(أصول أهل السنة والجماعة) " لفضيلة الشيخ: صالح الفوزان "-حفظه الله -
المصدر: كتاب "من أصول أهل السنة والجماعة (أصول أهل السنة والجماعة) " لفضيلة الشيخ: صالح الفوزان "-حفظه الله -
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أصول أهل السنة والجماعة
إن أهل السنَّة والجماعة يسيرون على أصول ثابتة وواضحة في الاعتقاد والعمل والسلوك وهذه الأصول العظيمة مستمدة من كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان وهذه الأصول تتلخص فيما يلي:
الأصل الأول
الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره
1ـ الإيمان بالله:
هو الإقرار بربوبيته وإلاهيته يعني الإقرار بأنواع التوحيد الثلاثة واعتقادها والعمل بها وهي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات فتوحيد الربوبية معناه توحيد الله بأفعاله من الخلق والرزق والإحياء والإماتة وأنه رب كل شيء ومليكه، وتوحيد الألوهية معناه إفراده بأفعال العباد التي يتقربون بها إليه إذا كان مما شرعه الله، كالدعاء والخوف والرجاء والمحبة والذبح والنذر والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والصلاة والصوم والحج والإنفاق في سبيل الله وكل ما شرعه الله وأمر به لا يشركون مع الله غيره فيه لا ملكاً ولا نبياً ولا ولياً ولا غيرهم. وتوحيد الأسماء والصفات معناه: إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات وتنزيه الله عما نزه عنه نفسه أن نز عنه رسوله من العيوب والنقائص من غير تمثيل ولا تشبيه ومن غير تحريف ولا تعطيل ولا تأويل كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى/11]. وكما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف/180].
2ـ والإيمان بالملائكة :
معناه التصديق بوجودهم وأنهم خلق من خلق الله خلقهم من نور، خلقهم لعبادته وتنفيذ أوامره في الكون كما قال تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء/26 ، 27]. {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر/1].
3ـ والإيمان بالكتب:
يعني التصديق بها وبما فيها من الهدي والنور وأن الله أنزلها على رسله لهداية البشر، وأعظمها الكتب الثلاثة التوراة والإنجيل والقرآن، وأعظم الثلاثة القرآن الكريم وهو المعجزة العظمى قال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء/88].
ويؤمن أهل السنَّة والجماعة بأن القرآن كلام الله منزَّل غير مخلوق - حروفه ومعانيه - خلافاً للجهمية والمعتزلة القائلين بأن القرآن مخلوق كله حروفه ومعانيه، وخلافاً للأشاعرة ومن شابم القائلين بأن كلام الله هو المعاني، وأما الحروف فهي مخلوقة - وكلا القولين باطل. قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ} [التوبة/6]. {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح/15].
فهو كلام الله لا كلام غيره.
4ـ والإيمان بالرسل:
يعني التصديق بهم جميعاً من سمى الله منهم ومن لم يسم من أولهم إلى آخرهم. وآخرهم وخاتمهم نبينا محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، والإيمان بالرسل إيمان مجمل والإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم إيمان مفصل واعتقاد أنه خاتم الرسل فلا نبي بعده، ومن لم يعتقد ذلك فهو كافر والإيمان بالرسل يعني أيضاً عدم الإفراط والتفريط في حقهم خلافاً لليهود والنصارى الذين غلوا وأفرطوا في بعض الرسل حتى جعلوهم أبناء الله كما قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة/30].
والصوفية والفلاسفة فرطوا في حق الرسل وتنقصوهم وفضلوا أئمتهم عليهم، والوثنيون والملاحدة كفروا بجميع الرسل. واليهود كفروا بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، والنصارى كفروا بمحمد. ومن آمن ببعضهم وكفر ببعضهم فهو كافر بالجميع، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً، أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء/150-151].
وقال تعالى: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة/ 285].
5ـ والإيمان باليوم الآخر:
يعني التصديق بكل (1) مما أخبر الله به ورسوله من عذاب القبر ونعيمه والبعث من القبور والحشر والحساب ووزن الأعمال وإعطاء الصحف باليمين أو الشمال والصراط والجنة والنار، والاستعداد لذلك بالأعمال الصالحة وترك الأعمال السيئة والتوبة منها.
وقد كفر باليوم الآخر الدهريون والمشركون. واليهود والنصارى لم يؤمنوا به الإيمان الصحيح المطلوب وإن آمنوا بوقوعه {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة/111].
{قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة/80].
