بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وكما وعدتكم ها انا قد جئت لكم بقصه جديده ولنفس الكاتب اللذي كتب قصة وائل..
واتمنى ان تعجبكم..
7
7
7
7
بقلم بدر بن عبدالعزيز
هاأنا ذا أقف أمام هذا الباب الذي يخفي خلفه أجمل عروس...... أرتقب لحظة لقاءٍ طال انتظاره لسنين .........
رسمته في ظلمة اليالي الممتزجة ببياض شيبي ....... يخفق قلبي بشدة...... رائحة عطري تملئ الممر الخالي من سواي..... حذايا غاصا غاصا في هذه السجادة الحمراء بل التصقا بها ليحدثا مساحة غير متساوية مع بقية أجزائها
عامل الفندق يقترب قاطع صمت المكان بعربته المتطفلة بوقاحة .... يبتعد بعد أن مر باصقاً ابتسامة مراوغة ليتجاوزني ملتفت بنظرة إستغفالية سارقة نحوي ....تجاهلت ماحدث .... أعدت ترتيب هندامي للمرة الألف....
أخرجت زجاجة العطر وصوبتها نحو كل شبر من ملابسي المبتلة بالعطور.... اليوم أبدو أصغر من الأمس وأجمل...
أخذت أسترجع كلماتي التي سأنشدها لها ....... لا أريد أن أنسى حرفاً واحداً فربما يكون هذا اللقاء الأخير....
قطع استذكاري أصوات أتت من نهاية الممر ليخرج شاب في كامل زينته وقد لبس (البشت) يرافقه شابان لايقلان عنه وسامة ونظارة ... تأملته وغبطته تذكرت ذاك اليوم الذي كنت فيه في مثل مكانه وكيف أنني لم أرسم بسمة كتلك التي بدت على وج.....
خلف هذا الباب يقبع حلم جميل وعروسي الأجمل...... لازلت أذكر رسالتها الشفهية صباح عرسي والتي انطلقت ثاقبة أذني عبر بندقية صغيرة عندما أقترب مني أخوها الصغير ليهمس في اذني بفم تفوح منه رائحة الحلوى وبنغمة طفولية : أختي تقول لك مبروك ............. ولم أنسى ذالك الوعد الذي قطعته على نفسها بأن لاتكون عروس لغيري ..........
أنا الآن متسمراً هنا ملبي لطلبها رغم خليط قسوته ونشوته.......... أتراها ما تزال محتفظة بجمالها كما كانت ....
أتراها ما تزال كضياء صبح أسدل عليه سواد امتد لما دون نصفه... وكيف تبدو تلك الأنامل التي لو عضها طفل حديث لانثنت.........أما تزال محتفظة بتلك الثنايا البراقة التي تبرز كنجم لامع يعكس نور يؤذي البصر ...
الانتظار محرق والتردد عصا الحرمان .... مضى على وقوفي نصف ساعة دون أن أبدئ ما قدمت لأجله..
لاشك أنها في انتظاري بلهفة وربما بدمعة خوف من خيبة انتظاري....وضعت هديتي وباقة الورد على الأرض كطفلين ناما بعد عناء وسهر .... لأمد يد تصارع الوقت والموقف وأخيراً طرقت الباب طرق بالكاد سمعته أنا
لكن قلبها المرتقب التقط ذبذبات طرقي شبه المنعدم ليأتيني صوتها الفرح الخائف هامساً برقة من خلف الباب الذي التصقت به بعد أن أشرقت عين الباب السحرية بسواد عينيها...تمنيت لو كانت هناك عين أخرى متجهة للداخل ...... : انتظرني احمد........... ما أجمل أسمي بصوتها المبحوح دائماً الذي كان ولم يزل بالنسبة لي رمزاً بل مقياس لجمال كل أنثى ........ مر أمامي شريط ذكرياتي راكضاً ...مسرعا ....صور مختلطة ..ضحكات ناعمة وهمسات عذبة..... حتى وصل ليبطئ سيره عند مكالمتها الأخيرة ورجائها الأمر بأن أكون هنا هذه الليلة . لم تكن صدمتي بمكالمتها أقسى من هول خبر خطوبتها الذي سدد لي كسهم مسموم بأحد المجالس منذ أربعة أشهر...... رغم أن تلك البحة لم تفتأ تسكن بداخلي خلال ثماني عشرا عاماً مضت إلا أنني سألتها من أنتي ..
أخرجت تنهيدة ساخنة لتذيب بداخلي جليد من البعد والوحشة .... نطقت باسمها الذي زينت به أبنتي الأولى وشققت منه أسماً لولدي البكر ........
: أحمد أظنك تعلم بقرب موعد زفافي.... : تقصدين يوم عقابي وشربي من نفس ذاك الكأس..
: أحمد أعلم أنك تعيش حياة سعيدة ملؤها الحب فلديك الزوجة الرائعة وأبناء لا أستطيع منع نفسي من تقبيلهم..
