كتاب كليلة ودمنة
قرأت لكم قصة من كتاب كليله ودمنه
قال كليلة في بعض قوله لدمنة : أما تضرب لي مثل القرية
التي سادت نسوتها بدعوى الشعر والأدب حتى ضُيعت المحارم وسقط " الأدب " , وما لرجالات تلك القرية إلا فرحهم بسهولة الحصول على جسدٍ مثقف وشعرٍ مرهّف حتى وإن بلغت رقته إلى إضعاف بيانه وهزل لسانه ؟قال دمنة : ذكر أنه في أرض كذا رجل ٌ ملك مزرعةً حَوّت من كل شيء ٍ أطيبه ومن كل جنس حيوان ٍ أخصبه , وكان مهتما بتطوير مزرعته وتحسين نسل حيوانه فجلب لماعزه " تيسا " من السند ولبقره ثورا جديدا من الدنمرك ولخيله حصانا من "الكاوبوي " ولدجاجه ديكاً عربيا ًفصيحا , وكان الديك فصيح اللسان بليغ البيان , له عرفٌ أحمر ومنقاراً أزهر مشيته تبختر وسكونه تفتّر , يبدأ صباحه بصياح ٍ مليح وله في غداته شعرا فصيح , ولكنه جُبل على الفساد وإيذاء العباد , تسوءه الفضيلة وتغريه الرذيلة , فغمّه أن تستكين الدجاجة الواحدة لديكها الواحد , تلقط الحَب وترقد وتفقس البيض وتهمد , تسير بما يسّره الله لها وما جبله في طبعها , راضيةً مرضيّه وبخنّها مكفيّه .قال دمنة : ثم أحتال الديك وكان شديد الذكاء بالغ الدهاء له منطقٌ غريب و حكمة مهيب فقام خطيبا في دجاجاته , فقال : يا دجاجات هذا " الخن " والله ما أحسبني لكنّ إلا ناصحا وما كنت لعلمي مدخرا فهلمَّ إلي اجعل منكنَّ شاعراتٍ وأديبات ,فصاحت إحدى الدجاجات وكانت تدعى " فقسه " : يا ديكنا الجليل , رعاك الله مالنا والشعر والأدب فما خلقنا الله لهذا وما لنا من موهبتك من مثل فهي خاصة بك .فقال الديك : أما وإن قلت بأن موهبتي متجاوزة لتعليمكن وأنتن قابلات ذلك لما تساوينا به في الخلقة والعقل وما كان الوباء إلا بالجهل , فأجعل لكن َّ خنّا لمداولة الأدب والشعر بشرط أن تأتينني فرادى , فما أجواء الشعر إلا بسمر الاثنين لا الجماعة وما فقه الأدب إلا لقلة قال دمنة : فأمسى يعلمهن فما حصل إلا بغبائهن فقال في نفسه : إن شاع فشلي بتعليمهن فلن تحضر دجاجه بعد اليوم . فطفق يكتب لهن الشعر بأسماهن ويصوغ المقالات بروحهن ثم يقول اقرأنه على ملأ وقلن هو لي وكان بدهائه حيث لا يخبر إحداهن عن الأخرى وما علمه من غبائهن حتى اقتنعن بأنهن شاعرات وبالأدب عليمات ثم اخترن لأنفسهن أسماءً جديدة ف"فقسه " صارت " ناقرة مطر و " بيضيـّه " أمست " فصوح " وغيرها " جناح التغاريد " و" ريشال " و " خنّاء " حتى أمست ديكة الحي في حيره من أمرها فما يسألوا إحداهن " يا دجاجه " إلا صاحت به " أنا شاعره وأديبه " فإن قيل ما بال البيض وأعشاشنا قلن " ذاك تخلف ورجعيّ مقرف " والديك الفصيح مسرورٌ بما آل اليه أمره فكل ليلة تأتيه دجاجه لتباحثه الأدب وفي الصباح تعود لخنها ببيضه !!وتسافر أخرى بدعوى أمسية في خن آخر وتعود بصداقه !!حتى قل المحصول في ذلك الخن من البيض الصالح فلا يجد صاحب المزرعة إلا بضع بيضات ٍ فاسدات فتساءل أين الدجاجات فقيل له أصبحن أديبات فقال قولةً ضربت مثلا " أتينا بديك الأدب وحالنا إخترب "قال كليلة : فمثل من هذا يا دمنة
؟قال : مثل من تقتنع بغبائها أنها أديبه حتى يضيع أدبها
ولتحميل الكتاب بالكامل
اضغط هنا لطفا
الموضوع الاصلي
من روعة الكون