السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رغم طول المقال إلا أنه عن اهم المدن المصدرة للرجال من علماء و طلبة للعلم
شنقيط والتـراث الضائع
قد لا يعرف الجيل العربي المعاصر الكثير عن شنقيط، فقد أصبحت منذ عقود نكرة من محيطها العربي والإسلامي في زمن اختلال الموازين وتقطع الأوصال.
كانت شنقيط مركز إشعاع علمي وثقافي ،ارتبط اسمها بحملة من المعاني حيث شهدت منذ القرن 10 هـ نهضة ثقافية شاملة إلا أن أهلها لم يهتموا بتدوين حركتهم العلمية وتوثيق أحداثها والتأريخ لها.
بنيت شنقيط القديمة سنة 160هـ/776م وعاشت قرونا ثم اندثرت لتنهض على أنقاضها مدينة شنقيط الحالية بما تحويه من كنوز التراث الثقافي المنسي فلا زالت مدينة حية تقاوم الظروف الصعبة والعزلة القاتلة.
ترجح بعض المصادر أن اسم شنقيط يرجع إلى نوع من الأواني الخزفية يسعى "الشقيط" كانت تشتهر به وان مؤسسها حبيب بن عبيدة الذي حفر بئرا في هذا المكان أثناء حملته بالصحراء سنة 116هـ .
وهناك رواية أخرى تقول بأن كلمة "شنقيط" ذات أصل "بربري" ومعناها باللغة البربرية"عيون الخيل".
كانت شنقيط مدينة واحات ومحطة هامة من محطات تجارة الصحراء وكان الحجاج يتجمعون فبها ثم ينطلقون في قافلة واحدة لأداء فريضة الحج فسمي سكان هذا القطر "الشناقطة" نسبة إلى مدينة شنقيط التي تعزز دورها التجاري والديني في أوائل القرن 11هـ حتى أصبحت العاصمة الثقافية لذلك البلاد.
المجتمع الشنقيطي
لقد سبق العرب إلى إفريقيا وبلاد المغرب وحكموها أكثر مما حكمها أهلها الأقدمون، وأكثر مكان حكمه العرب كان بلاد شنقيط ودام الصراع الثقافي فترة طويلة. ورغم ذلك فلم يحدث انصهار عرقي ثقافي مثل الذي حدث في المجتمع الشنقيطي، وتحدث جميع الشناقطة اللهجة الحسانية العربية التي جاءت بها قبيلة بني حسان قبل ستة قرون فانتشرت واكتسحت اللغات القديمة ثم تولت القبائل الصهامية التي انسخلت عن لغتها القديمة تعميم العامية العربية الحسانية ونشرها وتطويرها ولعلها بذلك بذلت من الجهد وأنجزت ما لم ينجزه بنو حسان أنفسهم.
لقد اعتنق أهل الصحراء الإسلام وتحدثوا اللغة العربية أصيلهم ودخيلهم. واحتلوا مواقع السلم الاجتماعي على أساس تمثلهم لروح الإسلام وتجسيدهم لروح البطولة العربية ما قبل الإسلام دون أن يكون للسلالة دور كبير في بلورة البيئة الاجتماعية السكانية، لقد انقسـم المجتمع الشنقيطي إلى ثلاث فئات:
1-العرب أو بنو حسان: وهم حملة السلاح "أصحاب الشوكة"
2-الزّوايا: وهم أصحاب العلم وعليهم تقع مسؤولية تعليم الناس وحل مشاكلهم الدينية اليومية وإصدار الفتاوى الشرعية كتقسيم التركة (الإرث)...
3-الفئة الثالثة: تمثل قاعدة الهرم الاجتماعي وتضم المجموعات التي لا تفهم بالسيف أو القلم.
لقد كان الرباط الذي أسسه الفقيه عبد الله بن ياسين منطلقا لدولة المرابطين التي نشرت الإسلام ودرست قواعده النفسية فتعلق به أهل الصحراء صادقين إلا أن اختفاء المرابطين ترك فراغا سياسيا ودينيا. حاول بنو حسان والزّوايا أن يسدوه كل من جانبه فشكلوا قيادة ثنائية للمجتمع الشنقيطي. مارس الزّوايا القيادة الروحية والعلمية وإدارة الشؤون الاقتصادية فيما مارس بنو حسان القيادة العسكرية وكرس المجتمع هذه القيادة المزدوجة بتمجيد شأن العلم والسلاح معا واعتبروهما، رمز المجد والكرامة.
