خيرات الشهر الكريم
الحمد لله الذي جعل شهر رمضان شهراً لزيادة الحسنات ومغفرة السيئات، الحمد لله الذي جعل شهر رمضان سبباً لدخول دار الدرجات والنجاة من بيت الدركات، والصلاة والسلام على من بعثه ربه رحمة للعالمين وسراجاً منيراً محمد بن عبدالله _صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً_ . أمابعد:
فإن لك عمل آثاره ولكل أثر بصمته، ولكن رمضان له بصمات كثيرة، يبقى أثرها على قلب المسلم واضحاً، وأنت –ياعبدالله- لاشك أن لك نصيب من هذه البصمات الرمضانية كما أن للأمة جمعاء نصيب منها.
ومن هذه البصمات التي يتركها هذا الشهر الفضيل، وينبغي أن تكون مطبوعة على قلب من زاره مايلي:
البصمة الأولى
تعلق القلب بالله، والانقياد التام له.
ولعلك تلحظ في هذا الشهر الفضيل ترقب الناس لظهور هلاله وحرصهم على ذلك وتسمع الأخبار، ويقينهم التام بأن ثبوت الشهر لايتم إلاّ بأمر رباني لا دخل للبشر فيه، لا واسطة فيه أوشفاعة تدخله، ولا تأثير من حاكم أو محكوم أو رئيس أو مرؤوس بتغيير موعد ثبوته، ولا شك أن في ذلك تربية للأمة على التعلق بالله –سبحانه وتعالى- بل إن كثيراً من العامة لايعلم ما الحِكَم من صيامه، ومع ذلك تجد انقياداً تاماً لأمر الله –جل وعلا– بلا مناقشة أو سؤال، ولم نعهد أن أحداً قال: إذا لم أعلم الحكمة من الصيام أوأعرف فوائده الصحيحة والاجتماعية و... فلن أصوم ؟ لا ، إلا من طمس الله على قلبه والعياذ بالله_._
البصمة الثانية
الدقة في العمل والتربية على النظام والحذر من الخلل، أما ترى الحرص الشديد عند الصائم ألاّ يدخل في جوفه شيء، بل وترى كثرة السائلين، فهذا يقول : هل معجون الأسنان يفطر؟ وهذا يسأل: ماحكم بلع الصائم البلغم ؟ وذاك يسأل: هل تحدث المرء بكلام حرام في نهار رمضان يفسد صومه؟ وآخر يقول: ثار علي غبار، فما الحكم؟ وغيره يسأل ماحكم شم الطيب للصائم ؟ وهكذا حرص عجيب، ودقة متناهية.
وإذا أجريت تحقيقاً وفتشت عن السبب وجدت البصمات الرمضانية!
تخيل لو أن أحدهم أتى شيئاً من المفطرات قبل دخول وقت المغرب بدقائق متعمداً ما حكم صيامه؟
إذن فرمضان يربي الصائمين على الدقة والانضباط، ويعرفهم قيمة الدقيقة، فلا تعجب من سؤالاتهم الدقيقة وانضباطهم العجيب.
البصمة الثالثة
الصبر ، كان قبل رمضان يأكل ما يريد ويترك مايريد، ولو تأخر الطعام خمس دقائق لتغير حاله واضطربت أركانه وساء خلقه، وربما أقام البيت ولم يقعده!
أما في رمضان فيتغير الحال، فهاهو المسلم الصائم ملتزم بما أمر الله به، متجنب ما نهاه الله عنه، صابر عن المفطرات كلها.
البصمة الرابعة
محبة الطاعة والأنس بها، وقد يستمر أثر هذه البصمة طوال الحياة، فإن المرء عندما يداوم شهراً كاملاً على الصلاة والذكر وقراءة القرآن وإطعام الطعام وملازمة بيوت الله، حري به أن يتعلق قلبه بهذه الطاعات ويأنس بها .
البصمة الخامسة
تآلف القلوب، هذا المسلم عندما يلتقي بإخوانه في بيوت الله ، وعندما يتشاركون في المطعم الواحد، بل ويتسابقون لخدمة إخوان لهم في الدين لايربطهم بهم نسب، بل هم غرباء، البلاد مختلفة واللغات مختلفة، ولم يجمعهم ويألف بينهم إلا دين واحد ألا وهو الإسلام.
وكذلك عندما يزور الصائم بيت الله الحرام ويشاهد الملايين من المصلين متجهين إلى قبلة واحدة ويرجون رباً واحداً.
