ظلم المجتمعات ( الظلم المجهول )
دائماً عندما نتحدث عن الظلم يكون في الغالب حديثنا عن ظلم الأفراد ، فهذا ظلمني وسرق مالي، وهذا ظالم مختلس ، وهذا ظالم لا يعطي الحقوق لأهلها ، وهذا وهذا وهذا ........... .
والظلم بشع ولا شك في ذلك ، والإنسان الحر فضلاً عن المسلم لا يرضاه ولا يعمل لأجله فالرب -جل وعلا - قد حرمه على نفسه ( إني حرمتن الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ) فجدير بنا بل لزام علينا أ نكون أبعد الناس عن الظلم. هذه الشعوب المتقدمة ترى الظلم فيما بينها أمر منكر ولكن ظلم الآخرين أمر يصار إليه ، لأن ذلك من حقوقهم - كما يرون هم -.
هذه شعوب متقدمة ولكنها استبدادية ترى الميزان هو ميزان القوة ، ولن تدوم لأنها ستجد من يقف بوجا في يوم من الأيام ، فالطبيعة البشرية لا ترضى مثل هذه السجايا ، فكيف بالطبيعة الإسلامية التي لا ترضى الظلم حتى للعدو الكافر ، فالعدل ديدنها لكل من على هذه البسيطة الواسعة
الظلم مفسدة النفوس وما لها غير الترفق في الأمور صلاح
فهو مستكره ومنكر لدى كل الناس .
لكن أعظم من هذا الظلم هو ظلم المجتمع للأفراد ظلم لهم في عوائده ، ظلم في تقاليده ومبادئه ، هو السلاح الفتاك الذي يفتك بالشعوب والأمم وهي لا تدري ، يأتيها في صورة الناصح الأمين وخلفه من الرزايا والبلايا ما الله به عليم ، هو ظلم قد انتشر وطم في البلاد ، ولكن لا نجد من يتصدى له ويكف عنا شر هذا العدوان القاتل فوبائه عظيم وبلائه جلل مخيف ، قد غفل عنه الناس واهتموا بظلم الأفراد ، وتركوا ما هو أعظم منه فإن زال المجموع زال الأفراد .
إن أغلب قضايا الظلم التي نعاني منها هو ظلم المجتمعات لأبنائها ، وقد تتضح القضية بالمثال فكما قيل بالمثال يتضح المقال .
فالمرأة في المجتمعات المسلمة والمحافظة تعاني من تيارين كل يزعم أن بيده حل لمشكلتها ، كل يقول أن أولى من يحل هذه المشكلة ، كل يدعي أن زمام حلها بيده ، كل يدعي أن رقيها وحضارتها وصيانتها بيده ، فهي تعيش بين رجل دين يزعم أنه يريد صيانتها وحفظ هذه الجوهرة المصونة ولكن عن طريق الكبت والتشدد والحزم عليها في كل أمور الحياة حتى تكاد تختنق فلا تجد متنفساً فهو يرمي عليها التهم وأنها محل لذلك بمجرد أي شك يختلجه تجده يلقي عليها اللوم والعقوبة .
وبين علماني أو مقلد للغرب فهو نسخة مكررة من الغرب له صلاحيته المؤقته ثم يرمى به بعيداً بعد الفراغ منه ، يزعم أن حفظ هذه الجوهرة بأفكاره الساذجة التي يتضح لأدنى رجل عامي أن وراء الأكمة ما ورائها ، وأنه يريد الوصول إليها وتحريرها من الأخلاق الفاضلة . |
ونسي كل الفريقين أن في شرع ربنا حقوق المرأة وأن ربنا - جل وعلا - أعطاها حقوقها قبل أن ينطق بذلك البشر ، وأنها شقيقة الرجل إلا فيما ورد التخصيص .
ولكن لم يخرج لنا من يتكلم عن المرأة إلا عندما تجاهلنا تطبيق هذه الحقوق ، وأصبحت كل قضية تطرح للمرأة تقلقنا وتقظ مضاجعنا ، وهذا إن دل إنما يدل على عدم الثقة بما عندنا من المبادئ والأصول مما يجعل للعداء مدخلاً علينا .
لنطبق النصوص كما يرضي ربنا ، ولنفهم واقعنا كما فهم أسلفنا واقعهم فأنزلوا كل مسألة حسب واقعهم ، ولندع عنا الخزعبلات التي لا تجدي ، ولا تقدم حلنا للقضية ، - أنا هنا لست أقدم قولاً فصلاً في هذه القضية لأني أعترف وأقر بأني لست أهلاً لذلك فقد تكلم علماؤنا في ذلك ولله الحمد والمنه - .
هذا مجتمعات مع المرأة تتجلى الصورة أكثر أن المرأة لو أخطأت خطأ كبيراً وعظيماً ثم تابت من ذلك واقلعت وأنابت فإن هذا الذنب يصبح معلقاً كالقلادة حول رقبتها ولو أصبحت من أعبد العابدات بخلاف الرجل لو أخطأ.
لا أدري هل نحن مأمور بتطبيق ما يملي علينا مجتمعاتنا أم بتطبيق الشرع ؟ فكل يزعم المحافظة حتى أصبحنا حيارى في شأنها وكل يدعي وصلاً بليلى.
فأقول لن تحافظوا على المرأة ولا غيرها من الممتلكات وغيرها من الأجناس والأفراد كما حافظ عليها الإسلام والشرع الحكيم ، ولكن ينقصنا من يفهم الإسلام هل التزمت والتشدد أم هو التمييع والتساهل ورمي النصوص ، أم هو الوسط العدل الذي امتدحنا القرآن من أجله وفضلنا على الأمم لتعلقه بنا .
هذا مثال من كثير من الأمثلة فهنا ليس مقام الحصر بقدر ماهو مقام للفت النظر حول هذا الظلم العتيد .
أتمنى أن تكون الفكرة قد وصلت لكم بالصورة المرادة.
محبكم.
الموضوع الاصلي
من روعة الكون