التعليم ونظام المحضرة
قامت الحركة العلمية العربية في ظل الإسلام على التلقي من أفواه الرجال مستندة على أساس صلب من الأخلاقيات التي تربى الناس عليها منذ أيام الوحي كطلب العلم من أهله والإخلاص في الصدق والرواية التي أصبحت أساس الحركة العلمية العربية خاصة أن وسائل التدوين كانت قليلة ونادرة ، فكان الطالب يتلقى العلم من شيخه، وبلغ اهتمام المجتمع بهذه الوظيفة أن البدو الرحل كانوا يصطحبون معهم شيخهم ليتولى شؤونهم الدينية والثقافية وكانوا بالمقابل يتفقون عليه وعلى أسرته بما يكفل له حياة مستقرة .
كان الطلبة في المجتمع الشنقيطي يأتون إلى شيوخ العلم يحضرون دروسهم أو محاضراتهم ويعتقد البعض أنه من حضور الطلاب للدرس جاءت كلمة "محضرة" ويعرفها الأستاذ الخليل النحوي بأنها جامعة شعبية يدوية مستقلة تلقينية مزدية التعليم وطوعية الممارسة .
فهي من مؤسسات التربية العربية الإسلامية الأصيلة تحمل بعض سمات وخصائص النظام التربوي الذي نشأ وازدهر في أحضان مدن الثغور وحواضر الخلاقة، لكنها تتميز بسمات خاصة حيث يصبح (شيخ المحضرة) بمثابة رئيس جامعة أو عميد كلية له أساتذة ومعاونو ن يعملون تحت إمرته دون أن ينقص ذلك من علمه .
لقد كانت المحضرة في الغالب مؤسسة بدوية تربوية ، لكن أثر الحواضر الثقافية في تأسيسها وتنفيذها كان واضحا، ولعل الرباط الذي أقامه عبد الله بن ياسين 437هـ/1039م كان المحضرة الأولى في بلاد شنقيط ، فقد انتظمت حركة المرابطين في جزيرة (تيدره) بالمحيط الأطلسي وعندما وصل عددهم إلى 4000 رجل توجهوا إلى المغرب عندما كان يقيم فيها صالح بن طريف وبنوا مدينة مراكش الحالية وهناك تشكلت الجيوش الإسلامية بقيادة طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين. واجتازوا إلى بر الأندلس وقاتلوا الإسبان بقيادة "لادفنوش" وهزموهم.
تختلف المحضرة عن نظام الكتاب في أنها لا يصل إليها الطالب إلا وقد حفظ القرآن الكريم أو أجزاء منه ويأتي ليتعلم فيها بقية أنواع العلوم كالعقيدة والفقه والتفسير وعلوم اللغة العربية والتاريخ وعلوم الحساب والفلك وحتى الطب .
وكان لطلبة المحضرة منهاج دراسي مصطلح عليه يسعون لاستيعابه دون أن يلزموا أنفسهم بترتيب دقيق . وقد يتناول درس المحضرة جميع معارف ذلك العصر ، وانصرفت بعض المحاضر إلى جانب واحد من هذه المعارف تكرس له جهدها في محاولة لتشجيع رغبة الطالب في تعلم جميع فنون العصر ومعارف البيئة .
مدرسة الحياة الشنقطية:
ليس من تقاليد شيوخ المحاضر أن يحجزوا وقتا خاصا لطالب معين أو لدراسة مادة معينة، بل يجلسون لتدريس الطلبة حسب ترتيب حضورهم أو أي ترتيب اختياري آخر ، كما أنه ليس للمحضرة موسم دراسي محدد بل الزمن كله وقت دراسة باستثناء العطل الرسمية المعهودة إضافة إلى عطلة أسبوعية.
