الكاتب والباحث/ احمد محمود القاسم
منذ أعوام الأربعينات والخمسينات، كان من الصعب جدا، أن تجد فتاة شابة تسير بالشوارع، كما تسير فيه فتيات هذه الأيام، سواء من حيث كثافة ما يضعنه من المكياج على وجون، أو من حيث ما يسببنه من الإثارة الزائدة، عن اللزوم لشباب اليوم، من خلال لبسهن للكثير من الملابس الحديثة، والتي تظهر الكثير من مفاتنهن، في كافة المواقع، سواء بالعمل أو بالأماكن العامة، كذلك من حيث لبسهن للأحذية ذات الكعب العالي، والتي يصدر عنها إيقاع موسيقي، مميز يشبه كثيرا، إيقاع أقدام الفرس، عندما تسير وتتبختر.
كان لملابس بعض الفتيات في الزمن الماضي، إذا ما كان لبسهن خارج عن المألوف، وعن العادات والتقاليد في تلك الأزمنة، ولو قيد أنملة، يثير الكثير من الشباب والناس بشكل عام، وكانت المرأة تستهجن اللباس قبل الرجل، والفتاة قبل الفتى.
لكل عقود من الزمن، شيئا ما يميزها عن غيرها من العقود، ومن الصعب جدا أن تتجاوز ما بها من تقاليد أو عادات، إلا بشكل تدريجي، ومع مرور الوقت الكافي لذلك.
حتى التطور بشكل عام بالمجتمعات، لا يمكن أن يتم بشكل مضطرد ومتصل، بل يتم بشكل تدريجي، وبشكل لولبي، لان التطور قد يصاب بفترات من الجمود أحيانا، وأحيانا أخرى يتراجع خطوة إلى الوراء من اجل أن يتقدم خطوتين إلى الأمام.
عندما كانت الفتاة تخطب من والديها بالماضي، كان الوالدين يستكثرا على ابنتهم سؤالها أو استئذانها، فكان الوالدين، وخاصة الوالد يبت بالأمر بسرعة، وبشكل قاطع ومانع، سواء بالرفض أو القبول، ولا يعطي الفرصة لأحد أن يبدي رأيه بالأمر، لأن السيادة كانت تقريبا للرجل بالمطلق، وكان بعض الآباء المثقفين نسبيا يكتفوا بسؤال ابنتهم عن الموافقة من عدمها، وفي كل الأحوال، فان مثل هذه الأمور، يكون مبثوثا في أمرها سواء قبلت الفتاة أو لم تقبل بالعريس، لأن الفتاة تكون خجولة، ولا تستطيع الرفض أو القبول، فكانوا يعتبروا سكوتها علامة الرضا، سواء كانت الفتاة قابلة أو رافضة، وكانوا يعتبروا رفضها مستهجنا فيما لو حصل ورفضت العرض، وإذا ما تم الرفض، فان أول من يتبلغ فيه هي الأم، والتي بدورها تنقله إلى زوجها بخطوات تدريجية خجولة، لان رفض الفتاة لموافقة الوالد يعتر خروجا عن المألوف والتقاليد والعادات.
الشخص المتفهم لطبيعة تركيب الأنثى فسيولوجيا وسيكولوجيا، يعلم كل العلم، بأنة لا يوجد فرق بين الذكر والأنثى من حيث الرغبات والحاجات الفسيولوجية لكل منهما، فالذكر والأنثى، كلاهما يشعران بالجوع والعطش والحب والكره والإعجاب وبالأحلام الوردية.
كان الشاب بالزمن الماضي، يستطيع أن يصرح بكل ما يجول في خاطره من أحلام وأماني وطموحات تراود نفسه، سواء لأهله أو لأصدقائه، أما الفتاة الشابة، بشكل عام، فكانت لا تستطيع أن تبوح فيما يجول في خاطرها من أحلام وأماني، أو من الحب أو الكره، إلا في أضيق الحدود، والى الأشخاص القريبين جدا منها، كالأم أو الأخوات، أو بعض الصديقات، لأن الممنوعات بالغالب، لا تطبق إلا على الأنثى منذ قديم الزمان.
