كانت المستشفي هادئة علي غير عادة ذلك المساءالبارد جدا من يناير الا ان هدوءه كان كالنسمة التي تسبق العاصفة ... ونظرت الي الساعة في مركز الممرضات ، فاذا بها التاسعة .. عندئذ وضعت سماعة طبيب حول عنقي توجهت نحو الغرفة 712 ... وفيما كنت ادخل الغرفة نظر المريض السيد احمد الي الباب بلهفة ... لكنه سرعان ما خفض بصره حين ادرك ان القادم لم يكن سوي ممرضة... ووضعت السماعة علي صدره ورحت اتنصت الي دقات قلبه التي كانت قوية وبطيئة ومنتظمه ، مما لا يدل علي انة عاني نوبة فلبية خفيفة قبل ساعات قلائل ... ونظر الي والدمع يملا عينية .. ولمست يدة وانا انتظر ان يتكلم واخيرا قال < هلا استدعيت ابنتي؟ انني اعيش وحدي و ليس لي سواها > وما كاد ان ينهي كلامة حتي تسارعت انفاسة. وقويت كمية الاوكسيجين المعطاة له وقلت : طبعا ساخابرها واستدعيها . وقبض علي ملاءات السرير واندفع الي الامام وجهة متوتر من فرط الالحاح وقال : اريد ان تستدعيها فورا باقصي مايمكنك ... تسارعت انفاسة اكثر من ذي قبل..................... وربت علي كتفه وقلت : سيكون ذلك اول ما افعلة ، ولكن عليك الان بقليل من الراحه . واغمض عينية غير اني لم اشعر بدافع الي مغادرة الغرفه، فتحركت نحو النافذه وسط الصمت الذي يخيم علي المكان وكان زجاج النافذه باردا ونرت عبره لاري سحابه كثيفة اطبقت لي ركن المستشفي الخلفي المخصص للسيارات .. وكانت الغيوم توشي ظلمة السماء. وبعد قليل دعاني قائلا: هل لك ان تعطيني قلما رقه؟ ومددت يدي الي جيبي واخرجت قصاصة ورق وقلما وضعتهما علي الطالة بجانبة . وقال : شكرا فرمقتة بابتسامه وخرجت... وعند مراجعتي سجل السيد احمد عثرت علي اسم ابنته كاقرب الناساليه حصلت علي رقم هاتفها من الاستعلامات . الانسه نهي ؟ انا حنان ممرضة في المستشفي وبتكلم بخصوص والدك... لقد ادخل هذا المساء علي اثر نوبة قلبية .... وصرخت باعلي صوتها : ماذا تقولين ؟ هل هو علي فراش الموت ؟ وكان ذلك توسلا اكثر من استفهاما... واجبت محاولة اقناعها : ان ضعة مستقر الان......... فقالت : يجب الا تدعيه يموت ! وراحت يدي ترتجف علي الهاتف وانا اسمع صوتها المستغيث. انه يحصل علي افضل عناية . لكن تابعت استغاثتها : انك لا تدركين الامر.. لقد حصلت مشاده عنيفة بيني وبينه من مده ولم اره منذ سنة تقريبا . وكنت اريد طوال هذه المده ان اذهب اليه ليصفح عني وكان اخر ما قلته له < اني اكرهك> تكسرصوتها وسمعتها تنتحب بمرارة واخذت اصغي والدمع يحرق عيني .. هنا اب وابنته ابتعد كل منهما بعيدا عن الاخر وهذا جعلني افكر في ابي الذي تفصلني عنه مسافه طويله لقد انقضي وقت لم اقل له فيه < اني احبك> وبينما كانت نهي تحاول السيطرة علي نفسها ، تنفست وقلت وانا ادع الله ان يبقيه حيا حتي يراها ابيها وتطلب منه السماح والرضا وقالت نهي : اني قادة حالا وساكون في المستشفي خلال نصف ساعة. حاولت الهاء نفسي في سجلات المرضي ولكن لم اقوي علي تركيز