كيف لا وهم أبنائك...كيف لا وشفاهك تطبع كل يوم على وجناتهم ..... وتعلم جيداً أنني تحملت ألم فراقك وكتمت حبك عصفورا جريحاً يرفرف ألما ويحتضر لفراقك أضمد جراحه بما أسمعه عنك من خبر بين الحين والأخر...
وأسقيه ترياق يخدر الألم ولا يزيله.....
لم أشأ أن أظهر بحياتك أو أعكر عليك صفو أيامك ..... وتركتك تسبح بنهر ملذاتك .....
واكتفيت بتطبيب عصفوري كل ليلة ......
أتعلم أنني أصحو باكرا كل يوم لأرقب مرورك أمام منزلنا عابراً لتوصل أبنائك للمدرسة .. ولم أرك يوماً تمر دون أن تلتفت... كانت نظرتك لمنزلنا تغذيني وتسقيني لكنها لم تكن ابد لترويني... وإن فقدتك يوما حزنت حتى أعلم بالحيلة سبب غيابك عن شرفتي... كل الناس تبتهج بالعطل وإجازة كل أسبوع إلا أنا......
لم أكن أغادر نافذتي صباح العيد كي أملئ عيني بقدومك وبمجرد دخولك اقفز مسرعة لعلي أسترق صوت حديثك مع والدي ... أعانق أبنائك وارشف قبلات من على وجوم أتذوق طعم قبلة لاشك أنها طبعت قبل برهة........... أعود مسرعة لنافذتي لألقي نظرتي أثناء رحيلك كنت أعلم أنني أدور بذهنك تلك اللحظات..
كيف لا وأنت تقبل أبنائك قبلة المشتاق لحظة خروجكم........ أسرع لأستأذن والدي بتغيير فناجين الشاي..
لازلت كعادتك تشرب النصف فقط وتغطي الفنجان بالصحن الصغير لاتخف لم أكن لأتركه يسكب ......
كانت تلك اللحظات علاجاً لي يخفف ألم العنوسة ووحشتها ..... أترقب كل جديدك ....
عندما زرنا زوجتك في منزلك الجديد أنا ووالدتي كنت أعلم جيد أنك أنت من قام بتغيير مكان حذائي وعكس اتجا.... ولتعلم أنني تعمدت ترك نصف فنجاني لكن مع الأسف لم يكن هناك صحون زجاجية صغيرة..
الأن وقد أتاني النصيب وقرب يوم زفافي ورغم كل ما حدث ما زلت أحمل بداخلي حلم صغيراً كحصوة
بقية من جبل ضخم بنيته سابقاً وكنت تعينني على بنائه ... لكن السنين أتت عليه أمنية صغيرة أتمنى تحقيقها ولن تكون إلا بك ولن تكلفك الكثير من وقتك لا أريد سوى أن تراني يوم زفافي وقبل كل البشر ......بعد انتظار فتح الباب ليحملني موج عطر ثائر وكأنني عانقته من قبل ... تتسارع دقات قلبي ..ينهمر عرقي بشدة
حتى خشيت أن يزيل طلاء شاربي الأسود.... كل جسمي يرتعش قدماي لاتكاداني تسعفاني ...
أنا أمام باب اقفل من سنين واليوم يفتح أمامي بكل سعة ......
خطوتان... خطوتان فقط أمام حلم .... خطوتان فقط تخترق دهر..... خطوتان نحو الدواء ..
خطوتان........... أه ما أصعبهما...
هزت الباب بخفة داعية أياي للدخول... همست : أسرع قبل أن يصلو ليأخذوني ......
أردت الحديث أو الدخول فلم أستطع...... أدرت وجهي ومضيت بعد أن وفقت بنطق كلمة ( مبروك)
وصلت لنهاية الممر والتفت لأرى غصنين بشريين شديدي البياض تزين الحناء بهما وتبختر
يتسللان بخجل حزين ليعانقا باقة الورد وعلبة الهدية ويضعا مكانهما صندوق صغير....
وأغلق الباب الذي لن يفتح للأبد ........
عدت واختطفته وخرجت كسارق فر بجوهرة ثمينة....... اندسست بسيارتي وأقفلت أبوابها واستجمعت قواي وأنفاسي ...... فتحته لأجد به ورقة دون أسفلها تاريخ الأمس وزجاجة عطر قديم فارغة...
: حبيبي أحمد اعلم أنك لم تكن لتدخل... وأعلم أنني لم أكن لأسعد بتلك اللحظة ... لكنني أردت أن تعلم أنني ومهما بلغت سعادتي وبهجتي وحتى في ليلة دخلتي لم أزل أجلسك ملكا على عرش قلبي ....
أتذكر هذه الزجاجة التي اشتريتها لي من أول راتب قبضته وعدتك بأن تشم رائحتها بي ليلة زفافي ولا شك أنني وفيت ...........
محبتك للأبد .........
يصرخ هاتفي معلن وصول مكالمة من زوجتي ....... : أبا أنور أسرع أريدك أن توصلني لصالة الأفراح
أنسيت أن اليوم زفاف نورة إبنة خالتي ...................
.................................................. .
تقبلوا تحياتي وأشواقي
**الشقيه**
الموضوع الاصلي
من روعة الكون