--------------------------------------------------------------------------------
في غير أوانه تذكرته فجأة، ودون وعي أو مناسبة، وجدتني أكتب على الورق "المسحراتي"، ولما علت الدهشة وجهي من فعلتي، تذكرت بهجة الفاكهة في غير أوانها تثير انتباهنا وتشد اهتمامنا أكثر بكثير من مواسمها.
يأتي المسحراتي في ليل رمضان –يفصلنا عنه شهور الآن- هدفه أن يصحينا، مع أننا نكون قد سبقناه بالصحيان، انتظارًا للقادم يصحينا!! بكل الطقس المصاحب لقدومه يذهب عنا بقايا النوم العالقة في داخل الجفون، نقر الطبل وذكر الله ونشيده بأسماء كل واحد منا..، صنعته مسحراتي في البلد جوال.
ليس للمسحراتي طلقة نار يطلقها كمدفع الإفطار، وليس له فورة خطيب المنبر، ولا شجن المطربين، ومع ذلك يوقظنا ويشد انتباهنا كل ليلة على تكرار ما يفعل دون إملال ولا تطويل، هو في الليل كالنجم القطبي يهتدي به السائرون؛ لأنه بالنسبة للأرض ثابت في موضعه..
الآن عرفت من استدعاه لذهني (المسحراتي)، تلك الحاجة لليقظة وتفقد علامات الطريق، عندما تلتفت حولك فتفقد دليل العلامة، وعندما تطول ظلمة الليل على غير العادة، تتبدل الأشخاص والنجوم والزمن والعلامات، وأنت في مرقدك تنتظر المسحراتي من داخلك يوقظك لتنتبه، وتدرك الغث من السمين، وتعرف طريق اليقين من سبيل المفسدين، هو الإحساس بالحاجة للرفق والرفقة والتثبت مما نفعل ليل نهار في أي ميزان هو وبأي مكيال يقاس.
فمنذ أسابيع وأنا أتابع أحداثًا وأتفقد ناسًا، مهرجانات ومؤتمرات ولقاءات ومحادثات..، وداخلي يتردد السؤال إذا كان كل ما يجري جله لا يسر ومعظمه –في تقديري- مضر، فهل أكون وحدي المستنير بالنجم اللامع في نهاية الدرب، وأعود لمقعدي ليوقظني المسحراتي بداخلي قائلاً: إن ضجيج الناس وتلك الحركة الثقافية التي تنشط في أنحاء العرب ولا يعجبك كثير منها هي بالفعل لا تسر، وما دمت تزن الأمر بمرجعيته وثوابته، وما دام الجمال محتفظًا بتعريفه القديم، والحق والخير والفضيلة والحياء، مازالت تحمل اسم المكارم، فإن محاولات إعادة تعريف الفضائل والمعاني وتفريغها من مضمونها وأصولها تارة حداثة، ومرة ما بعدها، وثالثة تفكيك، هي كطبل الموالد وأفراح الشوارع، ضجيج لا يدوم، وليست كنقر المسحراتي توقظ النيام وقت السحر لصلاة الفجر.
الموضوع الاصلي
من روعة الكون