إن الغرائز والميول العاطفية والجنسية بين الرجل والمرأة هو شيء فطريلايمكن ضبطه ولا يمكن كبته. وإن الاسلام أمرنا بضبط هذه الغرائز وليس بكبتها وانما بتصريفها بنظام أخلاقي وشرعي هو الزواج.
وهذه الميول والغرائز لن تتغير ولن تتبدل بينأناس الصحراء وأناس سكان القطب ولا بين أناس القرن الثالث قبل الميلاد وبين أناس القرن الحادي والعشرين ولا بين سكان الجزيرة العربية وسكان أوروبا، ولا بين من ركبوا الجمال ومن يركبون الطائرات فهم جميعا مما اودع الله فيهم هذه الفطرة وهذه الغريزة وهذا الميل المتبادل الذي فيه سر بقاء النسل البشري وتواصله ؛ وليس لتكون هي غريزة ثائرة متأججة مجنونة لا يضبطها ضابط ولا ينظمها شرع ولا قانون ولا عرف ولا أخلاق، فيصبح الإنسان فيها والحيوان سواء.
قال الله تعالى { زين للناس حب الشهوات من النساء..} ( ال عمران- 14)
مما يدل على أن شهوات النساء مزينة للناس ومغوية لهم، وقوله تعالى -من النساء- بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس اليهن. وقال صلى الله عليه وسلم :" ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء".
قال الامام القرطبي في تفسير الآية :" ففتنة النساء أشد من جميع الأشياء ، ويقال في النساء فتنتان وفي الأولاد فتنة واحدة، فأما اللتان في النساء فأحدهما: أن تؤدي الى قطع الرحم لأن المرأة تأمر زوجها بقطعه عن الأمهات والأولاد، والثانية:يبتلى بجمع المال من الحلال والحرام لأجلها
وأما البنون فإن الفتنة واحدة وهو ما ابتلي بجمع المال لأجلهم".
ولعل سائلا يسأل عن تلك الجاذبية التي اودعها الله في الرجال والنساء تجاه بعضهم البعض والتي يهذبها الاسلام ولا يكبتها ولا يتنكر لوجودها.
والسؤالالآنعمن يتحمل مسؤولية هذه الجاذبية التي اذا ما تم الاستجابة لها بغير الضوابط الشرعية فإنها ولا شك تقود الى المحظور والحرام وفي الحياة اليومية الأمثلة والشواهد التي هي أكثر من أن تحصى والتي تدل كلها على ذلك.
ولمعرفة الجواب الشافي فإنني أنقل بعض فقرات المناظرة الجميلة التي دارت بين العين والقلب حيث يتهم كل منهما الآخر بأنه هو السبب وهو المبتدىء بتأجيج نار الغريزة ويكون الحَكَم في النهاية هو الكبد.
هذه المناظرة الطريفة أوردها الاسلام ابن قيم الجوزية في كتابه ( روضة المحبين ونزهة المشتاقين) في الصفحة 95 :" كما كانت العين رائدا والقلب باعثا وطالبا وهذه لها لذة الرؤية وهذا له لذة الظفر كانا في الهوى شريكي عنان، ولما وقعا في العناء واشتركا في البلاء اقبل كل منهما يلوم صاحبه ويعاتبه:
فقال القلب للعين: أنت التي سقتني إلى موارد المهلكات وأوقعتني في الحسرات بمتابعتك اللحظات ونزهت طرفك في تلك الرياض وطلبت الشفاء من الحدق المراض وخالفت قول أحكم الحاكمين ( قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم) وقول رسوله صلى الله عليه وسلم :" النظرة الى المرأة سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركه من خوف الله عز وجل أثابه الله ايمانا يجد حلاوته في قلبه" فمن الملوم سوى من رمى صاحبه بالسهم المسموم؟ او ما علمت أنه ليس شيء أضر على الانسان من العين واللسان فما هلك أكثر من هلك الا بسببهما .. فمن أحب أن يحيا سعيدا او يعيش حميدا فليغض من عنان طرفه ولسانه ليسلم من الضرر او ما علمت وسمعت قول العقلاء :" من سرح ناظره أتعب خاطره، ومن كثرت لحظاته دامت حسراته وضاعت عليه اوقاته وفاضت عبراته وقول الناظم:
نظر العيون الى العيون هو الذي جعل الهلاك الى الفؤاد
ما زالت اللحظات تغزو قلبه حتى تشحَّط بينهن قتيلا
وقول الآخر:
تمتعتما يا مقلتي بنظرة واوردتما قلبي أمَّر الموارد
أعينيَّ كُفا عن فؤادي فإنه من الظلم سعي اثنين في قتل واحد
فقالت العين:
ظلمتني أولاً وآخراًوبؤت بإثمي باطنا وظاهرا وما انا الا رسولك الداعي إليك ورائدك الدال عليك، فأنت الملك المطاع ونحن الجنود والاتباع، اركبتني في حاجتك خيل البريد ثم اقبلت علي بالتهديد والوعيد، فلو أمرتني أن أغلق علي بابي وأرخي علي حجابي لسمعت وأطعت، ولما رعيت في الحمى ورتعت، أرسلتني الى صيد قد نصبت لك حبائله واشراكه واستدارت حولك فخاخه وشباكه، فغدوت أسيرا بعد أن كنت أميرا وأصبحت مملوكا بعد أن كنت مليكا .