كان من العادات المتبعة في المجتمع الشنقيطي أن ينادي في المسجد فيتسابق الحاضرون لمساعدة طالب العلم في الحياة المعيشية وغالبا ما ينفق شيخ المحضرة من ثروته الخاصة لإعالة طلبة العلم دون أن يطلب جزاء، وكانت النساء يقمعن بالعناية بملابسهم ومنهن من كن معلمات وعالمات يقمعن بالتدريس في المراحل العمرية الأولى للطلاب ويحفظن القرآن الكريم والفقه المالكي ويقرضن الشعر.
ويمكن القول أن نظام تعليم المحضرة كان ذا توجه تربوي معاصر يمكن الفرد من مواجهة الحياة حيث كان يتعلم كيف يعيش مع الآخرين ويتلقى الدروس في تدبير أمور الحياة، فقد كانت دعائم المحضرة تقوم على الاكتفاء والعمل الدوري التعاوني من خلال تسيير الطلاب للشؤون الحياتية اليومية .
فالمحضرة عبارة عن خلية عمل تربوي أدواتها لوح وقلم من الخشب مع مدار أسود أو أحمر ، أما الورق فكان نادرا في هذا الوضع يتحول طلب العلم إلى رياضة متصلة تربي الطالب على التحمل، فهي مدرسة للحياة والعلم معا . وفي هذه البيئة كان يعيش هؤلاء الناس لقد خلقهم التاريخ ولكنهم يحلمون بخلق التاريخ .
بلاد المليون شاعر:
لعب الشعر دورا هاما في الحياة الاجتماعية والسياسية والدعوة إلى حماية هوية البلاد الثقافية . ففي رحاب المحضرة نبت الشعر وتقبله الناس وتعاطوه حفظا ونظما في مساجلاتهم وسمرهم حتى قيل عن بلاد شنقيط أنها "بلاد المليون شاعر" ولم يتردد الذين اطلعوا على الأدب الشنقيطي في التسليم بأن الشعر كان أسبق إلى الظهور من الأغراض الدينية ، يقول د. عبد اللطيف الدليشي أن من الشناقطة شعراء فحولا لا يقلون مستوى عن أمثال المتنبي والبحتري وشوقي والرصافي" . وهناك دلائل على أن هذه البلاد شهدت نهضة ثقافية وأدبية كبيرة خاصة في القرن 13هـ ، فقد كان القوم أهل ذوق في الأدب يكثرون حفظ ذخائره والقصيدة عندهم ذات إيقاع موسيقي جميل، وربما اتخذ الشاعر من شاعرية قومه وفصاحتهم البلاغية شاهدا على عروبتهم مدللا بسليقته الشعرية وبأنه مطبوع على الفصاحة وإن لم يتعلم النحو ، ويعجب د. الدليشي لكثرة ما يجد الباحث من الأعداد المتزايدة من هؤلاء الشعراء الفحول المحيدين العريقين في الجزالة اللغوية والصور الشعرية الجميلة الرائعة المبتكرة في شتى الأغراض .
ويعتبر كتاب "الوسيط في تراجم أدباء شنقيط" أول مرجع مطبوع عن أدب بلاد شنقيط ، وقد ألفه محمد بن الأمين الشنقيطي بطلب من محمد الخانجي صاحب مكتبة الخانجي في مصر وطبع سنة 1911م/1329هـ ، يقول المؤلف في مقدمة الطبعة الأولى:"ولما لم يتقدمني في هذا من أستمد منه ولم يكن في هذه البلاد -مصر- من يمد إليّ يد المساعدة كنت حريا بالمعذرة ممن تطمح نفسه إلى أكثر مما جمعت ، وسأرتبه على أشعار القبائل، كل قبيلة في موضعها على حسب فكري ، وسأذيله بفصول عديدة يعترف الناظر إليها بأنها مفيدة تتضمن تاريخ مدة تلك البلاد وحدودها وحروبها وأصناف من يسكنها إلى غير ذلك من عاداتهم وأخلاقهم وما يتعلق بهم .
