جائزة لـ "أسوأ خطأ طبي" في سويسرا
سابقة فريدة ... جائزة لـ "أسوأ خطأ طبي" في سويسرا!
أن تكون هناك جائزة لأفضل بحث علمي أو ابتكار جديد, فهذا شيء متعارف عليه, أما أن تخصص جائزة لشيء سيء أو كمكافأة على خطأ, فهي سابقة, لا سيما إذا تعلق الأمر بالصحة والعلاج.
فقد انفرد المستشفى الجامعي في برن, وهو من أكبر مستشفيات سويسرا بتلك السابقة, ورصد 25 ألف فرنك أي ما يعادل 19 ألف دولار تقريباً, مخصصة لأسوأ خطأ طبي, في محاولة من إدارة المستشفى لكسر حاجز الصمت المفروض على الأخطاء المهنية التي يقوم بها الأطباء أو معاونوهم, عن غير قصد طبعاً, وبالتالي سيتم اكتشاف سبب الخلل ليستفيد الجميع من التجربة بدلاً من أن تبقى سرية.
والجميع على قناعة تامة بأن الخطأ الطبي مرفوض جملة وتفصيلاً, وينظر الرأي العام إلى الأطباء ومساعديهم على أنهم "ملائكة الرحمة" أو "أنصاف آلهة معصومون" يتحركون على الأرض, ولكنهم في الوقت نفسه بشر, لهم مشكلاتهم الخاصة التي يمكن أن تؤثر على كفاءتهم في هذا العمل المتعلق بحياة المواطنين. وقد تكون أولى خطوات مواجهة تلك الأخطاء, تقنين الحد الأقصى لساعات العمل في المستشفيات بحيث لا تزيد عن 50 ساعة أسبوعياً, وتقسيم فتراته بشكل يتيح الراحة الذهنية بقدر كاف.
أما تشديد العقوبة فيخضع لمعايير قانونية كثيرة, وليس بالأمر السهل في بلد مثل سويسرا. وقد يتخيل المرء الآن أن أخطاء أطباء سويسرا لا حصر لها, إلا أنه بالنظر إلى إحصائيات عام 2001 نجد أن 1.4 مليون مريض تلقوا علاجهم في المستشفيات السويسرية, وبلغت حالات الخطأ 5,1 في المئة.
وطالب الرأي العام السويسري مراراً بعدم إغفال الأخطاء الطبية, بل ويطالب أيضاً بالكشف عن أسماء الأطباء المتورطين فيها, إلا أن القانون السويسري يمنع ذلك انطلاقاً من مبدأ حماية سمعة الفرد حتى وإن كان متهماً. وتعود هذه المطالبة عادة إثر الاعلان عن حادث أليم, مثل وفاة رضيعين قبل 3 سنوات بسبب التباس وقعت فيه احدى الممرضات وإعطائهما محلولاً خطأ, او ذلك الطبيب الذي بتر الساق السليمة لمريض في الثمانين من عمره بدلاً من قص الساق المصابة, فمات المريض كمداً وحزناً بعد أن فقد ساقيه الاثنتين, أو أطباء العيون الذين يلتبس عليهم الأمر في غرفة العمليات فيجرون جراحة للعين السليمة, أو طبيب الأعصاب الذي جنح مشرطه في مخ مريضته الشابة فأصابها بضعف في البصر وصعوبة في الحركة مدى الحياة. مثل هذه الحوادث البشعة وعلى رغم ندرتها, إلا أنها تترك انطباعاً لدى كل شخص بأنه من الممكن أن يمر بالمشكلة نفسها أو أن يتحول إلى ضحية من دون ذنب أو جريرة.
وكانت هناك أفكار مختلفة لمناقشة ومواجهة الأخطاء الطبية, من بينها اقتراح "الجمعية السويسرية لرعاية المرضى" التي حثت زوار موقعها على الإنترنت على ضرورة الكشف عن السلبيات التي يواجهونها سواء في العيادات الخاصة أو المستشفيات, من دون تحديد اسم الطبيب أو المصحة بالضرورة, والتركيز فقط على جوهر المشكلة, كما حثت مجلة الأطباء السويسريين الرأي العام على إفادتها بالمشكلات التي يتعرض لها سواء من ناحية الآثار الجانبية للأدوية أو عدم الراحة في العلاج. واستفادت المجلة من ذلك وأفسحت باباً على موقعها في الانترنت تستعرض فيه مشكلات المرضى من الأدوية. وتحول هذا الباب إلى أشبه ما يكون بقاعدة بيانات للتعرف على عيوب ومزايا الأدوية.
فكرة الجائزة تعد في حد ذاتها نوعاً جديداً من ثقافة "التعامل مع الأخطاء", بهدف معرفة ملابستها وتحديد إن كان الخطأ بشرياً أم تقنياً, وإذا كان من النوع الأول فما هي ملابساته, وإن كان تقنياً فكيف يمكن إصلاح الخلل, وهذا أفضل من دفن الرؤوس في الرمال والبحث عن مبررات وهمية أو غير واقعية لتعليق الأخطاء عليها, وهي أيضاً دعوة الى محاسبة الذات بكل وضوح وشفافية.
(( ... منقول ... ))
الموضوع الاصلي
من روعة الكون