بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
برنامج عملي لأمر الأولاد بالصلاة
أرأيت لو كان بين يديك غراس غضّ، فتعاهدته بالسقي ماءً نقياً، والعناية والاهتمام شعوراً حياً، فنمت هذه النبتة وترعرعت، واشتد سوقها وسمق عودها، هل يمكن أن تكون غير شجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها للناس أجمعين؟!
وهكذا هو الولد، إن سقيته منذ فجر طفولته المشرق بأحسن الآداب وسامي الفضائل، وتعاهدته بحسن التربية دون دلال أو غلظة، فإنه سيشب امرأ صالحاً قوياً، عابداً تقياً، نافعاً لنفسه ولأهله وللناس، فيعيش طيباً ببره، ويمضي حميداً بذكره..
يقول الله تعالى: 'قوا أنفسكم وأهليكم نارا..'، ويفسر ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أي علموا أنفسكم وأهليكم الخير..
وهذا نهج الأنبياء والمرسلين، فلقد دعا نوح عليه السلام ابنه إلى الإيمان، ووصى إبراهيم عليه السلام بنيه بعبادة الله وحده، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - أستاذ المربين وسيد المؤدبين - يحمل الوالدين مسؤولية تربية الأبناء مسؤولية كاملة، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 'كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها..' متفق عليه.
عمود التربية
وخير ما يُربّى عليه الأبناء، فيحسّن أخلاقهم ويقوي إيمانهم، وينهاهم عن الفحشاء والمنكر، ويحفزهم إلى الخير والمعروف، هو الصلاة؛ فهي مناجاة العبد لربه، وسؤاله الإعانة والهدى والغفران والسلام.
ونحن هنا، نود أن نسلط الضوء على دور الأم خاصة في أمر أبنائها بالصلاة، سواء الصبيان بصلاة الجماعة، أو البنات في دورهن؛ إذ قرب الأم من أبنائها وطيد بحكم مكثها في البيت أكثر من الأب، وتوليها مهمة العناية بالصغار والنظر في شؤونهم، فكان عليها العبء الأكبر في التربية والتوجيه والإرشاد.
يقول الله تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)، فحمل المسؤول واجب أمر رعيته بالصلاة، وعطف على ذلك الوصية بالصبر؛ لأن الأمر بالصلاة يحتاج إلى مداومة ومشقة وحرص، كما هو ظاهر؛ إذ يشتكي كثير من الأسر الفاضلة من تهاون أبنائهم بالصلاة ومشقة أمرهم بها، وخاصة صلاة الجماعة، وهذه في الحقيقة مشكلة، ولكل مشكلة حل بإذن الله.
منذ البداية
أولاً: التزمي السنة في أمر أبنائك بالصلاة، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: 'مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر'، فلا يمكن أن تأمري ابنك وهو في المرحلة المتوسطة بالصلاة لأول مرة، ثم تأملي أن يحافظ عليها بين عشية وضحاها!
أيتها الأم الفاضلة، إن الطفل ليألف منظرك وأنت تقومين وتركعين، وتسجدين وتناجين وهو قبل السابعة، كما يتوق الطفل لمصاحبة أبيه إلى المسجد، ويعرف شكل المسجد من غيره، فأخبريه كلما مررتم به أن هذا هو المكان الذي سيذهب إليه إن شاء الله بصحبة أبيه إذا أتم السابعة من عمره ، وأنه بيت الله، ويحب الله من يحافظ على الصلاة فيه، واتخذي للبنت كذلك سجادة وخماراً، فتألف زي الصلاة وتتوق إلى أدائها والمحافظة عليها.
وحين يتم الطفل السابعة، كوني أنت وأبوه مستعدين لاجتماع معه، حدثاه حديث الكبير للكبير، عن فضل الصلاة وعظيم أجر المحافظة عليها، وطيب ثمارها في الدارين، وثواب الوضوء والمشي إلى المساجد، وصلاة الجماعة والصف الأول، فمعرفة الفضل تحفز النفس كثيراً إلى فعل الخير، لكن الأمر المجرد (صلّ!) بلا دعاء ولا رحمة ولا حكمة ولا موعظة، ينفّر الطفل، خاصة مع صعوبة استمرار الطفل على نمط معين من السلوك دون تحفيز وتشويق.
الله أكبر
وحين ينادي المؤذن للصلاة، يكون ذلك إيذاناً بانتهاء كل ما في اليد من الأعمال والقيام فوراً للصلاة، فالله أكبر من كل شيء، فينفضّ المجلس ويُقفل جهاز التلفاز ونحوه، ويُرفع الطعام، فلا يكن ثمة شيء من الملهيات تصدّ الطفل عن الصلاة.