وفي مقدمة الطبعتين الثانية والثالثة أثنى السيد فؤاد سير أمين المخطوطات بدار الكتب المصرية على الكتاب وصاحبه ، ووضع له ترجمة قال فيها : " ولد محمد بن الأمين الشنقيطي 1289هـ على الأرجح ، نشأ في بلاد شنقيط وتلقى العلم فيها على يد شيوخها ، ثم قام برحلة إلى أنحاء بلاده ، درس فيها حالتها الاجتماعية وتعرف مواطنها والتقى بعلمائها وأدبائها وجمع فيها أكثر مادة كتابه هذا جمعا دقيقا ممتعا . وفي سنة 1315هـ بدأت رحلته إلى المشرق ، فأدى فريضة الحج 1317هـ والتقى هناك بعلماء مكة والمدينة ، فأخذ عنهم واستفاد منهم ثم خرج إلى بلاد الروسيا وخاصة المواطن الإسلامية فيها ، وانتقل بعد ذلك إلى تركيا فدخل الأناضول والأستانة وأزمير وزار معاهدها العلمية ومكتباتها النفسية . وعاد من هناك 1319هـ قاصدا سوريا واجتمع ببعض أفاضلها وعلمائها " . ويرجح فؤاد أن يكون الشنقيطي دخل القاهرة 1320هـ لأنه طبع بها كتابا بنفس السنة ، واستقر في القاهرة منذ ذلك التاريخ متصلا بالأوساط العلمية فيها ومنكبا على العرض والتصنيف والتحقيق، وقد أهداه المويلحي كتابه "حديث عيسى بن هشام " تقديرا لجهوده في إحياء التراث والإسهام في النهضة العربية الحديثة ، وقد ترك 14 كتابا بين الشرح والتأليف: في الشعر والأصول الفقهية والتعاليم الصوفية وفصول وأصول اللغة إضافة إلى عيون الأدب العربي . لقد تضمن كتاب الوسيط مقتطفات 82 شاعرا من أبرز شعراء البلاد خلال قرنين من الزمن وأورد لهم 4500 بيتا شعريا ثم أورد الدكتور محمد المختار بن أباه نحو 6000 بيتا لم ترد في الوسيط موزعة بين 94 شاعرا منهم 53 لم يذكرهم كتاب الوسيط .
إن آثار النهضة الثقافية والأدبية التي شهدتها هذه البلاد حطمت التصنيف التقليدي لعهود الانحطاط في الأدب العربي . يقول طه الحاجري: "إن الصورة التي أتيح لنا أن نراها لشنقيط خلال قرنين جديرة أن تعدل الحكم الذي اتفق مؤرخو الأدب العربي على اطلاقه8 على الأدب العربي عامة . في هذه الفترة التي يغطيها كتاب الوسيط... فهو في جملته بعيد عن التهافت والفسولة.
وقد تبنى الدكتور جمال ولد الحسن في رسالة جامعية من تونس هذه النظرية مذكرا بمعطيات تاريخية دقيقة ومقدما وصفا لأساليب الشعر الشنقيطي في القرن 13هـ متجاوزا بذلك مرحلة التدوين والتوثيق ومؤكدا أن الأحكام المتداولة في تاريخ الأدب العربي قائمة على تدوين ناقص ينطلق من المركز ويتجاهل الأطراف.
إن هذا الأدب يظلمه أبناءه إذا لم يجدوا في التعريف به ويظلمه العرب إذا أعرضوا عن التعرف عليه، إلا أنه كلما كانت الثقافة غير مدونة اقتربت من الفلكلورية وبعدت عن سرعة التطور والتجديد.
أعلام من شنقيط
يقول د. عبد اللطيف الخالدي "إن من الشناقطة علماء لا تغالي إذا قلنا عنهم أنهم لا يقلون أهمية عن أمثال "جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وأبي الثناء الألوسي وعثمان بن سند وأضرابهم" .
كان من هذه البلاد علماء رفعوا اسمها في الديار العربية والإسلامية فكان لهم حضور كبير في بلاد المغرب والسودان وبلاد الشام وتركيا والعراق والهند واليمن.... وكان حضورهم البارز في نجد والحجاز حيث كانوا يأتون بكثرة لأداء فريضة الحج .