وعندما يشارك في مشاريع الخير من أمثال تفطير الصائمين المنتشرة في كثير من البلاد _زادها الله ونفع بها_بإقبال منه ومحبة للخير.
كل هذه وغيرها تؤثر في جمع شمل المسلمين، وتأليف قلوب الصائمين، وتنمية أغصان المحبة بين المؤمنين.
نعم ، هذه بصمات خمس تتركها الكف الرمضانية، ولكنها ليست كل بصماتها، t على واني علىيقين تام من أن لرمضان آثاره العظيمة علمنا منها بعضها ولم نعلم أكثرها، ولو فتشت في نفسك وعند من حولك فستجد يقيناً بصمات رمضانية أخرى، نسأل الله _سبحانه وتعالى_ أن يجعله شهر خير وعز للإسلام والمسلمين، وأن يجعل لنا من آثاره الطيبة أعظم الحظ والنصيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين
.لا يتم صيامك الا بسته أمور
ربّما البعض يقول : نعرفها .. ولكن أين من يعرف الخير ويُطبّقه ويجاهد نفسه ؟!؟!
إن تمام الصوم وكماله، وكلكم يطلب ذلك، لا يتم إلا بستة أمور:-
& & & & & & & & & & & &
الأول: غض البصر وكفه عن الإتساع في النظر إلى كل ما يحرم ويذم ويكره.
قال الله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن .
وعن جرير بن عبدالله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال: ((اصرف بصرك)) رواه مسلم.
فحذار ثم حذار أخي الصائم من فضول النظر، فضلاً عن النظر إلى شيطان العصر، الذي أخذ بلب العاقل قبل الساذج. وهو التلفاز.
لا تجرح يا أخي صومك، ولا تنقص من أجرك فليس هذا عمل من يطلب لصيامه التمام والكمال.
ماذا يعرض التلفاز؟ يكفي ما فيه من فتن المارقات الماجنات، السافرات العاصيات.
يكفي ما يُثار من غرائز في صدور الرجال. نظرات خائنة، وغمزات جائعة، وتكشف وعري، وتفسخ بذئ، ونزول إلى درجة البهيمية.
لواحظنا تجنى ولا علم عندها وأنفسنا مأخـوذة بالجرائـر
ولم أر أغبى من نفوس عفائف تصدق أخبار العيون الفواجر
ومن كانت الأجفان حُجّاب قلبه أذِنّ على أحشائه بالفواقــر
ماذا جنيت يا أخي الصائم في إطلاق نظرك في الصور المعروضة، هل زادت حسناتك، هل زاد إيمانك، هل تعلمت علماً يقربك إلى الجنة ويباعدك عن النار؟
أظن الجواب هو عكس ذلك كله، وأنت أدرى بنفسك من غيرك بك.
اتعظ يا أخي ببعض أخبار من مضى، وإليك هذا الخبر.
قال أبو الأديان: كنت مع استاذي أبي بكر الدقاق، فمّر حدث فنظرت إليه، فرآني أستاذي وأنا أنظر إليه، فقال: يا بني لتجدّن غِبها ولو بعد حين. يقول: فبقيت عشرين سنة وأنا أراعي الغِبّ، فنمت ليلة وأنا متفكر فيه، فأصبحت وقد نسيت القرآن كله.
فهل تريد يا أخي أن تجد حسرة هذه النظرات ولو بعد حين، فتفقد شيء من إيمانك أو حسنتاك عند لقاء ربك، والسبب النظر في التلفاز.
فقل للناظرين إلى المشتهى في ديارهم، هذا أنموذج من دار قرارهم، فإن استعجل أطفال الهوى لمآلهم، فعدهم قرب الرحيل إلى ديارهم، قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم.
& & & & & & & & & & & &
الثاني: حفظ اللسان عن فضول الكلام والهذيان والخوض في الباطل والمراء والجدال والخصومة والكذب والنميمة والفحش والمراء والسب وبذاءة اللسان، والسخرية والإستهزاء. وإلزامه السكوت والصمت وشغله بذكر الله وتلاوة القرآن، فهذا صوم اللسان.
من أطلق عذبة اللسان، وأهمله وأرخى له العنان، سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار، إلى أن يضطره إلى البوار، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم.
قال محمد بن واسع لمالك بن دينار: يا أبا يحيى حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم.
تدبر يا عبدالله في قول الله تعالى: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد .
الكلام أربعة أقسام:
(1) قسم هو ضرر محض،(2) وقسم هو نفع محض.
(3)وقسم هو ضرر ومنفعة، (4) وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة.
