السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .. ,
لا أخفيكم مدى اعتزازي وفخري بما يقوم به الشباب المتطوع في مشروع ركاز لتعزيز الأخلاق من جهود طيبة وحملات إعلامية مستمرة حتى أنهم نقلوا تجربتهم الناجحة إلى بعض البلدان الخليجية حيث لاقت حملاتهم الإعلامية هناك نجاحاً متميزاً بتوفيق الله سبحانه ثم بجهود الشباب المخلصة.
ولقد لفت نظري في شوارع الكويت لوحة إعلانية كبيرة تم تقسيمها إلى نصفين: أسود وأبيض، حيث تظهر صورتان لنفس الشاب: واحدة عابسة سوداء، وفوقها كلمة سيئات، وأخرى مبتسمة بيضاء، وفوقها كلمة حسنات، والرابط بين الصورتين كلمة »بدلها« وهي شعار الحملة، فتصبح الجملة »سيئاتك بدلها حسنات«!
الفكرة ـ على بساطتهاـ أعجبتني جداً وجعلتني أغوص في معانيها وأتعمق في سبر أغوارها، ذلك أني لا أحب الوقوف عند معناها العام الظاهر، وأظن أن القائمين على الحملة أرادوا إيصال معان أكثر وأعمق وأشمل!
فكلمة »سيئات« كما أفهمها لا تقف عند المعنى الديني الضيق الذي يفهمه عامة الناس حيث يحصرونها على المعاصي والسيئات والذنوب، والتي نحن مطالبون ـ دينياًـ أن نستبدلها بالحسنات وفعل الطاعات (بمعناها الديني الضيق أيضاً)! بل إني أزعم أن مفهوم السيئة والحسنة قد ظلم (بضم الظاء) في ثقافتنا الدينية حيث قصرنا الأمر ـ كما ذكرتـ في دائرة الذنوب الدينية فقط، مع أن السيئة (كما يريدنا الإسلام أن نفهمها) واسعة وتستوعب كثيراً من السلوكيات اليومية التي نمارسها في بيوتنا وأعمالنا وأماكن اجتماعاتنا، ونفس المعاني تنسحب أيضاً على الحسنة بمفهومها الشامل!
بعضنا يقصر الحسنة والسيئة فقط في نفسه، ولا ينظر إلى بقية أفعاله المتعدية إلى غيره من الناس والمجتمع! إنك بحاجة إلى أن تفكر إلى أن تقصيرك مع أهلك سيئة وأن حضورك متأخراً إلى عملك سيئة وأن عدم أدائك ما تكلف به من مهام وظيفية سيئة وأن القسوة أو التكبر مع الآخرين سيئة وأن ترمي القمامة في الشارع سيئة وألا تقوم بحق وطنك عليك سيئة وأن تقصير الوزير في عمله سيئة وحرص عضو مجلس الأمة على مصلحته الشخصية البحتة سيئة وتأزيم البلد في مشكلات سياسية في غير فائدة سيئة، وهكذا حتى تستوعب السيئة كل مناحي حياتنا، ولكن القصة لم تنته عند هذه الحد لأن الحسنة كذلك تستوعب كل مناحي الحياة، وحيثما دخلت السيئة مكانا إلا ودخلته الحسنة، والحسنة خير وأبقى.
كما أرى أن أحد أسباب تأخرنا كمسلمين هو غياب ثقافة وقوع الخطأ والوقوف بجمود عند ارتكاب السيئة والنظر إليها على أنها نهاية الطريق وأن سيئاتي كثيرة ولا فائدة من أعمالي وغير هذا من التخرصات التي قد نرددها في أنفسنا! أننا بشر، وخلال حياتنا نرتكب الكثير والكثير من الحماقات والأخطاء صغيرها وكبيرها، بل لدى كل واحد منا (في الغالب) بعض الحماقات التي ارتكبها في الصغر، وبنعمة الله قد سترها علينا، لكننا ما زلنا ـ نفسياًـ نرزح تحت ثقلها وعبئها!
أخطأت.. نعم وأذنبت، أخطأت في حق نفسي وأهلي ووظيفتي ومجتمعي، فهل معنى هذا أن أظل أجتر الماضي وأندب حظي وأتذكر خطيئتي وفقط؟! الناس.. كل الناس تخطئ وتذنب وتقصر.. ليست هذه المشكلة، بل المشكلة أن نتوب ونؤوب ونرجع ونصلح الخطأ ونستبدل السيئات ونفعل الخير لكل الناس، ونبني الحضارات ونعمر الأرض، ونبدأ نفكر بإيجابية ونسعى إلى أن نكون مصلحين في أنفسنا ومصلحين في غيرنا!
كل الشكر والتقدير للقائمين على مشروع ركاز لتعزيز الاخلاق، وهذه دعوة للجميع بالتفاعل مع هذه الحملة و.. سيئاتك بدلها حسنات.
الموضوع الاصلي
من روعة الكون