كما أنه من الطيّب تعويد الطفل على تعليق ثوبه ووضع حذائه دائماً في مكان معين، حتى لا يضيع الوقت دائماًً في كيّ الثوب والبحث عن الحذاء (!)، فيهبّ الطفل إلى الوضوء والخروج باكراً إلى المسجد.
دعي طفلك يتخيل الأجر الكبير في طريقه إلى المسجد، الحاصل من خطوات الذهاب إليه، فهذا مما يدخل السرور على نفسه لهذا الإنجاز الذي يؤديه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: 'صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلاّ الصلاة، لم يخط خطوة إلاّ رُفعت له بها درجة، وحُطّت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، تقول: اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة' متفق عليه.
علم وعمل
وعلى الوالدين كذلك تعليم الابن أحكام المسجد وآدابه منذ صغره، كوجوب تسوية الصفوف، وأحكام صلاة الجماعة والجمعة، وتحية المسجد، والوقار والأدب وترك العبث واللهو داخل المسجد، بأسلوب مبسط عملي قريب من إدراكه.
ولا تنسي أن لدعائك ودعاء والده أهمية عظمى في صلاحه، فدعاؤكما أحرى أن يُجاب ويُقبل، فألحّي على الله في كل حين بالدعاء لصغيركما بالهداية والصلاح والبر والتقوى، وأسمعي صغيرك دعواتك الطيبات؛ فإن لذلك أثراً في رقة قلبه وثقته بنفسه والأنس بدعائك من أجله.
وليكن الضرب آخر العلاج، فإنك لو تأمّلت قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر به إلاّ بعد ثلاث سنين من الأمر الدؤوب والتربية والتعويد، برحمة ولطف ودون غلظة وعنف، فإذا شبّ عوده على الأمر بالصلاة، ثم عصى وأهمل، احتاج إلى تقويم وشدة ليهتم ويأخذ الكتاب بقوة، والضرب هنا هو ضرب خفيف للتأديب والتقويم، ولا بد أن يكون بعد النصح والموعظة.
وليعلم الوالدان أن الصراخ والتعنيف والغلظة، هي من باب العقاب الذي لا يصلح للأمر بالصلاة؛ إذ لا يستقيم بها الحال ولا تورث إلاّ عناداً وعصياناً وكرهاً للصلاة، بل ربما أفرط فيهما الآباء فسبوا وشتموا ودعوا على أبنائهم، من أجل ذلك!
وماذا عن البنات؟
ولا يعني عدم وجوب صلاة الجماعة على الفتيات، التهاون في أدائها وعدم المبالاة بوقتها، حتى ينقرن الصلاة أحياناً بعد خروج الوقت، خاصة صلاة الفجر والعصر والعشاء، بل عوديهن منذ صغرهن على الصلاة في أول الوقت، مذكرة إياهن بأن ذلك من أحب الأعمال إلى الله تعالى، والصلاة أول الوقت تهب ساعات يومهن بركة عظيمة فينجزن فيه أعمالاً عديدة مفيدة، بسكينة وراحة بال.
اتخذي لكل صغيرة خمارها الخاص، واعتني به وطيّبيه، وعوّديها على لفّه عند الانتهاء واحترامه، ولتكن صلاتهن في مكان معين، فهذا مما يدفع بالنفس إلى التركيز والخشوع، فيكون شأن الصلاة في نفوسهن معظماً مقدساً.
وكما عوّدت صغارك على الصلاة المكتوبة، يمكنك أن تعوّديهم على السنن الراتبة وركعة الوتر وركعتي الضحى، فهذا ليس بالأمر العسير إن شاء الله، وكم من أهل فضلاء عودوا صغارهم على الاعتناء بشأن النافلة فشبّوا وهم لا يدعونها في ليل أو نهار، ويلهجون بالدعاء لوالديهم، أن بذروا في نفوسهم الحرص على الطاعة والرغبة في القربات..
المكافأة..
هي أسلوب تربوي رائع ناجع، فهي تحبب الابن في السلوك الإيجابي، وتشعره بالثقة في نفسه والسعادة، والرغبة في معاودة السلوك مرة أخرى..
وفي تربية الأبناء على الصلاة، يمكن اتخاذ المكافأة طريقاً ميسوراً لذلك، فيتم عمل جدول يضم أيام الأسبوع، وفي كل يوم عدد الصلوات، فإن قام بها الابن في أول وقتها وأحسن وضوءها وأركانها، وُضعت له الدرجة العالية، وإن قصر فينقص بحسب تقصيره، وفي آخر الأسبوع تتم مكافأة كل ابن حسب درجاته..