فأما الذي هو ضرر محض فلابد من السكوت عنه، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة.
وأما مالا منفعة فيه ولا ضرر فهو فضول، والإشتغال به تضييع زمان، وهو عين الخسران.
فلا يبقى إلا القسم الرابع، وبذلك يكون سقط ثلاثة أرباع الكلام وبقي ربع، وهذا الربع فيه خطر إذ يمتزج بما فيه إثم من دقيق الرياء والتصنع، وتزكية النفس، وفضول الكلام، وفصل الخطاب قوله صلى الله عليه وسلم: ((من صمت نجا)).
روى البخاري في صحيحه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: ((كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُـنّـة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم)).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر)).
من هو هذا الرجل؟ وماذا فعل؟
قيل هو الذي يفطر على حرام، أو من يفطر على لحوم الناس بالغيبة أو من لا يحفظ جوارحه عن الآثام.
أما الفرض فقد سقط عنه، والذمة برأت، فلا يعاقب عقاب ترك العبادة، بل يعاتب أشد عتاب، حيث لم يرغب فيما عند ربه من الثواب.
& & & & & & & & & & & &
الأمر الثالث: لمن طلب تمام الصيام.
كف السمع عن الإصغاء إلى كل محرم ومكروه.
فكل ما حرم قوله، حرم الإصغاء إليه، ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى: سماعون للكذب أكّالون للسحت . .
وقال عز وجل: لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت .
اذا لم يكن في السمع من تصاون وفي بصري غض وفي منطقي صمتُ
فحظي إذاً من صومي الجوع والظما فإن قلت إني صمت يومي فما صمتُ
فيا من أطلق أذنه لسماع أصوات المزامير، وأصوات الغناء، اتق الله تعالى في نفسك، واتق الله في صومك، فليس هذا هو صوم الصالحين، وليس هذا من يطلب تمام صومه وكماله.
& & & & & & & & & & & &
الأمر الرابع: كف بقية الجوارح عن الآثام.
كف اليد والرجل عن المكاره، وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار، والحرام سُمّ مهلك للدين، والحلال دواء ينفع قليله، ويضر كثيره، وقصد الصوم تقليله
& & & & & & & & & & &
الأمر الخامس: أن لايستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار، بحيث يمتلئ جوفه، فما من وعاء أبغض إلى الله عز وجل من بطن ملئ من حلال.
وكيف يستفاد من الصوم، قهر عدو الله وكسر الشهوة، إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره، وربما يزيد عليه في ألوان الطعام حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان، فيؤكل من الأطعمة فيه مالا يؤكل في عدة أشهر.
ورقة القلب وصفاؤه إنما تكون بترك الشبع، قال الجنيد: يجعل أحدهم بينه وبين صدره مخلاة من الطعام، ويريد أن يجد حلاوة المناجاة.
من أكل كثيراً نام كثيراً، فخسر كثيراً، وفي كثرة النوم ضياع العمر وفوت التهجد، وإن تهجد لم يجد حلاوة العبادة.
& & & & & & & & & & & &
الأمر السادس: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً بين الخوف والرجاء. اذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين، أو يرد عليه فهو من الممقوتين. وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها.
مرّ الحسن البصري بقوم وهم يضحكون فقال :
إن الله عزوجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف قوم فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون، وخاب فيه المبطلون، أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
أنواع الصائمين فأي نوع أنت..!!
-فمن صام عن الطعام والشراب فصومه عادة.
-ومن صام عن الرباء والحرام وأفطر على الحلال من الطعام فصومه عدة وعبادة.
-ومن صام عن القبائح وأفطر على التوبة لعلام الغيوب فصومه صيام تقوى
- ومن صام عن الغيبة والنميمة وأفطر على تلاوة القرآن فهو صائم رشيد.
-ومن صام عن المنكر وأفطر على الفكرة والاعتبار فهو صائم سعيد.
-ومن صائم عن الذنوب والمعاصي وأفطر على طاعة الرحمن فصيامه رضا.
-ومن صام عن الرياء والانتقاص وأفطر على التواضع والإخلاص فهو صائم سالم.
-ومن صام عن خلاف النفس والهوى وأفطر على الشكر والرضا فهو صائم غانم.
-ومن صام عن قبيح أفعالة وأفطر على تقصير أماله فهو صائم مشاهد.
-ومن صام عن طول أمله وأفطر على تقريب أجله فهو صائم ثاهب.
من شريط عذرا رمضان لشيخ خالد الراشد
الموضوع الاصلي
من روعة الكون