وقد تحدث بعض أعلام الفكر العربي بإعجاب عن هؤلاء الشناقطة ، ففي بلاد المغرب العربي ونجد محمد يحيى الولاتي ومحمد بحطيه بن عبد القادر في تونس ، ويقول المؤرخ الليبي المعروف علي المصراتي أنه أخذ العلم في بداية حياته عن العلماء الشناقطة أبناء مايابي، وكان الأعمش الجكني صاحب محضرة كبيرة في تندوف جنوب الجزائر وكانت لبلاد شنقيط سفارة قديمة في البلاط الملكي في المغرب وكان الشاعر الكبير سيدي عبد الله بن محمد بن القاضي العلوي على صلة وثيقة بالمولى إسماعيل سلطان المغرب وابنه محمد العالم الذي كان حاكما على السوس أما الشعراء ابن رازكه وعبد القادر بن محمد سالم وأحمد ابن محمد كانت لهم مساجلات شعرية مع علماء فاس إضافة إلى جهاد لشيخ ماء العينين في إقليم الصحراء الغربية .
ـ محمد محمود ابن التلاميد : تجول في عدد من البلدان وأدى فريضة الحج وبهر الناس بسعة علمه وقوة حافظته وجرأته وتوطدت علاقته بملك الأردن عندما كان أميرا على الحجاز ولكنه لم يوفق في مراعاة خواطر الكثيرين فانتقد على علماء المدينة ودخل في جدل مع علماء مصر حول مسائل عديدة فتمت مضايقته مرارا وكانت علاقته وطيدة بالشيخ محمد عبده ومحمد رشيد رضا ، ووصفه الزركلي في "الأعلام" بأنه (علامة عصره في اللغة والأدب) واستعرض الدكتور أحمد حسن الزيات شيئا من تاريخه ومعاركه وبعض أعماله الجليلة وذكر أنه نشر المخصص وحرر القاموس ....
وتقديرا لمكانته كلفه السلطان العثماني عبد الحميد بالسفر إلى إسبانيا لوضع فهرس للمخطوطات العربية وأعطاه سفينة خاصة يرافقه أحد العلماء التونسيين وعندما أنجز مهمته رفض تسليم القائمة للسلطان لسوء تفاهم حدث بينهما .
ولا تزال نسخة من هذه المخطوطة في المكتبة الوطنية التونسية وكان الملك أوسكار ملك السويد والنرويج قد طلب من السلطان أن يوفد إليه الشيخ الشنقيطي ليحدثه عن أيام العرب وأشعارهم.
ـمحمد أمين فال الخير الشنقيطي: توطدت علاقته بالمصلح البحريني الشيخ عبد الوهاب الزّياني وبأمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح، واحتفل به النادي العربي بالكويت عدة مرات وفي محافظة البصرة ، أقام في قرية "الزبير"و أسس بها (جمعية النجاة ومدرستها) وشارك في معركة الشعيية ضد الإنكليز وقد خصصت له العراق أول كتاب مطبوع في سلسلة "أعلام البصرة" .
ـمحمد محمود التندغي : شهد له العلماء العراقيون أنه كان آية في الحفظ والحديث ومعرفة رجاله ، انتقل إلى الأردن ودفن في عمان ، وقد قلد الملك ابنه محمدا عدة مناصب كقاضي القضاة ووزيرا للعدل ثم عينه الملك حسين سفيرا .
ـمحمد الأمين بن المختار الشنقيطي الملقب ابن اخطور: صاحب" كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" . وقد جمع الأستاذ الخليل النحوي كتابه بلاد شنقيط المنارة والرباط أسماء أكثر من 12 علامة من الأعلام الشناقطة في مصر أشهرهم :
ـالعلامة سيدي عبد الله بن الحاج ابن إبراهيم الذي مر عائدا من الحج فأكرمه الأمير محمد علي وأهداه فرسا إلا أنه باعها ليشتري كتاب "شرح الحطاب علي خليل" ثم واصل رحلته وجاهد في المغرب ضد البرتغاليين وأكرمه السلطان سيدي محمد.