6ـ والإيمان بالقدر:
يعني الإيمان بأن الله علم كل شيء ما كان وما يكون وقدر ذلك في اللوح المحفوظ وأن كل (2) وكفر وإيمان وطاعة ومعصية فقد شاءه الله وقدّره وخلقه، وأنه يحب الطاعة ويكره المعصية. وللعباد قدرة على أفعالهم واختيار وإرادة لما يقع منهم من طاعة أو معصية - لكن ذلك تابع لإرادة الله ومشيئته - خلافاً للجبرية الذين يقولون إن العبد مجبر على أفعاله ليس له اختيار. وللقدرية الذين يقولون إن العبد له إرادة مستقلة وأنه يخلق فعل نفسه دون إرادة الله ومشيئته.
وقد ردّ لله على الطائفتين في قوله تعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير/29].
فأثبت للعبد مشيئة رداً على الجبرية الغلاة وجعلها تابعة لمشيئة الله رداً على القدرية النفاة والإيمان بالقدر يكسب العبد صبراً على المصائب وابتعاداً عن الذنوب والمعائب. كما يدفعه إلى العمل ويبعد عنه العجز والخوف والكسل.
الأصل الثاني
ومن أصول أهل السنَّة والجماعة أن الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فليس الإيمان قولاً وعملاً دون اعتقاده، لأن هذا إيمان المنافقين، وليس هو مجرد المعرفة بدون قول وعمل لأن هذا إيمان الكافرين الجاحدين. قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل/14].
وقال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام/33].
وقال تعالى: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} [العنكبوت/38].
وليس الإيمان اعتقاداً فقط أو قولاً واعتقاداً دون عمل لأن هذا إيمان المرجئة والله تعالى كثيراً ما يسمي الأعمال إيماناً قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال/2-4].
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة/143].
أي صلاتكم إلى بيت المقدس، سمى الصلاة إيماناً.
الأصل الثالث
ومن أصول أهل السنَّة والجماعة: أنهم لا يكفرون أحداً من المسلمين إلا إذا ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام أما ما كان من الكبائر التي هي دون الشرك ولم يدل دليل على كفر مرتكبها - كترك الصلاة تكاسلاً - فإنهم لا يحكمون على مرتكبها - أي الكبائر - بالكفر وإنما يحكمون عليه بالفسق ونقص الإيمان. وإذا لم يتب منها فإنه تحت المشيئة - إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه لكنه لا يخلد في النار - قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء/48].
ومذهب أهل السنَّة في ذلك وسط بين الخوارج الذين يكفرون مرتكب الكبيرة وإن كانت دون الكفر وبين المرجئة الذين يقولون هو مؤمن كامل الإيمان ويقولون: لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
الأصل الرابع
ومن أصول أهل السنَّة والجماعة وجوب طاعة ولاة أمور المسلمين ما لم يأمروا بمعصية فإذا أمروا بمعصية فلا تجوز طاعتهم فيها وتبقى طاعتهم بالمعروف في غيرها.
عملاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء/59].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد)[قطعة من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه في موعظة النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة]. ويرون أن معصية الأمير المسلم معصية للرسول -صلى الله عليه وسلم- عملاً بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من يطع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني) [أخرجه البخاري (4/7137)، ومسلم (4/جزء 12/ص223/نووي)]. ويرون الصلاة خلفهم والجهاد معهم والدعاء لهم بالصلاح والاستقامة ومناصحتهم.
الأصل الخامس
ومن أصول أهل السنَّة تحريم الخروج على ولاة أمور المسلمين إذا ارتكبوا مخالفة دون الكفر لأمره -صلى الله عليه وسلم- بطاعتهم في غير معصية ما لم يحصل منهم كفر بواحٍ، بخلاف المعتزلة الذين يوجبون الخروج على الأئمة إذا ارتكبوا شيئاً من الكبائر ولو لم يكن كفراً ويعتبرون هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والواقع أن عمل المعتزلة هذا هو أعظم المنكر: لما يترتب عليه من مخاطر عظيمة من الفوضى وفساد الأمر واختلاف الكلمة وتسلط الأعداء.
الأصل السادس
ومن أصول أهل السنَّة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما وصفهم الله بذلك في قوله تعالى لما ذكر المهاجرين والأنصار وأثنى عليهم قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر/10].
وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) [أخرجه البخاري (3/3673)، ومسلم (6/جزء 16/ص92، 93/ نووي )]. خلافاً للمبتدعة من الرافضة والخوارج الذين يسبون الصحابة ويجحدون فضائلهم. ويرى أهل السنَّة أن الخليفة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين فمن طعن في خلافة واحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله لمخالفته النص والإجماع على خلافة هؤلاء على هذا الترتيب.
الأصل السابع
ومن أصول أهل السنَّة والجماعة محبة أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتوليهم عملاً بوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (أذكركم الله في أهل بيتي) [أخرجه مسلم (5/جزء 15/ص180،نووي)، والإمام أحمد (4/366، 367)، وابن أبي عاصم في "كتابه السنَّة" برقم [1551] (ص629)].
ومن أهل بيته أزواجه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن، فقد قال الله تعالى - بعد ما خاطبهن بقوله: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ} [الأحزاب/32]. ووجه إليهن نصائح ووعدهن بالأجر العظيم -: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب/33].
والأصل في أهل البيت قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد بهم هنا الصالحون منهم خاصة، أما قرابته غير الصالحين فليس لهم الحق كعمه أبي لهب ومن شابه، قال تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد/1].
فمجرد القرابة من الرسول صلى الله عليه وسلم والانتساب إليه من غير صلاح في الدين لا يغني صاحبه من الله شيئاً، قال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا عباس عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً. يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً. يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً) [أخرجه البخاري (3/برقم 4771)، (2/2753)، ومسلم (1/جزء 3/ص80، 81/نووي)].
وقرابة الرسول الصالحون لهم علينا حق الإكرام والمحبة والاحترام، ولا يجوز لنا أن نغلو فيهم فنتقرب إليهم بشيء من العبادة أو نعتقد فيهم أنهم ينفعون أو يضرون من دون الله لأن الله سبحانه يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا} [الجن/21].
{قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف/188].
فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك فيكف بغيره فما يعتقده بعض الناس بمن ينتسبون لقرابة الرسول اعتقاد باطل.
الأصل الثامن
ومن أصول أهل السنَّة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء - وهي ما قد يجريه الله على أيدي بعضهم من خوارق العادات إكراماً لهم كما دل على ذلك الكتاب والسنَّة. وقد أنكر وقوع الكرامات المعتزلة والجهمية وهو إنكار لأمر واقع معلوم - ولكن يجب أن نعلم أن من الناس في وقتنا من ضل في موضوع الكرامات وغالى فيها حتى أدخل فيها ما ليس منها من الشعوذة وأعمال السحرة والشياطين والدجالين - والفرق واضح بين الكرامة والشعوذة - فالكرامة ما يجري على أيدي عباد الله الصالحين. والشعوذة ما يجري على يد السحرة والكفرة والملاحدة بقصد إضلال الخلق وابتزاز أموالهم، والكرامة سببها الطاعة. والشعوذة بسببها الكفر والمعاصي.
الأصل التاسع
ومن أصول أهل السنَّة والجماعة في الاستدلال اتباع ما جاء في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً واتباع ما كان عليه الصحابة من المهاجرين والأنصار عموماً واتباع الخلفاء الراشدين خصوصاً حيث أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) [تقدم تخريجه].
ولا يقدمون على كلام الله وكلام رسوله كلام أحد من الناس. ولهذا سموا أهل الكتاب والسنَّة. وبعد أخذهم بكتاب الله وسنة رسوله يأخذون بما أجمع عليه علماء الأمة وهذا هو الأصل الثالث الذي يعتمدون عليه بعد الأصلين الأولين: الكتاب والسنَّة. وما اختلف فيه الناس ردوه إلى الكتاب والسنَّة عملاً بقوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء/59].
فهم لا يعتقدون العصمة لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتعصبون لرأي أحد حتى يكون موافقاً للكتاب والسنَّة ويعتقدون أن المجتهد يخطئ ويصيب، ولا يسمحون بالاجتهاد إلا لمن توفرت فيه شروطه المعروفة عند أهل العلم. ولا إنكار عندهم في مسائل الاجتهاد السائغ. فالاختلاف عندهم في المسائل الاجتهادية لا يوجب العداوة والتهاجر بينهم كما يفعله المتعصبة وأهل البدع. بل يحب بعضهم بعضاً ويوالي بعضهم بعضاً ويصلي بعضهم خلف بعض مع اختلافهم في بعض المسائل الفرعية بخلاف أهل البدع فإنهم يعادون أو يضللون أو يكفرون من خالفهم.
المصدر: كتاب "من أصول أهل السنة والجماعة"
الموضوع الاصلي
من روعة الكون