بسم الله الرحمن الرحيم
:: إن لبثتم إلا عشرا ::
بقلم : بسّام جرار
جاء في الآية 52 من سورة الإسراء:"يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنّون إن لبثتم إلا قليلاً "، وجاء في الآية 112 و 113 من سورة المؤمنون:" قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم..."، وجاء في الآية 45 من سورة يونس:"ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم". هذه الآيات وغيرها تكشف عن حقيقة الشعور الإنساني يوم القيامة بسرعة انقضاء الحياة الدنيا، وسرعة مضي عالم البرزخ، فالذاكرة البشرية يومها تكون مشغولة بما هو أهم وبما هو أخطر، ثم إنّ مدّة الدنيا وعالم البرزخ في قانون الآخرة لا تزيد عن وحدة صغيرة من الزمن، كيف لا، والنهائي لا يذكر في جانب اللانهائي!!
ثلاث آيات من سورة طه تطرح نسبيّة الزمن في الإدراك البشري، ليس فيما يتعلّق باللبث الدنيوي، ولا فيما يتعلّق بمدّة عالم البرزخ، بل تتعلّق بيوم الحشر الذي لا ندري كم يستمر، وإن كانت الأحاديث الشريفة تنص على طول ذلك الموقف، ولكنه في النهاية ينقضي ليكون الخلود الذي لا يتناهى، وعلى وجه الخصوص في عالم السعادة.
جاء في الآيات(102 ،103 ،104) من سورة طه:" يوم يُنفخ في الصّور ونَحْشُر المجرمين إلى جهنم زُرقا، يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشراً، نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقةً إن لبثتم إلا يوما". تتحدث الآيات الكريمة عن حشر المجرمين وما فيه من ضيق ومعاناة إلى درجة أن تَزرقّ الجلود، وهذا، في حدود علمنا، ينتج عن نقص الأكسجين، ويزيد ذلك في معاناة المحشورين. وعند بعض أهل الاختصاص ينتج ذلك عن الخوف الشديد في المواقف التي ينعدم فيها الأمل في النجاة، مما يجعل الدم يندفع باتجاه الجهاز الهضمي بدلاً من أن يندفع إلى الجلد والعضلات. مثل هذا الواقع المضني يجعل الإنسان حساساً تجاه الأصوات والكلام، لذا فهم:"يتخافتون بينهم"، فكل واحد منهم يطلب من الآخر أن يغضض من صوته. وعلى الرغم من ذلك فإنّ هناك قضية في غاية الأهمية تجعلهم يتساءلون بينهم بأصوات خافتة؛ فطول الموقف ورهبته وشدّته تجعلهم يتساءلون عن طول أمد موقفهم، وكم مضى من الوقت على معاناتهم. وهنا يتّضح أنّ أقوالهم متضاربة، ومتفاوتة تفاوتاً كبيراً، عندها يتدخل البعض، ليحسموا المسألة بظنّهم، فيقولون:"إن لبثتم إلا عشراً"، فلم تزد المدّة عندهم عن هذا الحد. وإذا كان الحديث يتعلّق هنا بمفهوم النسبيّة، نتيجة التفاوت في الشعور البشري، فإنّ معرفة متعلّق العشر المذكورة لا يلزم.
إنّ الله تعالى هو الأعلم بأقوالهم هذه ومدى مطابقتها للواقع: "نحن أعلم بما يقولون": فهذه الأقوال كلها مجافية للواقع، ولكن أقلهم إجراماً، وبالتالي أمثلهم طريقةً وسلوكاً في عالم الحياة الدنيا، يذهب إلى أنّ لبثهم لم يتجاوز مقدار اليوم، يقول:"إن لبثتم إلا يوماً". وبذلك يتبين لنا سر اختلافهم في تقدير زمن لبثهم؛ فقد ظهر أنّ إحساس النّاس بالوقت يوم الحشر يتفاوت بتفاوت أعمالهم في الدنيا، وبمدى صلاحهم أو فسادهم. وهذا يعني أنّ هول الموقف يتعلق بمدى صلاح الإنسان، أي أنّ هناك تناسباً عكسياً بين الصلاح والشعور بهول الموقف ومداه. على ضوء ذلك يمكن أن نفهم بشكل أفضل الأحاديث الشريفة التي تتحدّث عن أهوال الموقف يوم القيامة.
الموضوع الاصلي
من روعة الكون