في عمر الزهور... تشدو وتلعب في سرور... ملامح طفولية تحمل بداخلها همة أقوى من الجبال...وعزم يميزها عن منهم في مثل سنها..
سمعت بالدورة المكثفة لحفظ القران الكريم خلال شهرين في الإجازة الصيفية..
وكان حلمها أن تحفظ القران الكريم ولكن اعتقدت أن هذه مجرد أمنية ومن الصعب تحقيقها!!
التحقت أختاها الأكبر منها بالدورة... أما هي فكانت مترددة جداً ولم تكن تتوقع أنها ستستطيع أن تنجح في هذه المهمة..
فكرت كثيراً واستخارت الله.. واستشارت والدتها.. ثم توكلت على الله وانضمت لركب الصالحات..
تقول عن نفسها:
بعد أن سجلنا أسماءنا لم يبق إلا أن ننتظر الدورة... وازدادت رغبتي في حفظ القران شيئا فشيئا وكنت أدعو الله دائماً أن يتم لي أنا وأخواتي حفظ القران الكريم في هذه الدورة..
وجاء يوم السبت الذي كنت أنتظره بفارغ الصبر لأبدأ المشوار في حفظ كتاب الجبار، ولم أكن أحفظ سوى الأجزاء الأربعة الأولى فقط..
الخطوات المباركة:
انطلقت الدورة،، وفتاتنا مقبلة على كتاب الله، الحماس يملؤها والعزم يكتنفها. بدأت الحفظ بكل همة وعزيمة وتعرفت على أخوات رائعات لم يسبق لها أن قابلت مثلهن، فمهما كانت الصديقات فلن تكن مثل أخوات في الله اجتمعن معا على حفظ أعظم كتاب ولم يجتمعن على أمر من أمور الدنيا...
فاستفادت منهن أشياء كثيرة مع أنهن كنَّ في الجامعة أو في الثانوية وصغيرتنا فقط في أولى متوسط!!... ولكن رغم هذا الفارق في العمر إلا أني أحببتهم كثيراً..
البرنامج اليومي:
كانت دائماً مشغولة بالحفظ تستيقظ لصلاة الفجر ثم تراجع وتحفظ حتى السابعة ثم إلى دار القرآن ترجع منها قرابة الثانية ظهراً.. تنام فترة العصر بعد الحفظ والجهد الطويل في الدار ثم تستيقظ المغرب وتبدأ الحفظ والمراجعة... وقد وجدت أن أفضل الأوقات للحفظ هو وقت السحر وبعد صلاة الفجر..
عقبات الطريق:
لا تحسبن المجد تمرا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
طريق النجاح وعر.. ما اجتازه أهل العزائم إلا بعد أن لقيهم من أمرهم النصب والمشقة.. وبعض عقبات الطريق..
لقد تعبت صغيرتنا فترة وصعب عليها الحفظ وتأخرت عن أخواتها حتى تراكم عليها الحفظ وفكرت جديا في ترك الدار..
لكن أخواتٍ لها في الدار لن تنسى فضلهن وقفن معها ولها.. معينات على الخير ومتعاونات عليه.. فلم تفتر عن الحفظ إلا وجدتهم جميعاً حولها.. يشجعونها ويرفعون معنوياتها ويشدون من أزرها.. وبعد أيام ولله الحمد استطاعت أن تحفظ ما فاتها وتلحق بأخواتها..
بركات الحفظ:
لا يترك كتاب الله صاحبه دون أن يحدث فيه أثرا.. وما ملأ القرآن صدر مؤمن إلا زاده نورا... لقد وجدت هذه الصبية ذلك الأثر جليا..
فبعد الغفلة عن ذكر الله وعن الطاعة.. وبعد أن لم تكن تمسك المصحف إلا في المدرسة أو في رمضان.. حملت كتاب الله في صدرها..
وبعد متابعة المسلسلات... والغفلة عن أمر الآخرة والإقبال على الدنيا... وغير ذلك مما لا يعلم به إلا الله... تبدل الحال إلى اللحاق بركب المستقيمات.. والسعي في طلب سعادة الدنيا والآخرة..
كانت تذهب للدار كل يوم بعباءة على الكتف... إلا أن النصح الودود من أخواتها وأستاذتها ومن حولها في الدار أثر فيها كثيراً فتركت عباءة التبرج قبل آخر يوم من الدورة ولله الحمد..
لقد زادها حفظها لكتاب ربها تقربا منه جل وعلا... حتى إن الآيات التي تحفظها كانت تؤثر بها كثيراً وكانت تحاول العمل بها...
لقد كان أكبر أسباب التغير كتاب الله العظيم.. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} يونس.
وبعد:
فتيات خيّرات.. جاهدن كثيراً وصبرن ونلن والحمد لله فوزاً عظيماً بحفظ القران كاملاً .
هذه نعمة عظيمة واصطفاء من الله.. منَّ به على أولائك الفتيات..
فالحمد لله الذي يسر لهن وسهل عليهن حفظ كتابه الكريم الذي قال عنه {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} والحمد لله الذي أكرمهن بخيري الدنيا والآخرة "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده".
كانت تلك الصغيرة تحلم ذات يوم أن تحفظ القران..أما الآن فإن همتها انصرفت لمراجعته وإتقانه ولذا فقد التحقت بدار للتحفيظ بعد انتهائها من الدورة لتراجع حفظها وأخواتها، فلابد من تعاهد القران ومراجعته كي لا يتفلت ويضيع الحفظ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "تعاهدوا القران فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها"..
كلمة أخيرة للحافظة الصغيرة:
سأتمسك بك يا كتاب الله... حفظتك... وسأظل حافظة لك إن شاء الله..
حفظي للقران حمسني للدعوة إلى الله.. وأتمنى أن أكبر وأصبح داعية إليه على بصيرة.. فأدعو أمتي لهذا القران العظيم .
فلذلك... هيا يا أخيتي فاليوم عمل ولا حساب وغدا … حساب ولا عمل... فلا تقفي هكذا..
من كان يتوقع أنني سأحفظ القران في شهرين وأنا في هذا العمر؟
قبل شهرين فقط كنت فتاة عادية… بل وأقل من عادية... وبعد شهرين أصبحت فتاة أخرى تحمل في صدرها القران كاملا... فاستغلي كل دقيقة من وقتك ولا تيأسي أبداً..
وأخيراً أقول لك: أختي الحبيبة يا من مازلت في عمر الزهور ها أنا في مثل عمرك لا أزيد عنك بشيء ولا تنقصين عني بشيء لقد اجتهدت كثيراً ودخلت هذه الدورة الرائعة وحفظت
الموضوع الاصلي
من روعة الكون