جيران في العمارة
التقيت بصديقي في باب العمارة التي توجد بها شقته، وكان عابساً على غير عادته. فبادرته قائلاً:
- ماذا حدث؟ أجابني وهو يشير إلى مصباح كهربائي مثبت في الحائط:
- هل تتصور أنني الوحيد من بين السكان الذي يهتم بإنارة العمارة وتنظيفها؟
- والسكان؟ فأرسل ضحكة ساخرة، ثم تابع قائلاً:
- السكان...! أي سكان؟ هؤلاء السكان لا يهمّهم شيء، فهم يلتقون في الصباح والظهر وفي المساء دون تبادل التحيات والسلام، كأنهم غرباء في هذه البناية الواحدة...
- وعلاقات الجوار والمحبة و... و...
- هذا هو الواقع المرّ ياأخي. لقد أصبح مجتمعنا يفتقر إلى مثل هذه العلاقات بسبب مركّب النقص الذي سكن أفئدتنا. أما ما قلته عن المحبة والتآخي والتعارف بين الجيران، فكل هذه الأشياء النبيلة حل محلها التنافر والتباعد وتقوقع كل واحد داخل بيته لا يهمه من مرض أو مات.
- لابد من محاولة منك لجمع شملهم وتوثيق الصلة فيما بينهم لما فيه مصلحتهم العامة؟
-لقد حاولت ذلك وفتحت لهم شقتي، وقدمت لهم اقتراحات من شأنها أن تجعل من هذه العمارة كما لو أنها دار تسكنها أسرة واحدة، فنهتم بنظافتها، واصلاح مصعدها، وإيجاد حارس يحرسها من اللصوص وهجوم السكّارى في الليل.
- هل وافقوا على اقتراحاتك؟
- لقد أخذوا ينظرون إليّ وكأن لي مصلحة في ذلك.
- ولكني أراك اليوم غاضباً وليس هذا من عادتك.
- نعم ولماذا لا أغضب، وأنا أعيش هذه الحالة المزرية في مجتمع أخشى أن يلحقه التفكك في علاقات أبنائه وأفراده بعضهم ببعض.
- وماذا يهمك أنت؟ اتركهم في ظلام دامس في العمارة بدل شرائك للمصابيح، واترك المصعد معطّلاً حتى لا يقوى المريض على الصعود، ودعهم ينعمون بشم الروائح الكريهة بدلاً من شرائك المواد المنظفة ذات الرائحة المعطرة. أنا لو كنت مكانك لفعلت هذا و أكثر.
ونظر إليّ في صمت، وفي تلك اللحظة دخل أحد السكان إلى العمارة دون أن يحيّي جاره. وهنا قال صاحبي:
- أرأيت وشاهدت بعينك؟ هؤلاء هم جيراني.
- نعم، ولكني نصحتك بما يجب عمله. وظهرت على محيّاه ابتسامة حزينة وأجاب:
- لا، حاشا لله، الله محبة ويجب على أن أعكس هذه المحبة مهما كان تصرفهم معي، فهم جيراني وأحبهم محبة فائقة وسأعمل كل ما فيه لخيرهم
مع تحيات دكتور رومنسي
لمراسلتي على adeljed@hotmail.com
الموضوع الاصلي
من روعة الكون