هذا وقد حكم لي عليك سيد الأنام وأعدل الحكام عليه الصلاة والسلام حيث يقول :" إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".
ثم أما علمت أن الله سبحانه قد خص بالفوز والنعيم من أتاه بقلب سليم أي سليم مما سواه، ليس فيه غير حبه واتباع رضاه .
ثم اتبعت العين وقالت:وبين ذنبي وذنبك عند الناس كما بين عماي وعماك في القياس.
وقد قال من بيده أزمة الأمور (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)الحج-46.
فلما سمعت الكبدتحاورهما الكلام وتناولهما الخصام قالت: أنتما على هلاكي تساعدتما وعلى قتلي تعاونتما ولقد أنصف من حكى مناظرتكما وعلى لساني متظلما منكما:
يقول طرفي لقلبي هجت لي سقما والعين تزعم أن القلب أنكـــــاها
والجسم يشــــهد أن العين كاذبــة وهي التي هيجت للقلب بلواها
لولا العيون وما يجنين من ســـقم ما كنت مطرحا من بعض قتلاها
فقـــالت الكبدالمظـلومة اتئــدا قطـعتماني وما راقبـتما الله
ثم قالت: أنا أتولى الحكم بينكما ، أنتما في البلية شريكا عنان، كما أنكما في اللذة والمسرة فرسا رهان، فالعين تلتذ والقلب يتمنى ويشتهي ولهذا قال فيكما القائل:
ولما سلوت الحب بشر ناظري لقلبي فقال القـلب لي ولك الـهنا
تخلصت من إحياء ليلك ساهرا وخلصتني من لوعة الهجر والضنا
كلانا مُهنّأ بالبقاء فإن تــعد فلا أنت يبـــقيك الغرام ولا أنا
وإن لم تدرككما عناية مقلب القلوب والأبصار، والا فما لك من قرة ولا للقلب من قرار ، قال الشاعر:
فو الله ما ادري نفسي الومها - على الحب أم عيني المشومة أم قلبي
فإن لمت قلبي قال لي العين ابصرت - وإن لمت عيني قالت الذنب للقلب
فعيني وقلبي قد تقاسمتما دمي - فيا رب كن عونا على العين والقلب
ثم ختمت الكبد بقولها: والحاكم بينكما الذي يحكم بين الروح والجسد اذا اختصما بين يديه فإن في الأثر المشهور: لا تزال الخصومة يوم القيامة بين الخلائق حتى تختصم الروح والجسد فيقول الجسد للروح: أنت التي حركتني وأمرتني وصرفتني، والا فأنا لم أكن أتحرك ولا أفعل بدونك، فتقول الروح له : وأنت الذي أكلت وشربت وباشرت وتنعمت فأنت الذي تستحق العقوبة فيرسل الله سبحانه اليهما ملكا يحكم بينهما فيقول : مثلكما مثل مقعد بصير وأعمى يمشي دخلا بستانا فقال المقعد للأعمى: أنا أرى ما فيه من الثمار ولكن لا أستطيع القيام وقال الأعمى: أنا أستطيع القيام ولكن لا أبصر شيئا فقال له المقعد: تعال فاحملني فأنت تمشي وأنا أتناول فعلى من تكون العقوبة؟ فيقول عليهما، قالت الكبد: فكذلك أنتما".
· فمهما اختلف الزمان وتغير المكان فيظل الانسان هو الانسان لا فارق بين الاناث والذكران، فقد اودع الله في كل منهما الغريزة والميلان، ان هما ضبطاها وهذباها كانا كملائكة الرحمن، وان أطلقا لها العنان كانا أسوأ من الشيطان، ومصيرهما النيران ،فلا تقل هي ولا تقولي هو بل قولا كما قال آدم وحواء ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)
الموضوع الاصلي
من روعة الكون