ـمحمد حبيب الله بن مايابي : كان أستاذا ومدرسا بالأزهر الشريف وترك 34 مؤلفا أبرزها كتاب "زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم" .
لقد تحدث عميد العربي د. طه حسين عن الشيخ الشنقيطي دون أن يذكر عالما بعينه فقال في الأيام"كان أولئك الطلبة يتحدثون بأنهم لا يروا قط قريبا للشيخ الشنقيطي في حفظ اللغة ورواية الحديث سندا ومتنا عن ظهر قلب (...) وكانوا يذكرون أن له مكتبة غنية بالمخطوط والمطبوع في مصر وأوربا وأنه لا يقنع بهذه المكتبة وإنما ينفق أكثر وقته في دار الكتب قارئا أو ناسخا " .
ويقول الأمين العام الأسبق لمنظمة الاليكسو د. يحيى الدين صابر "كانت صورة الشناقطة وما تزال في البلاد العربية أنهم الممثلون للثقافة العربية الإسلامية في نقائها وأصالتها، وأنهم سندتها في قاصية ديار الإسلام، المرابطون في ثغورها حفاظا عليها ونشرا لها وإشعاعا بها ".
علم وتجارة ومعرفة :
كان سكان الصحراء بحكم طبيعتهم البدوية يقطعون المسافات الطويلة دون مشقة ومع استخدام الجمال العربية ذات السنام الواحد "سفينة الصحراء" حدثت ثورة في وسائل النقل عبر الصحراء . حيث لم تعد الرمال حواجز عازلة، ونشطت حركة القوافل منذ القرن الثاني الهجري مستفيدة من الآبار التي حفرها العرب الفاتحون مثل عبد الرحمن بن حبيب أو حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع، وتعددت مسالك التجارة عبر الصحراء فكانت القوافل تنقل الذهب والذرة البيضاء من الجنوب إلى الشمال وتنقل الملح والمصنوعات النحاسية والحلي وأدوات الزينة والعطور والقمح والزيت والمنسوجات من الشمال إلى الجنوب وارتبطت الصحراء تجاريا بالأندلس بدليل وجود الصمغ العربي الذي جلب إليها من بلاد شنقيط .
وقد كانت القوافل تنتقل بين مراكز الإشعاع العلمي والثقافي البارزة وكان يسير في هذه القوافل رجال علم ودين وكانت المدن القديمة تستعين بوظائفها التجارية على وظائفها الثقافية وانطبعت الأغراض الدينية والثقافية بالرحلات والأسفار نحو الشمال قابلتها حركة الهجرة البشرية نحو الجنوب فكانت رافدا للحياة الثقافية وقد وطدت تجارة الصحراء للنهضة الثقافية في بلاد شنقيط حتى إذا هيمنت تجارة المحيطات استطاعت البلاد أن تحافظ على دورها الثقافي متحررة من أعباء التجارة في مبادلاتها مع الشمال .
لقد اقترنت الرحلات بالعلم وأصبحت مصدر شهرة أبرز حواضر الخلافة وكان الحجاج يعودون ومعهم الكتب بعد أن شهدوا منافع لهم وساهم ذلك في نقل المعارف عن طريق المراسلات والتواصل الحضاري بين المسافرين من مختلف الشعوب والأمم .
فقد ساهم العلماء الشناقطة في نشر العلم والمعرفة في أعماق أفريقيا ونسجوا وشائج معرفية وعلمية وقرابات نسب مع سكانها فولدت ذرية بعضها من بعض فكانوا بمثابة الجنود المجهولين الذين واصلوا حركة الفتح ونشر الإسلام هناك .
يقول أمادوديا : "لم يدخل الإسلام غرب أفريقيا عن طريق الغزو الإمبريالي ولا عن طريق شواطئ النيل وإنما دخل عن طريق الصحراء..." .
ويؤكد أغلب المؤرخين أنه بجهود هؤلاء الشناقطة تغلغلت الثقافة العربية في أفريقيا وكانت اللغة العربية مستعملة في التجارة التي كانت بأيدي العرب .
