يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الأنعام: “وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُر فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ
عَلَى كُل شَيْءٍ قَدُيرٌ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ” (الآيتان: 17 18). يوضح الحق سبحانه وتعالى في
هاتين الآيتين أنه وحده الذي يملك الضر والنفع للإنسان، وأنه هو المتصرف في خلقه بما يشاء، لا معقب لحكمه ولا
راد لقضائه.
تحت سلطان الله
والضر كما يقول الفخر الرازي في تفسيره : اسم للألم والحزن والخوف وما يفضي إليهما أو إلى أحدهما.. والخير اسم لكل ما كان فيه منفعة أو مصلحة حاضرة أو مستقبلة.
والمعنى: إن الناس جميعا تحت سلطان الله وقدرته، فما يصيبهم من ضر كمرض وتعب وحزن اقتضته سنة الله في هذه الحياة فلا كاشف له إلا هو، وما يصيبهم من خير كصحة وغنى وقوة وجاه فهو سبحانه قادر على حفظه عليهم وإيقافه لهم، لأنه على كل شيء قدير.
والخطاب في الآية يصح أن يكون موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتقويته في دعوته، وتثبيته أمام كيد الأعداء وأذاهم، كما يصح أن يكون لكل مَن هو أهل للخطاب.
حول معنى الآية الأولى يقول الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار: من دقائق بلاغة القرآن المعجزة تجري الحقائق بأوجز العبارات وأجمعها لمحاسن الكلام مع مخالفته بعضها في بادئ الرأي لما هو الأصل في التعبير، كالمقابلة هنا بين الضر والخير، وإنما مقابل الضر النفع ومقابل الخير الشر، والمراد من المقابلة أن الضر من الله ليس شرا في الحقيقة بل هو تربية واختبار للعبد يستفيد به مَن هو أهل للاستفادة أخلاقا وأدبا وعلما وخبرة، وقد بدأ بذكر الضر لأن كشفه مقدم على نيل مقابله.
سلامة العقيدة
وفي معنى قوله عز وجل: “وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُر فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَديرٌ” جاءت آيات أخرى منها قوله تعالى: “مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلناسِ مِن رحْمَةٍ فلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”، (فاطر: 2).
وفي الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: “اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد”.
حول معنى هذه الآية الكريمة يقول الدكتور عبد الله شحاتة في تفسيره للقرآن الكريم: الآية أصل في سلامة العقيدة وحسن اليقين، وصدق الإيمان والثقة بأن الله هو النافع وهو الضار، فلا يجوز أن يلجأ الإنسان إلى الشفعاء والوسطاء والمتكهنة والأولياء، بل يسأل الله تعالى وحده ويخلص في الدعاء، ويأخذ في الأسباب التي تعين على دفع الضر وجلب الخير.
روى الترمذي وقال: حديث حسن صحيح عن ابن عباس قال: “كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته فقال: يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف”.
ثم بيّن سبحانه كمال قدرته وعظيم سلطانه فقال: “وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ” أي: أنه كما قال ابن كثير في تفسيره: “هو الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الجباه، وعنت له الوجوه، وقهر كل شيء، ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه الأشياء، وتضاءلت بين يديه وتحت قهره وحكمه”.
منقول من جريدة الخليج
الإمارات
10-11-2006
الموضوع الاصلي
من روعة الكون