السلام عليكم
أوكسانا ميليا فتاة من أوكرانيا ولدت لعائلة مزدحمة ووالدين يعاقران الخمرة . وبسبب ضيق الحال - وضيق الصدر أيضا - تركتها أمها في حظيرة للكلاب خلف المنزل لعلها تموت من الجوع و البرد .. غير أن الكلاب كانت أحن من قلب الأم فأرضعت الطفلة وأطعمتها وعاملتها كجرو صغير . وشيئا فشيئا اشتد عودها وغدت تأكل اللحم معها وتسير على قوائمها الأربع - كما تعلمت التفاهم معها عبر النباح..
وحين اكتشفتها السلطات الأوكرانية كانت قد تجاوزت سن الثامنة بدون أن تتعلم النطق أو الوقوف على قدميها .. وحتى بعد ستة أشهر من نقلها للحضانة كانت تتصرف كالكلاب - حيث ترفض الملابس وتنام تحت السرير وتشم الطعام قبل أكله وتتناوله بإدخال فمها بالطبق !!!
... وحالة أوكسانا مجرد نموذج لحالات كثيرة (تكررت في كل زمان ومكان) يعيش فيها الطفل منذ ولادته في عزلة بين الحيوانات البرية . وهذه الحيوانات قد تكون ذئاباً أو كلاباً أو دببة أو قردة ( ويقال إن قصة طرزان المعروفة بنيت على حادثة حقيقية لطفل انجليزي فقده والده في غابات الكاميرون) !!
... وهناك على الأقل مائة حالة معروفة كهذه شكلت - رغم مآسيها - فرصة لدراسة تطور الانسان بمعزل عن بيئته البشرية ومجتمعه الإنساني ... ومن أشهر هذه الحالات (حسب النوع الحيواني الذي عاشت معه):
- الطفل العجل الذي اكتشف في بامبيرج بألمانيا عام 1500،
- وثلاثة أخوان دببة اكتشفوا في ليتوانيا في أواخر القرن السابع عشر.
- والولد الفهد الذي أكتشف في الهملايا
- 1919.والأختان أمالا وكمالا اللتان اكتشفتهما السلطات الهندية مع الذئاب في مندابور عام
- 1920والولد الغزال الذي اكتشف في الصحراء السورية عام
- 1946.وفتى النهر الذي اكتشف في الأمازون عام !!
- 1965والولد القرد ( جون سابانايا ) الذي اكتشف في أوغندا عام
- 1990وأوكسانا ميليا التي بدأنا بها المقال واكتشفت عام 1991في مدينة نوفايا الأوكرانية.
- أما آخر الحالات (المكتشفة عام 2007) فهي لطفل من أوزباكستان عاش وحيدا في الجبال حتى سن الثامنة ، وفتاة كمبودية تدعى روتشوم عاشت وحدها في الغابات حتى سن التاسعة عشرة !!
... ورغم ندرة هذه الحالات إلا أنها تشكل مادة خصبة لدراسة التطور العقلي والنفسي بمعزل عن التعاليم الأسرية والقيود الثقافية والهوية التاريخية ؛ فالإنسان مزيج من دماغ مادي راق ، وأفكار ومبادئ (متعلمة أو موروثة) .. وكما لايمكن تعليم الحيوانات المبادئ والأفكار (كونها لا تملك دماغا راقيا) يخسر الإنسان كثيراً من إنسانيته حين تفوت عليه فرصة تعلمها في سن مبكرة (رغم دماغه الراقي) ..
وحالات الأطفال السابقة توفر فرصة لدراسة الدماغ البشري (وكيفية تشكله) في حال نشأ الطفل في بيئة معزولة عن إرثه الثقافي وتواصله الإنساني . كما قدمت أدلة قوية على أهمية السنوات الأولى في تعلم مهارات الاتصال اللغوي والتفاعل الاجتماعي والقدرة على الاستيعاب .. فحين يتجاوز الطفل هذه المرحلة يصعب عليه فهم مغزى الكثير من التصرفات البشرية والحدود الاجتماعية ويصاب ب "تحجر لغوي" يمنعه من إتقان أي لغة بشرية متحضرة !
... وكل هذا يثبت أن الانسان حين يفتقر لمبادئ يتبناها ، وأفكار يؤمن بها ، وثقافة تصيغ هويته وشخصيته ؛ يصبح أقرب للحيوانات منه للبشر ..
ورغم أن هذا "الكلام" قد يطرح من منطلق تربوي وفلسفي وأخلاقي ، إلا أن له أيضا جانبا عضويا وماديا يؤثر - بمعنى الكلمة - على عقله الراقي وتميزه الإنساني!.
مقال لكاتبي المفضل والمبدع
فهد الاحمدي
وايضا هناك حاله لم يذكرها الكاتب تدعى ماوكلي عام 1997م
الموضوع الاصلي
من روعة الكون