تغيرت الكثير من الأشياء في العصر الحالي، منذ مدة وجيزة، حدث نقاش بيني وبين شابة قريبة لي، وهي على مستوى جيد من التعليم:
قالت: " لماذا الشاب بوقتنا الحاضر من حقه ان يبحث لنفسه عن شريكة لحياته ؟ وليس من حقي أنا أن ابحث لنفسي عن شاب ليكون شريكا لحياتي ؟ “ وتابعت تقول: " ما فيش حد، أحسن من حد، لنا ما لهم، وعلينا ما عليهم، المساواة يجب أن تكون بالحقوق والواجبات، ولماذا الوالدة أيضا تبحث لأبنها عن زوجة مناسبة له، ولا يبحث الأب عن زوج مناسب لأبنته.؟
صديق لي يصارحني كثيرا، ولأن بيننا الكثير من الود والثقة، قال لي ذات يوم بأن ابنته بعدما أنهت دراسة التوجيهي، قالت له بأنها الآن تريد زوجا، وعندما قال لها بأنه عليها أن تستكمل دراستها الجامعية أولا، قالت له بأنها هي تكتفي بما حصلت عليه من العلم لغاية الآن، وعليه أن يعطي العلم والتعليم لغيرها، وتابع يقول، بأن لسانه تعقد، ولم يعرف كيف يرد عليها إلا بكلمة مختصرة جدا حيث قال لها:" عندما يصير في نصيب، فلا مانع لدي من ذلك " وطلب منها أن تتابع دراستها الجامعية إلى أن يأتي النصيب، وعندما يأتي فلن يرفض طلبه.
تمعنت في كلام صديقي كثيرا، وقلت في نفسي، ماذا بمكاني أن افعل لو كنت مكانه ؟
وكانت ابنتي لا تريد أن تستكمل دراستها الجامعية، وطلبت مني أن أفتش لها عن عريس مناسب لها !هل أستطيع أن اقنع نفسي بموقفها هذا ؟ وأقول لها بكل شجاعة وصدق بأنني سأبحث لها عن زوج مناسب، وأرجو إعطائي مهلة لمدة أسبوع أو أسبوعين، وأرجو التمهل والانتظار، وحتى لو كنت املك الشجاعة لأقول لها مثل هذا الكلام، فما هي الطريقة التي يمكنني أن ابحث لها بها عن عريس مناسب، هل اعرض طلبها هذا على الأهل والأقرباء والأصدقاء ؟ أم هل أعلن بالجرائد والصحف والمجلات المحلية، على صدر صفحاتها، بإعلان يقول: " فتاة شابة تطلب زوجا،
مواصفاتها كذا وكذا -----" اعتقد أن مثل هذا الإعلان قد يلقى الكثير من الردود الايجابية، لو أن هذا الإعلان يتضمن “ بأن الفتاة جميلة جدا، ومن أسرة غنية جدا أيضا، وتستطيع المساهمة في كل شيء " ولكن ما هو الموقف لو أن الفتاة غير جميلة بما فيه الكفاية والأسرة مش على قد الحال. ؟
بدأ الموضوع يتفاعل في ذهني وتفكيري كثيرا لحد القلق، ومع قناعتي بأن لكل فتاة الحق بان تجد عريسا مناسبا لها، وان يكون لها زوجا، وانه يمكن تحقيق مثل هذا الزواج بهذه الطريقة لدى الكثير من الأسر المنفتحة، ولكن ماذا عن الأسر المحافظة والمستورة والتي لا تجرؤ على البوح في مثل هذه المواضيع.؟
ثم ما هو الموقف الذي سيكون عليه الوضع، فيما لو حاول الوالد عرض ابنته على بعض الأصدقاء الذين لديهم شباب في سن الزواج ؟
وما هو المتوقع أن يجول في خاطرهم من تكهنات وأمور، في مثل "هيك عرض أو طلب، "هل تضمن بأنهم لن يقولوا " بان هذا الأب باين عليه تجنن، وبدأ يدلل على ابنته بالزواج، أو انه يود أن يبيع ابنته، حتى يكسب من ورائها شوية فلوس ؟
هناك الكثير من ألقال والقيل، يمكنك أن تتخيلها بنفسك.
أما فيما لو تذكرت بعض الأقارب، ممن قد يكون لديهم شابا في سن الزواج، فأول ما يتبادر إلى ذهنك المثل الشعبي الذي يقول " الأقارب عقارب " و (ابعد تحلى)، وعندها ستبتعد عنهم كثيرا ولن تفكر بالاقتراب منهم. مرة أخرى فكرت بالموضوع وقلت لنفسي، بأنني لست معنيا بالأمر، ولماذا استنزف تفكيري بمثل هيك موضوع، وأخيرا قلت فعلا "
بنات آخر زمن "
الموضوع الاصلي
من روعة الكون