--------------------------------------------------------------------------------
روى الإمام ابن ماجة بسند حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل من الأنصار فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا رسول الله! أي المؤمنين أفضل؟ قال أحسنهم خلقا. قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم لما بعده استعدادا، أولئك الأكياس.
الأخلاق جمع خلق ومعناه في اللغة: اسم لسجية الإنسان وطبيعته التي خلق عليها.
وفي الاصطلاح: "هيئة راسخة في النفس، تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر، من غير حاجة إلى فكر وروية""قاله الغزالي"
فالكرم مثلا خلق راسخ في نفس الكريم، فإذا رأى فقيرا أو أتاه سائل حمله الكرم على أن يخرج من جيبه فيعطيه من غير تفكير وطول تأمل.
تعود بسط الكف حتى لو انه...... طواه لقبض لم تجبه أنامله
تراه إذا ما جئته متهللا...... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
ولو لم يكن في كفه غير روحه...... لجاد بها فليتق الله سائله.
الأخلاق الجبلية والأخلاق المكتسبة
والأخلاق قسمان: جبلية، ومكتسبة.
فالأخلاق الجبلية: هي التي فطر الله صاحبها عليها وجعلها طبعا فيه من غير عمل منه فهو كريم بطبعه، حيي بطبعه، متسامح،..، إلخ.
ودليل ذلك حديث أشج عبد القيس، فعن أم أبان بنت الوازع بن زارع عن جدها زارع "وكان في وفد عبد القيس" قال: لما قدمنا المدينة فجعلنا نبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله، قال وانتظر المنذر الأشج حتى أتى عيبته، فلبس ثوبيه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له صلى الله عليه وسلم: "إن فيك خلتين يحبهما الله: الحلم والأناة "، فقال يا رسول الله: أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: بل الله جبلك عليهما. فقال الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله.
الأخلاق المكتسبة
قال ابن القيم رحمه الله: "من الخلق ما هو طبيعة وجبلة وما هو مكتسب".
ثم بيَّن ابن القيم أن الخلق المكتسب هو الذي يتعوده صاحبه بالتخلق والتكلف من البداية حتى يصير سجية وملكة.
ويستدل على ذلك بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "إن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده فقال: ما يكون من عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر"
والأخلاق من حيث تعلقها تنقسم قسمين أيضا: حسن خلق مع الله تعالى..وحسن خلق مع عباده.
فحسن الخلق مع الله أن تعلم أن كل ما يكون منه يوجب شكرا، وكل ما يأتي منك يوجب عذرا، فأنت تعيش بين الشكر والاعتذار، مشاهدا منته مطالعا عيب نفسك.
وحسن الخلق مع الناس جماعه أمران: بذل المعروف قولا وفعلا، وكف الأذى قولا وفعلا.
والقرآن الكريم يجمع بين هذين الحقين في كثير من آياته، ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) (الفرقان:68)، وقوله: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة:177)، وقوله كذلك: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) (النساء:36)
وكذلك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر يوصيه: [اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخلق الناس بخلق حسن](صحيح الترغيب والترهيب).. قال ابن رجب: "فهذه وصية جامعة لحقوق الله وحقوق عباده"
ورغم أن حسن معاشرة الناس داخلة في تقوى الله جملة إلا أنه أكد عليها بذكرها؛ لأن البعض يظن أن التقوى هي أداء الفرائض الخمس والقيام بحق الله دون حقوق عباده..وهذا الانفصام موجود.. فكثيرا ما نرى من يقوم بحق الله ظاهرا ولكنه قاطع لرحمه، آكل لأموال الناس بالباطل، يأخذ إرث البنات، ظالم للعباد، مسيء إليهم، فنبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
"والجمع بين حقوق الله وحقوق عباده عزيز جدا لا يستطيعه إلا الكُمَّلُ من الأنبياء والصديقين وأفراد المؤمنين".. كما قال ابن رجب رحمه الله تعالى.
مكارم الأخلاق ضرورة لكل المجتمعات:
وقد دل الحس والعقل والواقع وتاريخ الأمم أن مكارم الأخلاق ضرورة لكل المجتمعات، فلا يقوم مجتمع إلا على الأخلاق، وإذا ذهبت أخلاقيات الناس ضاقت بهم المعايش، ولك أن تتخيل مجتمعا رفع من بين أهله الصدق والأمانة وصارت معيشتهم جميعا على الكذب والخيانة كيف يقر لأهله قرار أو يصلح لهم عيش.
وقد دلت التجارب التاريخية على أن انهيار كل الحضارات كان سببه ارتفاع الأخلاق الكريمة من بينهم، وقد صدق من قال:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
الإسلام والأخلاق:
ومن هنا كانت عناية الإسلام وهو الدين الخاتم بالأخلاق لأنه يراد له البقاء، حتى كانت الأخلاق هي الدين والدين هو الخلق، ولذلك لم يكن غريبا أن يفسر ابن عباس قول الله تعالى لنبيه: (وإنك لعلى خلق عظيم) بقوله: وإنك لعلى دين عظيم هو الإسلام.
وليس هذا مستغربا فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الغاية من بعثته تتميم محاسن الأخلاق فقال: [إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق].(رواه ابن عبد البر في التمهيد وهو صحيح). وقال تعالى في بيان مقاصد بعثته لنبيه: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2) قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "يطهرهم من رذائل الأخلاق، ودنس النفوس، وأفعال الجاهلية".
وجاءت الأحاديث تدلل على أن أحسن المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا:
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن من خياركم أحسنكم أخلاقا]. متفق عليه.
وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: تقوى الله وحسن الخلق".
وفيه أيضا عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذيء]
وروى أبو أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه" (رواه المنذري بسند حسن).. فانظر كيف جعل أعلى بيوت الجنة لمن حسنت أخلاقهم.
الموضوع الاصلي
من روعة الكون