افكاري وعبرت في ذهني صورة الغرفه 712 وشعرت بوجوب العودة الي هناك وانطلقت مسرعه عبر الممر . وما ان بلغت الغرفة حتي وجدت السيد احمد بلا حراك وجسست نبضه فلم اسمع اي صوت . واعلمت الموظف المسؤول بالامر فارتفع صوته بعد ثوان في ارجاءالمستشفي يستدعي اطباء الطوارئ الي غرفة 712 . وعلما ان السيد احمد اصيب بنوبة قلبية فقد جعلت سريرة في المستوي المناسب وانحنيت علي فمة اتنفس بقوة لادخال الهواء الي رئتية وضغط يدي علي صدرة بدات اعد من واحد الي15 وعاودت التنفس عبر فمه باقوي ما استطعت تري اين النجدة وكررت الضغط علي صدرة ثم التنفس ورحت ادعو الله ان يطيل عمره حتي تاتي ابنته وفجاة انفتح الباب ودخل الاطباء والممرضات وهم يجرون معدات الطوارئ امامهم وقاس احد الاطباء ضغط الدم وادخل انبوبه في فم المريض للتنفس الاصطناعي واعطته الممرضات حقن الدواء عبر الاورده. ووقفت اراقب جهاز تخطيط القلب الذي لم ترتسم علية اي اشارة صرخ احد الاطباء ابقي بعيدا وناولته المقبضين الخاصين بالصدمه الكهربائية فوضعهما علي صدر المريض وتكررت محالاتنا لكنها لم تحقق نجاحا. واوقفت احدي الممرضات حهاز الاوكسيجين فتوقفت القرقرة واخذوا ينسحبون واحدا بعد الاخر بقنوط وصمت قفت مذهولة الي جانب سريرة وكانت الريح تهز النافذه بعنف وتغطي الزجاج وتري كيف استطيع مواجهة ابنتة؟ خرجت من الغرفة فرايت نهي وقد قبض طبيب كان من قبل دقائق في الغرفة علي ذراعها ووقف يكلمها ثم سار في طريقه تاركا نهي تمشي مسترخية في محاذاة الحائط وعلي وجا الم مشبع بالدموع وفي عينيها جرح عميق. وامسكت بيدها واخذتها الي غرفة الممرضات حيث جلسنا من غير ان تنطق احدانا بكلمة بينما اخذت تحدق بوجه جامد ونظرات منكسرة. وقلت لها بارتباك نهي انني حزينه جدا لما حل بك... قالت : اريد ان اراه واردت ان اقول لها : لماذا تجرين علي نفسك مزيدا من الالم غير اني عوضا عن ذلك نهضت وطوقتها بذراعي ومشينا ببطء نحو الغرفة ودفعت الباب بقوة وذهبت الي حيث والدها ودفنت وجا في ملاءات السرير. وحاولت الا انظر الي ذلك الوداع الحزين واستدرت الي الطاولة فوقعت يدي علي قصاصة ورق وحملتها وقرات فيها الاتي: نهي يا اعز الناس اني اصفح عنك واتوسل ان تصفحي عني انتي ايضا اعرف انك تحبينني وانا كذلك احبك . ابـــــــــــــــــــــــــوك. وكانت الورقه تهتز في يدي وانا امدها الي نهي وقراتها مرة .. ثم مرة.. واخذت امارات السلام تتلالا في عينيها وهي تشد قصاصة الورق الي صدرها. ونظرت الي النافذه وانا اتمتم اشكرك يارب ورايت نجوما قليلة تومض وسط الظلمة ثم اختفت شكرا لك يا الله لانك جعلت العلاقات بين الناس وهي هشه احيانا قابلة للالتحام ولكن ليس هناك لحظة احدة تمكن اضاعتها. وخرجت من الغرفة علي رؤؤس اصابعي واسرعت الي الهاتف ساخابر والدي حالا ساقول له < انــــــــــــــــــي احـــــــــــــــــــــــــــــــبك >________________
الموضوع الاصلي
من روعة الكون