وبعد أن يعتاد الأبناء على الصلاة، يُخفف الجدول ليكون كل شهر، ثم كل شهرين، ثم يمكن الاستغناء عنه حين يتم فهم أن التنافس الحق هو في الأجر من الله تعالى، فمعنى المكافأة يعين الأبناء على تصور مفهوم الأجر، الموصول بطيب الحياة في الدنيا، وانشراح الصدر وصلاح النية والطوية.
المكافأة يمكن أن تتنوع بين نزهة، أو هدية مادية، أو معنوية، وغير ذلك، كما يمكن الرجوع إلى المكافأة كلّما لمست من صغارك كسلاً أو فتوراً..
وهي فكرة مجدية أيضاً لمعلمات الصفوف الابتدائية، كي يتم إعداد الجدول وتوزيعه على الطالبات الصغيرات، ليقوم أهلوهم بمتابعته معهم.
تجربة أم صالح
أم صالح أم فاضلة لعدد من الفتيان، يبلغ عمر أصغرهم أربعة عشر عاماً، لها تجربة فريدة في أمرهم بالصلاة ومحافظتهم عليها، حتى كبروا وشبّوا على الحرص على أدائها في وقتها بالمسجد.
تحكي لنا تجربتها فتقول: يذهب أبنائي منذ صغرهم إلى المسجد مع والدهم، حتى يألفوا صلاة الجماعة وصفوفها والقراءة والسجود والركوع، حتى إذا بلغوا السابعة صار الأمر عليهم سهلاً، فيلتزمون بالذهاب حتى في صلاة الفجر إلى المسجد ولله الحمد.
لا ينبغي أن يتساهل الوالدان أبداً في شأن الصلاة؛ فقضية أن يأمر الوالدان ابنهما ببعض الفروض دون بعض، يجعل أمر الصلاة في نفسه هيناً يمكن التساهل فيه وتركها بعض الأحيان، لكن أخذ الأمر بجدية وصرامة وحرص، يجعل الابن يستشعر حقاً المنزلة العظيمة للصلاة ووجوب المحافظة عليها في وقتها.
يؤسفني أن بعض الأمهات لا يأمرن أولادهن بالصلاة إلا قليلاً، فلا يكفي الأمر فقط في البداية، بل لابد من المتابعة والاستمرار حتى تتأكد من خروجه من البيت، وللأسف بعض الأمهات يتركن أبناءهن إذا كانوا نائمين فلا يأمرونهم بالصلاة شفقة بهم، أفتشفقون عليهم في الدنيا ولا ترحمونهم من عذاب الآخرة؟ إن من شبّ على شيء شاب عليه!
تحمد أم صالح ربها، أن أبناءها الآن يحرصون من تلقاء أنفسهم على الخروج إلى الصلاة والمحافظة عليها جماعة في المسجد، وقلّما تفوتهم الصلاة إلا لعذر، وإن حصل بدا عليهم الندم الشديد على تفريطهم.
وعلى الرغم من ذلك، تستمر أم صالح في متابعتها لهم والحرص على إيقاظهم والتأكد من خروجهم للصلاة، فقد يفتر المرء في بعض الأحيان، ولا بد أن يكون حوله من ينبّ إذا غفل ويذكّره إذا نسي.
وفي الحقيقة، تنسب أم صالح الفضل لله وحده في هداية أبنائها، وبعد ذلك، تذكر دور والدهم الكبير في تنشئتهم على الحرص على الصلاة؛ إذ لا يخرج إلى صلاة الجماعة إلا وهم جميعهم معه، وإذا كان موجوداً تولّى جانباً كبيراً من المهمة، أما في حال غيابه فتتولى أم صالح هذا الواجب؛ لأنه مسؤولية الوالدين جميعاً.
وتختم حديثها لنا بذكر موقف جميل، حيث كانت مرة في زيارة لأقاربها، فحان وقت الصلاة، ولم يقم أحد بإخراج الفتيان إلى الصلاة، وقلبها يكاد يحترق مما ترى من إهمال الأمهات لأولادهن، إلاّ من أمر يتيم بصوت فاتر: الصلاة!، فلم تجد أم صالح بداً من أن تقوم بنفسها إلى غرفة أولاد أقاربها- وهم دون العاشرة - وتغلق عنهم ما كان يشغلهم، وتشرف على وضوئهم وخروجهم بنفسها!
نسأل الله تعالى، أن يهدي الأبناء ويصلح الذرية، ويعين كل والديْن مخلصيْن على تربية أبنائهم على الخير والصلاح، وعلى حب الصلاة والتزود من الطاعات..
الله يحفظ أولاد المسلمين
ولكم تحيااااااااااااتي.........
اختكم:بنوته شقيه
الموضوع الاصلي
من روعة الكون