بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمَّد، المبعوث رحمةً للعالمين، هادياً ومرشداً، بشيراً ونذيراً، وعلى آله وصحبه الكرام أجمعين، وبعد:
فقد أتى الإسلام لأجل سعادة الإنسان، وهدايته، وإرشاده، فقال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين}(سورة الأنبياء: [الآية: 107].) .
واعتنى بإنسان العالَم كله، وأراد أن يجعل من المجتمع العالمي مجتمعاً فاضلاً خيّراً، من خلال إرشاده لكلّ ما يسعده ويهديه.
ونستطيع أن نتبيّن ذلك من خلال الضّمانات التي حقّقها الإسلام في مجال العلم، والتربية، والكفاية، وتوحيد الأمة، ورعاية حقوق الإنسان، وفي مقدمتها نصرة المرأة وتحريرها، وحرّية الرّأي والاعتقاد، والتّعايش الكريم مع أبناء الدّيانات السّماوية.
1- الضّمان العلمي في الإسلام
ففي مجال العلم والمعرفة؛ أتى الإسلام لينقل النّاس من الجهل إلى العلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طلب العلم فريضة على كلّ مسلم))(رواه ابن ماجه، من حديث أنس رضي الله عنه.)، وقال أيضاً: ((ليس منّي إلا عالم أو متعلّم))(رواه ابن النجار، والدّيلمي عن ابن عمر، [كنز العمال ج10 ص168، حديث28871].)، وقال: ((اطلبوا العلم ولو بالصّين))(سورة الإنسان: [الآية: 9].) .
لقد وضع الإسلام للمسلمين قاعدة عظيمة في الضمان العلمي؛ إذ جعل العلم للجميع، غير منحصر بفئة دون أخرى، وتجلّت هذه القاعدة العظيمة في قول النّبي صلى الله عليه وسلم: ((ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يعظونهم؟...)).
أي: ما بالهم لا يبنون عقولهم على معرفة الأمور بحقيقتها، من غير خرافة وأوهام. (( .... ولا يأمرونهم ولا ينهونهم .. )) فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم مسؤوليّة العلماء أن يعلِّموا ويفقِّهوا، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر.
ثمّ بيّن مسؤوليّة الجاهل في أن يتعلّم، فقال: (( ... وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتفطنون؟ ... أو لأعاجلنّهم العقوبة في دار الدّنيا))(رواه ابن راهويه، وابن السكن، والطّبراني، وابن مردويه، [كنز العمّال، ج3 ص685، حديث 8457].) .
فهذا الهدي النبوي الشّريف، يشير إلى أنّ التعليم إلزامي في النّظام الإسلامي، فأمر العالم بالتّعليم، والجاهل بالتعلّم، ولم يكتفِ الإسلام بذلك، بل إنّ النّبي صلى الله عليه وسلم نفى الخيريّة عمّن لا يتعلم، فقال: ((النّاس رجلان عالم أو متعلّم، هما في الأجر سواء، ولا خير فيما بينهما من النّاس))(رواه الطّبراني في الأوسط عن ابن مسعود [كنز العمّال ج10 ص168، حديث 28870].) .
2- الضّمان التربوي والأخلاقي في الإسلام
وفي مجال التربية؛ جعل الإسلام التّربية الأخلاقيّة واجباً إلزاميّاً، ومحاربة المنكر والسّوء فريضة اجتماعيّة، تقوم بالتّكافل والتّضامن بين أفراد المجتمع، فتقع هذه المسؤوليّة على كلّ فرد في المجتمع، فالعالم يعلّم، والجاهل يتعلّم، والغني ينفق، قال تعالى: { لينفق ذو سَعة من سَعَته}(سورة الطلاق: [الآية: 7].).
اما الايمان
هذا, وان قوة ايمان العبد وكماله, لها علامات ودلالات يعرف بها, فهو دائما شديد الخوف من الله, قوي الرجاء به, يدعوه خوفا وطمعا, خوفا من عقابه, وطمعا في غفرانه وثوابه, فيقبل على ما هو حلال ومباح, ويتجنب محارم الله, ويقيم الحدود, ويشكر الله تعالى على نعمه الظاهرة والباطنة, ويرضى بقضائه وقدره, ويوقن تماما بأنه ملاق ربه, فيعمل جاهدا كل ما يرضيه, ليكون من الناجين من العذاب, والفائزين بحسن الجزاء والثواب, يقول الحق جل شأنه: "وادعوه خوفا وطمعا وان رحمة الله قريب من المحسنين" "الاعراف - 56".
قال تعالى: "يا ايها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله.." "النساء - 136".
ان الايمان المأمور به في هذه الآية الكريمة, هو التصديق بأن الله سبحانه وتعالى هو الإله الحق, الواحد الأحد, الفرد الصمد, الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا, وهو الحي القيوم? "الله لا اله الا هو الحي القيوم", وهو الاول فلا شيء قبله, وهو الآخر فلا شيء بعده, وهو الظاهر فلا شيء فوقه, وهو الباطن فلا شيء دونه, وهو الحميد المجيد, فعال لما يريد "انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون" "يس - 82".
وهو سبحانه وتعالى المنزه عن الشريك والشبيه والمثيل, أنزل الكتب السماوية, وأرسل الرسل لهداية البشر, واخراجهم من الظلمات الى النور بإذن ربه, يخرجهم من ظلمات الجهالة ودياجير الجهل, الى نور الايمان والهداية, وانه سبحانه يخلق ويحيي ويميت "الذي له ملك السماوات والارض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا" "الفرقان - 2", وهو الذي يبعث من في القبور "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى اجل مسمى ثم اليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون" "الانعام - 60", وهو سبحانه الذي يحاسب الناس على ما اجترحوا في دنياهم, ويجازيهم على ما فعلوا, فيثيب المحسنين, ويعاقب المسيئين "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" "الزلزلة 7-8".
كما ان الايمان المأمور به في الآية الكريمة, هو التصديق بأن جميع ما أتى به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو حق, وهو من عند الله سبحانه وتعالى
الموضوع الاصلي
من روعة الكون