[فائدة في بيان معنى الرب والإله]
فائدة في بيان معنى الرب والإله
الله جل وعلا في القرآن ذكر الرب في مواضع ، وذكر الإله في مواضع ، خذ مثلا سورة الناس ، يقول سبحانه وتعالى : بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ فما الفرق بين رب الناس وإله الناس ؟ هل هما بمعنى واحد ؟ إذًا يكون الكلام مكررًا أو أنهما بمعنيين فلابد من معرفة الفرق بينهما ، وكثيرًا ما يأتي ذكر الرب كقوله تعالى : قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ . فتكرر لفظ الرب وتكرر لفظ الإله فما معنى كل منهما ؟ فالرب معناه المربي لخلقه بنعمه ومغذيهم برزقه تربية جسمية بالأرزاق والطعام ، وتربية قلبية روحية بالوحي والعلم النَّافع وإرسال الرسل .
ومن معاني الرب أنه المالك للسماوات والأرض فرب الشي مالكه والمتصرف فيه ، ومن معاني الرب المصلح الذي يصلح الأشياء ويدفع عنها ما يفسدها ، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يصلح هذا الكون وينظمه على مقتضى إرادته وحكمته سبحانه وتعالى . أما الإله فمعناه المعبود من أله يأله بمعنى عبد يُعبَد فإله معناه معبود وليس معناه الرب وإنما معناه المعبود والإلهية هي العبادة والوله هو الحب لأنه سبحانه وتعالى يحبه عباده المؤمنون ويخافونه ويرجونه ويتقربون إليه . هذا هو معنى الإله فتبين الفرق بين معنى الرب ومعنى الإله وأنهما ليسا بمعنى واحد ومن قال إنهما بمعنى واحد فقد غلط ، والعلماء يقولون إذا ذكرا جميعًا صار الرب له معنى والإله له معنى ، وإذا ذكر واحد دخل فيه معنى الرب أما إذا ذكرا جميعًا مثل ما في سورة الناس فإنه يكون للرب معنى وللإله معنى آخر كما في لفظ الفقير والمسكين إذا ذكرا جميعًا كما في قوله تعالى : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ صار للفقير معنى وللمسكين معنى ، فالفقير هو الذي لا يجد شيئًا وأما المسكين فهو الذي يجد بعض الكفاية فالمسكين أحسن حالا من الفقير ، ومثل لفظ الإسلام والإيمان إذا ذكر الإسلام والإيمان صار الإسلام معناه الأعمال الظاهرة والإيمان معناه الأعمال الباطنة كما في حديث جبريل : قال : أخبرني عن الإسلام . قال : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا فسّره بالأركان الظاهرة ، قال : أخبرني عن الإيمان . قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره [ رواه الإمام مسلم في صحيحه 1 / 36-38 ( 1 ) كتاب الأيمان ( 1 ) باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى وبيان الدليل على التبري ممن لا يؤمن بالقدر وإغلاظ القول معه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ] فسَّره بالأعمال الباطنة وهو إيمان القلب ، هذا إذا ذكرا جميعًا صار لكل واحد معنى وإذا ذكر أحدهما وحده دخل فيه الآخر .
ومن هنا نعرف الفرق أيضًا بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، فتوحيد الربوبية هو الإقرار بأن الله هو الخالق والرازق المحي المميت أي الاعتراف بأفعال الله سبحانه وتعالى ، وتوحيد الألوهية معناه إفراد الله بأعمال العباد التي يتقربون بها إليه مما شرع ، هذا معنى توحيد الألوهية فهناك فرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية .
وما دمنا قد عرفنا معنى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية نأتي إلى حالة المشركين الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنهم كانوا مقرِّين بالنَّوع الأول الذي هو توحيد الربوبية ولم يدخلهم في الإسلام ، بل اعتبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم كفارًا مشركين وقاتلهم وهم يقرون بتوحيد الربوبية ، فهم أقروا بتوحيد الربوبية وجحدوا توحيد الألوهية لما طلب منهم أن يفردوا الله بالعبادة ويتركوا عبادة الأصنام قالوا : أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ لأنه قال لهم قولوا لا إله إلا الله فهم فهموا معنى لا إله إلا الله وهو أنه لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له ، وهم لهم أصنام ولهم معبودات كثيرة لا يريدون تركها والاقتصار على عبادة الله وهذا لا يرضيهم ولذلك أنكروا وقالوا : أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا طلب منا أن نعبد الله وحده ونترك عبادة اللات والعزى ومناة وهبل وغيرها من الأصنام هذا شيء لا يعقل عندهم مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ ملة آبائهم فهذا احتجاج بما عليه آباؤهم ، الحجة الملعونة التي احتجت بها الأمم من قبل إذا دعوا إلى عبادة الله ، حتى فرعون يقول : فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى فهم لمَّا فهموا معنى لا إله إلا الله استغربوا هذا واستنكروه وتواصوا برفضه وفي الآية الأخرى يقول سبحانه فيهم : إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ .
وهذا يبين معنى لا إله إلا الله تمامًا ويوضحه ويقطع الجدال ، فإن فيه ردا على من غلط في معنى لا إله إلا الله ، فعلماء الكلام في مقرراتهم وعقائدهم يقولون لا إله إلا الله معناها لا خالق ولا رازق ولا قادر على الاختراع إلا الله هذا معنى الإله عندهم .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " والحاذق منهم من يقول : الإله هو القادر على الاختراع ، وهذا غلط وجهل كبير باللغة وبالشرع المطهر إذ معنى الإله المعبود الذي تأل القلوب وتخضع له وتتقرب إليه " فهم لم يفهموا معنى الإله ولذلك يقولون لا إله إلا الله ويكثرون ، ولهم أوراد في الليل والنهار يرددونها ومع هذا يعبدون القبور والأضرحة ويستغيثون بغير الله عز وجل ، فلم يفهموا معنى لا إله إلا الله وأنها تطلب منهم ترك عبادة القبور والأضرحة وعبادة ما سوى الله من الأصنام والأشجار والأحجار فإذا قالوها لزمهم ترك عبادة الأوثان ، أما هؤلاء فقالوها وعبدوا غير الله ، فالأولون أحذق منهم ولهذا يقول الشيخ : لا خير في رجل جهَّالُ المشركين أعلمُ منه بمعنى لا إله إلا الله .
الموضوع الاصلي
من روعة الكون