قد أوصانا نبينا(صلى الله عليه وسلم)
بالجار وشدد على وصيته،فعن ابن عمر وعائشة
رضي الله عنهما قالا:قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)"ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه")
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم)قال:"والله لا يؤمن،والله لا يؤمن، والله لا يؤمن،!"قيل :من يارسول الله؟قال:"الذي لا يأمن جاره بوائقه".
حقوق الجار : بندٌ من بنود التكافل الاجتماعي ، فالإسلام أيها الإخوة أمر الجار بالإحسان إلى جاره .
ففي نص القرآن الكريم : جاء ذكر الجار بعد ذكر الوالدين، والأقربين ، هذه الأولويات ، يتحدثون اليوم عن سلّم الأولويات .
• • الأم والأب : في رأس القائمة .
• • الأقرباء : في الدرجة الثانية .
• • الجار : الذي هو إلى جانبك ، في الدرجة الثالثة .
يا أيها الإخوة الأكارم ، إما أن الإسلام أمر القريب أن ينفع قريبه ، أمر القريب أن يغني قريبه وأن يواسي قريبه ، والجوار نوعٌ من أنواع القرب .
إذا كان القريب يطلق على القرب النسبي ، فالجار قريبٌ من حيث المكان . ماذا ورد في السنة المطهرة ؟
هل واحدٌ منكم من دون استثناء ليس له جار ؟ لو أن الجوار جميعاً تكاتفوا، وتعاونوا، وتسامحوا، وتعاطفوا، وأحسن بعضهم إلى بعض، لو أن المسلمين على مستوى الجوار، رعى بعضهم بعضاً ، وواسى بعضهم بعضاً، وأنفق بعضهم على بعض، وتعاهد بعضهم بعضاً، لكنا في حالةٍ غير هذه الحالة .
وروى البخاري أيضاً عن أبي شريح العدوي : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ قَالَ وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ .
[متفق عليه]
أي جار من دون أن تنظر من هو ، ما دينه ، ما انتماؤه ، أي جار .
لأن العلماء يقولون ، " الجار له حقٌ على جاره، ولو كان مشركاً، والجار المسلم له حقان : حق الجوار، وحق الإسلام، والجار المسلم القريب له ثلاثة حقوق : حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة" .
كلكم يعلم القصة الشهيرة التي جرت مع الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى . كان له جارٌ من أهل الكتاب، وكان سكّيراً، مغنياً، فكان يقلقه طوال الليالي، بعد أن يشرب الخمر، وتدور به هذه الخمر ، ويمسك آلته ويغني ، ويقول :
أضاعوني ، وأي فتى أضاعوا
إلى أن هذا الإمام العظيم افتقد هذا الصوت أياماً عديدة ، فسأل عنه فإذا هو في السجن ، فتوجه إلى المحتسب وشفع له ، ويروي الكاتب هذه القصة أن ذنبه ليس حداً من حدود الله شفع له ، وأعاده إلى البيت، وزاره مهنئاً، وقال له : يا فتى هل أضعناك ؟
تقول أنت :
أضاعوني، وأي فتى أضاعوا
هذا القريب بهذا الشكل ، بهذه المعصية ، له حق على جاره ، فكيف بالجار المسلم ، فكيف بالجار المسلم القريب .
يا أيها الإخوة المؤمنون ، ضيعنا من الإسلام المعاملة ، ظننا الإسلام صلاةً ، وصياماً، وحجاً ، وزكاةً ، ونسينا أن الإسلام في أصله مكارمٌ للأخلاق ، نسينا أن الإسلام في أصله معاملات ، لا تصلح العبادات إلا إذا صحّت المعاملات، لا تستطيع أن تتصل بالله عز وجل في الصلاة إلا إذا كنت محسناً ، ولا أن تصوم رمضان صوماً، صحيحاً، مقبولاً إلا إذا كنت محسناً ، لا يقبل الله منك حج بيته العظيم إلا إذا كنت محسناً ، هذه العبادات الشعائرية لا قيمة لها إن خلت ممن العبادات التعاملية .
والدليل على هذا أن الله عز وجل يقول :
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ .
[سورة العنكبوت من الآية45]
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
من لم تن صلاته عن الفحشاء، والمنكر، لم يزدد من الله إلا بعداً ومن لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيءٍ من عمله .
أيها الإخوة الأكارم ، مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ .
وفي روايةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا .
[متفق عليه]
وروى الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : قد تكرم الجار بكلمة طيبة ، بوجه طلق، بسلامٍ حار ، وقد ينتهي الأمر ، وقد لا تؤذي جارك ، تمتنع عن إيقاع الأذى به ، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث أخرى يُحمّل الجار عبئاً مالياً على جاره يقول عليه الصلاة والسلام :
ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به .
[رواه البزار ، والطبراني عن أنس]
لو تفقد كل منّا جاره، لكان هذا التفقد ، وهذه المواساة، وذاك الإحسان نوعاً من أرقى أنواع التكافل الاجتماعي ، الإسلام كفّل الأقرباء بعضهم ببعض ، وكفل الجيران بعضهم ببعض ، فإما أن يكون قريبك نسباً ، وإما أن يكون قريبك مكاناً .
وروى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ .
[أخرجه مسلم وابن ماجة وأحمد]
العلماء قالوا : ليس في هذا الحديث ما يشير إلى أن هؤلاء الجيران فقراء، قد يكونوا أغنياء ، لكن هذا التواصل ، وهذا التهادي ، وهذا العطاء مما يمتّن العلاقة بين الجيران ، ربما الجار المسلم الصادق إذا كان محسناً إلى جيرانه ، أعانهم ، أعطاهم ، أهداهم ، أكرمهم ، حلّ بعض مشكلاتهم ، تكفّل ببعض حاجاتهم ، حلّ عسير عقدهم ، لعل هذا الجار المسلم بأخلاقه الرفيعة ، وبإحسانه الجزيل يجذب كل جيرانه إلى الاستقامة على أمر الله ، وإلى طاعة الله ، وإلى التوبة النصوح ، ومن أدراك أن الدعوة إلى الله لا تُفلح ولا تنفع ، ولا تجدي إلا إذا فتحت القلوب بالإحسان ، قبل أن تفتح الآذان بالكلام ، ما قيمة الكلام إن لم تكن محسناً ؟ ما قيمة الكلام ؟ إن لم تكن مثلاً أعلى ، ما قيمة الكلام إن لم تكن قدوةً ؟ ما قيمة الكلام إن لم تكن أسوةً ؟
هل تدري أيها الأخ الكريم إذا كنت تسكن في بناء ، أو في بيت ، ولك جوار ، ورأوا من عفّتك ، ومن استقامتك ، ومن ترفعك عن سفاسف الحياة ، ومن خدمتك لهم ، ومن إحسانك ، هل تدري أن هؤلاء الجيران في يومٍ من الأيام قريبٍ ، أو بعيد ، ربما مشوا معك إلى طاعة الله عز وجل ، وهذه أصل الدعوة .
أنسيتم أن سيدنا الصدّّيق صاحب رسول الله الأول الذي ما طلعت شمسٌ على رجلٍ أفضل منه، هذا الصحابي الجليل كان يحلب شياه جيرانه ، خدمةً لهم ، أنسيتم ذلك ؟
أنسيتم أن هؤلاء الجيران حينما تولى الخلافة أصابهم الحزن ، لأن هذه الخدمة التي كان يؤدّيها لهم لم يؤديها بعد اليوم ، صار خليفة المسلمين ففي صبيحة اليوم الأول لتولّيه الخلافة ، طُرق باب هؤلاء الجيران ، فقالت الأم لابنتها : يا بنيتي افتحي الباب، ففتحت البنت الباب ، قالت : من الطارق يا بنيّ، قالت البنت : جاء حالب الشاة ، ليحلب لنا الشياه ، وهو سيدنا الصديق ، هكذا عامل جيرانه .
الإسلام ليس أن تؤدي الشعائر، وهناك التقاطع ، والتدابر ، والتباغض ، والتحاسد ، وحب الذات ، وإنكار حاجة المسلمين ، ليس هذا هو الإسلام .
أحببت أن انقل هذا الموضوع لتأثري الشديد مما نلاقيه من الأذى من جارنا الله يهديه الذي ماشاء الله عليه يعقد كل يوم سبت حلقة ذكر وفي نفس الوقت يترك الزبالة الله يكرمكم اما باب شقته لمدة ثلاثة ايام والله أعلم ماخلفت وراءها ... فاعذروني وتحياتي
__________________
ان عليك عيونا من الله تراك
الموضوع الاصلي
من روعة الكون