مايميزني عن غيري
فقال الثور : لقد غيرت اسمك من حمار إلى فهيم ولم يتغير خلقك ولم تتغير صفاتك وطباعك فثق ياحمار أنه مهما تغيرت المسميات ومهما تغيرت الألقاب فكلُ شيئً يرجعُ إلى أصلهِ ومكانه فالحكماءُ والعقال من الناس لاينظرون إلى المُسميات والألقاب بل ينظرون إلى المكنون والجوهر فكل شخصً بمكنونه وجوهره, وكلُ لقبً إذا لم يكن في محله ترفضهُ الناس ولاتقبله وكثيرا نرى أناس تكثر ألقابهم وتتغير أسمائهم ولكن لم تتغير جواهرهم وبواطنهم فهم على حالهم التي كانوا عليها , فدع عنك المزايدة ورجع إلى ماكنت عليه .
فغضب الحمار وقال أنت ثورُ على اسمك وكل ثور قليلُ عقلً وإن كبر رأسه وبدا قرنه
فقال الثور : وأنت حمار وكل حمارً طويلُ الأذنين ينهق هو غبي شديد الغباء وإن أشتد نهيقه
فقال الحمار : أنا أقوى منك وأصبر فأنا أحمل المتاع وأبلغ الناس إلى بلدانً لم يكونوا بالغيها إلا بشق الأنفس وأصبر على جهل كل جاهل حتى وإن كان الجاهل ثور
فقال الثور : بل أنا أشدُ منك قوة فأنا أحرثُ الأرض لكي ينبت الزرع ولوا وجودي لما استطاع البشر الإستمرار في حراثة الأرض ولكن كل من لايعقل حمار
فنهق الحمار ونخر الثور وبدت نظرات الغضب تحتد بينهما واستعد كلُ واحدً أن ينقض على صاحبه
فقال الحمار : أيُها الثور سر على بركة الله ولا تتعجل الأمور واحفظ لسانك فسوف يوردك المهالك وكن عاقلاً عند خوضك للكلام واعرض كلامك على العقل قبل عرضه على اللسان وزن الأمور ولاتتحدث فيما لايعنيك , ولا تبدي رأيك عند من لم يطلب منك , ولاتقل رأيك في كل مسألة فلربما تكون أنت المقصود في الأمر , ونظُر اللأمور بعين الحكمة , وإذا خيرت بين أمرين فاختر أعضمهما نفعا ولاتختر أحبهما لقلبك فالقلب يميلُ لراحة والدعة وقد تفوتُ عليك الراحة الزائفة مسالك خيرً كثيرة
فقال الثور : أيُها الحمار عُد لرشدك واترك فهيم عنك , فالشخصُ قبل أن يُنظر في شكله يُنظرُ إلى عقله وقلبه ومافي عقله وقلبه يظهره ويترجمه اللسان , وإياك ثم إياك مصاحبة من هم أكبر منك فلا يروا فضلك ولا تصاحب من هم أقل منك فلا يعرفوا قدرك وصاحب من هم في سنك وعقلك فإن الأفهام تكون متقاربة وباب الود والإحترام موجود وإن إختلفت التوجهات والأفكار
فقال الحمار : أنظر من ينصح ثور ابن ثور
فقال الثور : وانظر من أقوم بنصحه حمار وابنُ حمار
فعلى صراخهما وتطاولا في الكلام وسب كل واحد منهما الأخر, وأثناء ذلك اللقاء الساخن كان صاحبُ المزرعة نائماً تحت الشجرة فاستيقظ على صُراخهما فنهض وتوجه نحوهما وهوى بالعصا على الثور والحمار وقال تباً لكم أيها الحيوانات فلقد أزعجتموني .
بقلمي
ودمـــــــــتــــــــــــم ........... ســــــــالـــمـــيــــن .
الموضوع الاصلي
من روعة الكون