ولقد انطبعت ثقافات أفريقيا الغربية بطابع لغة وعلوم العرب منذ القرن الرابع الهجري، إلا أن المد الثقافي العربي الإسلامي لم يتسع إلا في القرون الأخيرة حيث كان للعرب في عاصمة غانا القديمة 12 مسجدا ألحقت بكل مسجد مدرسة لتعليم اللغة العربية والفقه الإسلامي وكان الشناقطة يتخذون التجارة وسيلة للكسب الحلال وأداة لتيسير سبل الدعوة فكان حضورهم وتأثيرهم يقوى ويتنامى والإسلام يزداد بهم انتشارا جيلا بعد جيل ومنطقة وراء أخرى وكانوا بانتشار الإسلام يزدادون قوة ونفوذا وتأثير وكثافة حضور .
كانت شنقيط علما على بلاد كبيرة في مرحلة ازدهار ثقافي وارتبطت النسبة إليها بالنسبة إلى العلم والمعرفة إلا أننا نرى اليوم وشائج اللغات الأفريقية تتقطع عن الدين الإسلامي تحت ذرائع مختلفة، وترعى اليونسكو وكالة التعاون الثقافي والتقني للدول الناطقة بالفرنسية عدة تجارب لكتابة بعض اللغات الأفريقية بالحرف اللاتيني .
وعندما جاء الاستعمار الفرنسي بداية القرن العشرين صمم خريطة البلاد بهدف عزلها عن محيطها العربي والإسلامي فقطع أطرافها وحول مسالك التجارة من الشمال إلى الجنوب وحشرت بلاد شنقيط في منطقة أفريقيا الغربية الفرنسية .
شنقيط والتراث الضائع :
لقد قاوم الشناقطة مخططات المسخ والاستيلاب الثقافي إلا أن الاستعمار الفرنسي استطاع إضعاف المناعة الحضارية للمجتمع فقام بفرض حصار ثقافي عززه بزرع المدرسة الاستعمارية ووضعها في مواجهة حادة مع المحضرة التي كانت سبب ازدهار حركة التأليف في القرن 13 هـ.
وكما يصعب التأليف تصعب أيضا صيانة الكتب وحفظها والناس اليوم في بلاد شنقيط يأسفون على تراث أجدادهم الضائع وهناك عدة عوامل أتلفت مخطوطات أسلافهم كالترحال والأمطار والحروب...
وحين دخل الاستعمار جمع الكثير من هذه المخطوطات ولا يزال بعضها موجودا في المكتبات الفرنسية ومنذ سنوات بدأت عدة هيئات تعنى ما بقي من التراث الشنقيطي. فتم تأسيس معهد مكلف بحفظ وحصر المخطوطات وفي أول عمل قام المعهد بحصر
3200 كتاب مخطوطا
2239 ميكرو فيلم
500 ملف للشعر
300 ملف أخرى.
وكانت اليونسكو بالتعاون مع المعهد الوطني للبحث العلمي قد عقدت ندوة حول المخطوطات عام 1977 في نواكشوط تأكد المشاركون فيها ممن الثروة الثقافية المطمورة في هذه البلاد وقدمت قطر وليبيا بعض المساعدات في عمل المعهد واعتنت ألمانيا ميدانيا بتصوير هذه المخطوطات فأفادت الباحثين في بعض مكتباتها وفي المعهد كذلك، إلا أن أهم ما تم إنجازه في ميدان الفهرسة حتى عام 1987 كان دليل المؤلفين الشناقطة الذي وضعه المختار بن حامد والخبير الدولي (هيموفسكي) وهناك جهود جبارة قام بها الأستاذ الخليل النحوي منها كتابه "مئات المؤلفين وآلاف المؤلفات في مجاهل التاريخ".
ورغم كل الجهود الرسمية والفردية إلا أن حصيلة الفهرسة والحصر والاقتناء مازالت ضيقة وقاصرة.
وفي الأخير فإن الكثيرين يعتقدون أنه إذا كانت موريتانيا الحالية قد قامت على بعض أركان هذه البلاد فإنها قامت على الركن المتصدع من أركان بلاد شنقيط.
:icon_mn::icon_mn:
الموضوع الاصلي
من روعة الكون